ودعت البشرية عام 2022، لكنها لم تودع همومه؛ فهي تستقبل عام 2023 وهي لا تعرف على وجه اليقين ما هو الطريق الصحيح إلى مستقبل أفضل، وستكون مجبرة على التعامل مع الماضي أكثر من التطلع إلى المستقبل؛ فالهموم القديمة التي يحملها العام الجديد على كتفيه، أو يجرها وراء ظهره كثيرة وثقيلة، وتبدو وكأنها تكفي لملء جدول أعمال عقد كامل من الزمان، وليس عاما واحدا فقط، وذلك بعد أن فشلت البشرية في التعامل مع العقد الفائت بكفاءة، بينما كانت قياداتها مستغرقة في جدول أعمال رؤى ،2030 المستقبلية وخططها التنموية الطموحة.
الصين، وهي خُمس البشرية تقريبا، ما تزال تواجه خطر جائحة فيروس كورونا ومتحوراته، وهي إذا تعرضت لإغلاق اقتصادي جديد سيصاب العالم بالشلل. الدول الصناعية تكافح من أجل الخروج من الركود، وسط هشاشة إمكانات النمو، وتداعيات الحرب على التضخم، وتدهور العلاقات مع البيئة، وانتشار أسباب عدم الاستقرار جيوسياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وفي قلب الدول الصناعية الكبرى تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية أنانية تصطدم بالعالم كله، بما في ذلك مصالح حلفائها، الذين تصيبهم الحروب الاقتصادية والتكنولوجية، كما تصيبها أيضا، وتصيب خصومها. وبين هؤلاء جميعا توجد دول نامية تحاول الصعود، بينما هي في منحدر جيوستراتيجي، يجذبها بقوة إلى مصيدة الاستقطاب، أكثر مما يساعدها على الفكاك والصعود. عام 2023 سيكون عاما فاصلا بين خيارين، إما تحقيق أحلام العقد الثالث من القرن الجديد أو السقوط في هوة صراعات، قد لا تجد حلولا جذرية حتى منتصف القرن الحالي؛ فما فشلت البشرية في تحقيقه خلال السنوات القليلة الماضية لن يتحقق في عام واحد. وسيكون أكثر ما يتمناه العالم هذا العام، أن يرسم خريطة طريق صحيح للمستقبل القريب، وأن يضع قدميه على أول الطريق. لا تحلموا بأكثر من ذلك!
عام 2023 سيكون فاصلا بين خيارين، إما تحقيق أحلام العقد الثالث من القرن الجديد أو السقوط في هوة صراعات، قد لا تجد حلولا جذرية حتى منتصف القرن الحالي
المسألة الأمريكية
يبدو العالم من نافذة البيت الأبيض صغيرا جدا، لا يتسع لغير مصالح الولايات المتحدة، ولا يتحرك أو يتقدم بغير قوتها، بل الأفدح من ذلك هو اعتقاد القيادة الأمريكية بأن العالم يجب أن يحمل عنها أوزارها، وأن يدفع ثمن سياساتها. وقد عجزت القيادة الأمريكية للعالم منذ بداية القرن الحالي عن حل المشاكل والتناقضات التي تسببت هي إلى حد كبير في صناعتها، من الحرب على الإرهاب، التي بدأت بصناعة التطرف الإسلامي المسلح ليكون حليفها ضد الروس في أفغانستان، إلى صناعة الركود والتضخم بقوة محركات السياسة النقدية للبنك المركزي الأمريكي، وسط عاصفة حرب باردة جديدة، تستخدم واشنطن فيها أسوأ أدوات الحرب الباردة القديمة مثل الحروب بالوكالة، وسباق التسلح وتقسيم العالم إلى معسكرين متناحرين.
إن عجز العالم أمام الأزمات والتناقضات التي يعاني منها حاليا، ومنها أزمات الطاقة والغذاء والركود والتمويل، يمثل أحد ملامح فشل النظام الذي تريد القيادة الأمريكية فرضه. وإذا كان هنري كيسنجر يفسر أحد مصادر ضعف النظام العالمي الحالي بما سماه «فراغ القيادة» والطابع «النخبوي» للقيادات الحالية في العالم، الذي يقود إلى ترسيخ الوضع القائم وليس العمل على تغييره، فإن هذا التوصيف ينطبق أكثر ما ينطبق على القيادة السياسية في واشنطن، وعلى وجه الخصوص فترات حكم جورج بوش الابن، ودونالد ترامب، وجوزيف بايدن، حيث سادت سياسات إشاعة النزاعات، وإطلاق مبررات الحروب المسلحة، والعمل على تقويض «العولمة»، وهي الظاهرة التي ساعدت على تغيير طبيعة التقسيم الدولي للعمل، ودمجت بلدانا مثل الصين وفيتنام والسعودية والبرازيل والهند وجنوب افريقيا وتركيا والمغرب وسنغافورة وإندونيسيا وكوريا الجنوبية، في سلاسل صنع القيمة العالمية، أو «سلاسل الإمدادات»، ووضعت هذه الدول جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وكندا وأستراليا. هذا النمط الجديد للتقسيم الدولي للعمل يتعرض اليوم لضربات شديدة تهدف إلى تقويضه، وإعادة العالم إلى نظام مركزي تقف على رأسه الولايات المتحدة. ويبدو أن المسألة الأمريكية في السياسة العالمية أصبحت أكبر من مجرد «فراغ القيادة» الذي قدم له هنري كيسنجر في كتابه عن أنماط القيادة الناجحة في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. المسألة الأمريكية تحتاج إلى إعادة النظر في النظام السياسي الأمريكي نفسه، وإلى تطويره وتخليصه من الأسباب التي أدت إلى محاولة انقلاب 6 يناير المعادي للديمقراطية، وهي المحاولة التي تكاد تتحول إلى نمط عالمي للسلوك السياسي المعادي للديمقراطية، كما شهدناه في ما يفعله بولسونارو وأنصاره في البرازيل. إن فترة حكم ترامب، ومحاولته العودة للحكم مرة أخرى، هي ناقوس خطر يدق بقوة، داعيا إلى تجديد النظام السياسي الأمريكي، وإطلاق قوة نخبة سياسية جديدة تنتمي للطبقة الوسطى، وجيل جديد ينظر للعالم من نافذة أوسع، وعلى استعداد للتكيف مع حقائقه الجديدة. أما بقاء الحال على ما هو عليه، فسيجعل الولايات المتحدة تتحول تدريجيا لتصبح «رجل العالم المريض»، على غرار ما كانت عليه تركيا «رجل أوروبا المريض» في بدايات القرن العشرين.
المسألة الصينية
لن تستطيع الولايات المتحدة كسب حرب مزدوجة ضد كل من روسيا والصين، ولا يتحمل العالم هزيمة أي من الدولتين اللتين وضعتهما استراتيجية الأمن القومي الأمريكية على رأس خصومها، وتعتبرهما أهم مصادر تهديد نفوذها. إن «غرور القوة» لا يمكن أن يحل محل «القدرة على استخدام القوة». وقد أصبحت وسائل استخدام واشنطن للقوة في حل صراعاتها مع العالم أكثر تكلفة من العائد الذي تحققه لها. الأكثر من ذلك أن الولايات المتحدة تمول عمليات استخدام القوة باستنزاف نفسها وحلفائها وشعوبهم والعالم كله؛ وهي تعتمد على التوسع في «العجز» الذي تعاني منه، وليس بالسحب من فائض متاح لديها، لأنها تعاني من عجز سياسي يبدو جليا في «شيخوخة قيادتها ونظامها السياسي» كما يبدو اقتصاديا في قصور محركات نموها وعجزها المزدوج ماليا وتجاريا، وذلك على العكس من الصين. لقد استطاعت الصين خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تطوير نظام سياسي تجاوز كثيرا حدود «البيروقراطية المركزية» لحكم الأحزاب الشيوعية التقليدية، سواء في الإدارة السياسية أو الاقتصادية، وأدى النمط الجديد لإدارة السياسة إلى «توسيع اللامركزية»، وإلى خلق سوق تقوم على آليات المنافسة، من خلال نظام «اشتراكية السوق». هذا التطوير أصبح أساسا لإطلاق محركات النمو بقيادة طبقة وسطى جديدة، تمثل الآن أكبر طبقة وسطى في العالم من حيث الحجم، وهي طبقة تفرض خياراتها تدريجيا من خلال أجهزة الحكم المركزية واللامركزية، كما تتجلى إبداعاتها في تقدم تكنولوجي سريع ومستدام بيئيا واجتماعيا واقتصاديا، تحميه من العدوان الخارجي قوة عسكرية متنامية. وأظن أن ما بدأه دينغ هسياو بينغ في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، بإطلاق محركات القوة في الصين، هو عملية لم تكتمل بعد، وأن ما يقوده شي جين بينغ من تغييرات يسير في اتجاه استكمال هذه العملية. لقد تحولت الصين خلال عقود قليلة من دولة زراعية فقيرة متخلفة، لتصبح الآن ثاني أكبر قوة في العالم بمفهوم القوة الشاملة، وأكبر قوة صناعية، والقوة التجارية الأولى، والأسرع تقدما من الناحية التكنولوجية على الأرض وفي الفضاء. كما أن الصين تعلن بلا مواربة إنها ستكون قوة عالمية تعادل القوة الأمريكية على الأقل بحلول منتصف القرن الحالي، بل قد تتفوق إذا استمرت محركات العجز الأمريكي على حالها. الصين تتفوق في سباق المنافسة بكل تأكيد، ولا يمكن إنكار ذلك. هذا التفوق قد يحرم قوى أخرى من مزايا كانت تتمتع بها سابقا، ويجب التأقلم مع ذلك كما يقول كيسنجر، وكما تقول «الواقعية السياسية»؛ فالعالم يتسع لكل من الصين والولايات المتحدة والقوى الصاعدة الأخرى في إطار نظام دولي متعدد الأقطاب يقوم على أساس التشارك في المزايا والمكاسب. ومع ذلك فإن الصين سوف تواجه في العقد الحالي ثلاث معضلات رئيسية، يتعين عليها حلها، وإلا تعرضت محركات قوتها للقصور: المعضلة الأولى هي إقامة توازن صحيح بين مركزية سلطات الحزب الشيوعي، والطموحات السياسية والاقتصادية للطبقة الوسطى الضخمة، التي تتوق إلى حرية العمل والتفكير. المعضلة الثانية هي المحافظة على علاقات صحية بين الدولة والمجتمع، خصوصا مع الجيل الجديد الأكثر انفتاحا على العالم من خلال التكنولوجيا ووسائط التواصل الاجتماعي. أما المعضلة الثالثة التي تواجه القيادة الصينية في العقد الحالي والعقود القليلة المقبلة فهي ماذا تفعل الصين بفائض قوتها؟ هل تبدده في إشعال حروب ونزاعات؟ أم تستثمره في إشاعة السلام والرخاء، داخلها وفي العالم من حولها؟ وإلى جانب هذه المعضلات الثلاث فإن هناك معضلة ضخمة تشترك فيها أمريكا والصين مع العالم كله، ألا وهي معضلة إقامة علاقة صحية بين التكنولوجيا والديمقراطية.
كاتب مصري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أستاذ إبراهيم نوار , العالم يعيش ويجني ما فعلت يداه من عنجهية القوة وانانية الاستحواذ على الغير وطمع وفساد في كل شيء وحكام العالم من دول ديمقراطية وغير ديمقراطية ينظرون الى شعوبهم ك سلعة منها الرخيص ومن الغالي ومنها معدوم القيمة ومن نفس المنطق تتعامل الدول الكبرى الصناعية الغانية مع الدول الغير صناعية الفقيرة اذا لم يتم إيقاف الحروب على المستوى العالمي ويتم السلام بين الدول اذا كانت فقيرة او غنية بعد هذه السنوات الذي اصبح القتل والتدمير ونهب ثروات الاخر شطارة والدليل على القوة وفرض القوي السيطرة على الضعيف بقوة السلاح تم تدمير العراق تم تدمير سوريا تم تدمير اليمن تم تدمير لبيا كم مرة يتم تدمير أفغانستان الحروب في كل مكان تم الاستلاء على الأرض الفلسطينية والقتل المستمر في الشعب الفلسطيني على قدم وساق امام العدو والصديق واضطهاد الحكام لشعوبهم ونهب ثرواتهم و الدول القوية الغانية تقتل الدول الصغيرة بدم بارد وتنهب ثرواتهم طالما كل هذه الأسباب على قيد الحياة وهذا القنوان الذي يحكم القوي به الضعيف قانون غابة والله حرم الظلم على نفسه والانسان لا لم يتعظ من الامراض والخراب بقوة السلاح والفقر والظلم الذي لن يترك احد لا يلوم الا نفسه . وشكرا