بعد عام صعب دفع البشرية إلى حافة الهاوية، سياسياً وصحياً واقتصاديا ومالياً واجتماعياُ، يبحث الناس في عامهم الجديد عن حياة مختلفة، تؤسس للإجهاز على كورونا وتدفعنا نحو تغيير جذري في مناحي الحياة قاطبة، في قفزة تحتاج لتوافق واضح بين عدة أمنيات وتطورات تؤسس لولادة العام المنتظر.
الإجهاز على وباء كورونا أول تلك التطورات، لما يشكله من رعب حقيقي يحتاج إلى توفر اللقاح الفاعل والمنقذ للبشرية، والباعث للأمل، بعيداً عن التخوفات المحيطة بلقاحات اليوم، لكن الخروج من دائرة كورونا لا يرتبط فقط بالقضاء على سلالة واحدة، بل باقي السلالات المتعاقبة والمحتملة، خوفاً من تحّول الأمر إلى تفاعل تسلسلي، كذلك الذي تحدثه الانفجارات النووية، بحيث تجد البشرية نفسها أمام حال غريب، ما أن تكتشف فيه لقاحاً ما، إلا لتفاجأ بسلسلة جديدة لا يشملها اللقاح الجديد، وهكذا.
إفراط التفاؤل بالعام الجديد صعب، فالعالم لم يكن أفلاطونياً نموذجياً قبل كورونا، وما ترجوه البشرية هو تقهقر الغضب الكوني
ثاني تلك التحديات سيكمن في قدرة العالم على الصمود اقتصادياً، في وجه الزلازل الاقتصادية التي أوجدها الوباء، من بطالة وفقر وإفلاس واستنزاف لمقدرات الدول التي قاتلت لحماية بقائها، فاهتز لاهتزازها العالم بأسره، وهو ما سيقود حتماً إلى إعادة ترتيب الخريطة السياسية العالمية، بظهور وأفول اقتصادات قوية وتحالفات ومحاور.
ثالث تلك التحديات يكمن في خروج العالم من إطار المدرسة الترامبية، وما صاحبها من هزات سياسية مختلفة، أدت إلى خروج العالم عن طوره في التعامل مع عدة قضايا، وردود أفعاله في مواجهة الأخطار والأزمات التي أحدثتها الإدارة المنتهية ولايتها. والحديث لا يدور فقط عن القضية الفلسطينية، والشرق الأوسط والعالم العربي، بل يشمل مجمل الالتزامات الدولية التي انسحبت منها الولايات المتحدة الأمريكية، بما فيها اتفاقيات المناخ والتسلح والبيئة والثقافة والصحة، وغيرها الكثير، وهو ما ساهم في اختلال الأمور واضطرابها وانتقالها نحو مربعات جديدة.
رابع تلك التحديات ستكمن في القدرة على تحمل تبعات تراجع العملية التعليمية العالمية خلال عام 2020 وهو ما سيؤسس لتولي جيل جديد لم يحظَ بالتأهيل المطلوب لدفة القيادة مستقبلاً، الأمر الذي يستوجب أن تتخذ البشرية إزاءه خطوات أكثر تأقلماً، وأكثر قدرة على ضبط آليات إتاحة التعليم.
خامس تلك التحديات، توظيف الجيل الخامس للاتصالات، الذي سيظهر تجارياً هذا العام، لخدمة اقتصاديات الدول وتنويع وسائطها وتجاراتها وخدماتها وإمكانياتها، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والتصنيع.
سادس تلك التحديات تكمن في انتهاء حالة الاحتقان الدولي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين الشعبية، بما فيها محاصرة الخوف المتجدد من حرب عالمية ثالثة، تحمل وجهاً سياسياً، لكنها تضمر وجهاً تجارياً محضاً.
أما التحدي السابع فيخص العالم العربي، لما يشكله من تحدٍ إضافي بعد أن راكم العام الماضي هزات سياسية وصحية واقتصادية كبيرة، عزز التطبيع والشقاق والتنافر وصولاً إلى المزيد من الانهيارات في حالها ومالها. ولعل تطورات اليوم في تحقيق المصالحة الحقيقة بين دول الخليج، تشكل فرصة لوقف التراجع والحاجة للاستجارة بإسرائيل في مواجهة فزاعة إيران.
ثامن تلك التحديات تكمن في قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، بصورة تخفف من حالة الاحتقان القائمة، التي تصل ارتداداتها إلى عواصم عدة.
تاسع التحديات تأتي في إطار استيعاب كوريا الشمالية، وهي القوة النووية الكبيرة والخفض من شبح حرب، لا تقتصر على شبه الجزيرة الكورية، وإنما تمتد لتصل زوايا الكون.
عاشر التحديات وأهمها بالنسبة لكثير منّا يكمن في السعي الجدي للإدارة الأمريكية الجديدة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، على أرضية العدالة، والضغط على إسرائيل للتخلي عن سياسة الاستقواء، وسباق تسلح أحزابها بسلاح العنصرية، لتحقيق مكاسبهم السياسية لضمان بقائهم في سدة الحكم، والتغطية على مفاسدهم المالية والإدارية. يأتي هذا وسط شعورٍ عارمٍ بأن شيئاً لن يتغير في إطار ذلك الصراع، وأن ارتفاع منسوب التفاؤل بالإدارة الجديدة ليس أمراً واقعياً.
إفراط التفاؤل بالعام الجديد صعب للغاية، فالعالم لم يكن أفلاطونياً نموذجياً قبل كورونا، لكن ما ترجوه البشرية هو تقهقر الغضب الكوني الذي شهده العام 2020. أما العرافون في جلّهم، فلم يقدموا صورة ناصعة عن العام الجديد لذلك تبدو آمال الناس معقودة على مقولة: كذب المنجمون ولو صدقوا! عامكم مبارك.
كاتب فلسطيني
[email protected]
مقال اكثر من راءع وصريح وواقعي
تحليل راقي جداً
تهانينا للدكتور صبري ونأمل أن يتحقق ولو جزء بسيط من هذا التحليل. والأهم من ذلك كله ان نتعظ نحن الفلسطينيين وتخلى عن الكثير من أخطائنا وأكثرها فداحة وهو الانقسام وان نقتنع قناعة صادقة بالعودة الى الوحدة والإلتئام وكل عام وانتم بخير