عام على سقوط كابول.. بريطانيا لم تعلم بخطط أمريكا للانسحاب من أفغانستان وسط تحذيرات من انهيار الجيش الأفغاني

إبراهيم درويش
حجم الخط
2

لندن- “القدس العربي”: ناقشت صحيفة “صاندي تايمز” الخلافات بين أمريكا وحلفائها حول أفغانستان، والتي قادت إلى عودة حركة طالبان للحكم مرة ثانية، فبعد عشرين عاما من الجهود العسكرية وتريليونات الدولارات ومحاولة إعادة تشكيل أفغانستان، عادت طالبان للسيطرة، وعاد علم الإمارة الإسلامية في أفغانستان “بالأسود والأبيض” يرفرف على مؤسسات الدولة. وتلاشى الأمل في أن تكون النسخة الثانية من طالبان “متنورة” وتختلف عن النسخة الأولى التي سيطرت على البلاد من 1996- 2001، فلا تزال أفغانستان هي المكان الوحيد في العالم الذي تُمنع فيه المرأة من الذهاب إلى المدرسة والجامعة.

وفي التقرير الذي أعدته كريستيان لامب وكارولين ويلر وهاري يورك، قالوا فيه إن وزارة شؤون المرأة استبدلت بوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويجب على المرأة أن ترتدي الحجاب وهي بحاجة لمحرم في الرحلات التي تتجاوز مسافتها 72 كيلومترا. وتعيش منظمات المجتمع المدني في خوف “كما أننا نعيش في صندوق يتقلص” حسب وصف أحد الناشطين. وأطلق أمن طالبان النار في الهواء يوم السبت لتفريق تظاهرة نسائية تدعو للحقوق والتعليم. وفي الأسبوع الماضي، نفذت الحركة أول عملية جلد لامراتين بتهم الخيانة وآخرين بتهم السرقة.

وكان مقتل أيمن الظواهري، زعيم القاعدة في كابول قبل أسبوعين دليلا على أن الحركة لم تلتزم بوعدها ومنع تحويل البلاد لملجأ إرهاب. وستحتفل طالبان يوم الإثنين بالذكرى السنوية لهزيمة الناتو بعرض عسكري في معقلها بقندهار. وبالنسبة للغرب، فغزو أفغانستان بات الحرب التي يريد الجميع نسيانها. وقال سعد محسني، مالك شبكة تلفزيون “تولو” الخاصة: “لو استطاع البيت الأبيض شطب كلمة أفغانستان من القاموس لفعل”.

غزو أفغانستان بات الحرب التي يريد الجميع نسيانها. ولو استطاع البيت الأبيض شطب كلمة أفغانستان من القاموس، لفعل

وهو نفس الشعور لدى الحكومة البريطانية، فـ”توم تويغنهات”، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، والذي شارك في حرب أفغانستان، يرى أن هذه هي أكبر كارثة تواجه بريطانيا منذ السويس، لكن لم يتم التحقيق فيها أبدا. والتحقيق الوحيد الذي تم، هو عن طريقة الخروج الفوضوي من أفغانستان، حيث كشف عن بقاء وزير الخارجية في حينه دومينك راب في مصيفه بجزيرة كريت، تاركا الموظفين في الخارجية لمواجهة الأزمة بأنفسهم. ويرى مسؤول أن التقرير الصادم كان عرضا جانبيا مما حدث في الحقيقة، وأن الحرب كانت فرصة ضائعة. وتعتبر بريطانيا ثاني أكبر مساهم في الحرب، وهي أطول حرب تخوضها البلاد منذ حرب المئة عام، حيث أنفقت فيها 40 مليار دولار، وقتل فيها 453 جنديا وجرح المئات، تركوا بعاهات مستدامة وأمراض نفسية دفعت بعضهم للانتحار.

وطرحت الصحيفة عددا من الأسئلة في الأسابيع الماضية حول الخطأ الذي حدث، وما هي الدروس المتعلمة منه. ووجدت انفصاما بين وزارة الخارجية ومقر الحكومة حتى النقطة التي بدت فيها سيطرة طالبان على الحكم محتومة، وعندها بدأت لعبة التلاوم بين مؤسسات الحكومة والجنرالات والسياسيين. وقال نادر نادري، أحد المفاوضين الأفغان مع طالبان: “في ضوء تاريخ بريطانيا الطويل بأفغانستان والاستثمارات الكثيرة على مدى 20 عاما، والدم والثروة، فقد كان غريبا عدم وجود تواصل مع إدارة بايدن بشأن الانسحاب”. وأضاف أن باراك أوباما عندما خطط للانسحاب في عام 2016 تعرض للضغط من ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني في حينه، والمستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، حيث أبقى على عدد أكبر من الجنود هناك. وفي هذه المرة لم تسهم بريطانيا بالمفاوضات، وبدا كأن إدارة بايدن تتعامل وحدها مع طالبان. ولم يتم التدخل لمنع سقوط الإقليم بعد الإقليم في يد طالبان، بعد إعلان واشنطن عن خطط انسحابها.

وقال الجنرال نيك كارتر، الذي كان رئيس هيئة الأركان عند سقوط كابول: “ما حدث في الحقيقة ما بين 14-15 آب/ أغسطس كان العرض الأخير لمرض طويل” و”حقيقة عدم وجود استراتيجية سياسية متماسكة وغياب الفهم للسكان الأفغان وكيف تلاعب بهم التمرد. وحقيقة عدم مواجهة أي من أسباب التمرد- الفساد المستشري، العجز في الحكم، وشرطة لم تشكل من أجل حماية السكان”. وأضاف: “ربما كان التركيز على ما حدث في الفترة ما بين تموز/يوليو وآب/أغسطس أمرا تكتيكيا، لكن السبب هو أننا لم ننجح ببناء أفغانستان مستدامة وليس على الأقل جيش”.

ومن بين الأماكن التي يرفرف فوقها علم طالبان، هو مشروع الأكاديمية العسكرية البريطانية التي أنشئت في واد جنوب كابول عام 2013 بكلفة 75 مليون جنيه إسترليني وعرفت باسم “ساندهيرست على الرمال”. وقبل عام، كتب كارتر مقالا تباهى فيه بعدد المتخرجين من الأكاديمية الذي بلغ 5 آلاف كادر عسكري، معتبرا أن هذا أكبر إنجازات بريطانيا في أفغانستان. وعادة ما نظمت رحلات للصحافيين إلى الأكاديمية لإطلاعهم على برنامج الدراسة الذي يستغرق 42 أسبوعا. وفي أول حفلة تخريج للكوادر عام 2017، قال وزير القوات المسلحة، مارك لانكستر للخريجين إنهم لن يكونوا وحدهم، وأن القوات البريطانية قاتلت جنبا إلى جنب معهم. وعندما بحث المتخرجون في العام الماضي عن قوات الناتو والبريطانيين لم يجدوهم. وتبدو الأكاديمية المغلقة وكأنها رمز لحماقة العشرين عاما الماضية. ورغم التدريب على طريقة ساندهيرست والدعم الأمريكي، قرر الضباط الأفغان عقد صفقات مع مقاتلي طالبان الذين زحفوا من عاصمة إقليم إلى أخرى، بدلا من القتال.

كان هناك انفصام بين الخارجية البريطانية ومقر الحكومة حتى النقطة التي بدت فيها سيطرة طالبان على الحكم محتومة، وعندها بدأت لعبة التلاوم بين مؤسسات الحكومة والجنرالات والسياسيين

ومنذ البداية، لم يكن هناك هدف واضح تريد أمريكا تحقيقه في أفغانستان غير الانتقام لهجمات 11 سبتمبر، والقبض على أو قتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن الذي فر عبر جبال تورا بورا إلى باكستان. وأطاحت القوات الأمريكية التي دخلت أفغانستان في تشرين الأول/أكتوبر 2001 بحكومة طالبان خلال 60 يوما، ولم يكن أحد يتوقع بقاء أمريكا مدة 20 عاما. ومنحت التجربة السوفييتية للخروج من أفغانستان بعد غزو عام 1979 تحذيرا، فقد قال السفير الروسي السابق في كابول أندريه أفيتسيان: “من السهل الدخول إلى أفغانستان، ولكن من الصعب الخروج منها”. وحرفت الحرب في العراق النظر عن أفغانستان، مما منح طالبان الفرصة لتجميع نفسها ومواصلة القتال. وعندما أرسلت القوات البريطانية عام 2006 إلى هيلمند لإعادة الإعمار، قال وزير الدفاع جون ريد، إنه يأمل بعدم إطلاق رصاصة، وعندما انسحب البريطانيون من المنطقة كانوا قد أطلقوا 46 مليون رصاصة. وبحلول عام 2011، كان لدى الناتو 140 ألف جندي في أفغانستان بأسلحة متقدمة ليست موجودة في أي مكان من العالم. أما طالبان فقد كان لديها 20 ألف مسلح. ونظرا لجهل الناتو بطالبان، فقد كان ينسب الاقتتال القبلي للحركة، وظل يعتقد أن ملا عمر، زعيم طالبان على قيد الحياة، حتى بعد عامين من وفاته.

ومع تعيين قادة جدد للناتو، كانت تُزرع شجرة جديدة أمام  مقر الناتو في كابول، حتى كثر عدد الأشجار وبات محرجا، وكل قائد جديد يزعم أنها حرب جديدة و”عام حرج”.

وكان الناتو يقاتل لدعم حكومة فاسدة رأى الشعب الأفغاني أن أجهزتها هي سبب معاناتهم. وتم تقديم مليارات الدولارات لباكستان نظرا للدعم الذي تقدمه، في وقت كانت تلعب فيه لعبة مزدوجة وتوفر الملجأ لطالبان وبن لادن في أبوت أباد. وفي النهاية قرر المخططون إنشاء جيش أفغاني قادر على مواجهة طالبان ويسمح بخروج الأجانب. واتفقوا على جيش من 300 ألف جندي، بكلفة 83 مليار دولار. واقترح كارتر جيشا بقوة 60 ألف جندي، محذرا أن ما يقومون بتشكيله ليس مستداما. ولم يكن الجيش مكونا في غالبيته من البشتون، الغالبية في أفغانستان، لكنه أصبح يعتمد على المساعدة من الجو. وبدلا من توفير المروحيات السوفييتية المحدثة التي يعرف الأفغان التعامل معها، قُدمت لهم العربات الأمريكية المعقدة التي جعلتهم تابعين لـ16 ألف متعهد أمريكي في أفغانستان. وقال كارتر: “كان جيشا صُمم حسب الصورة الغربية، واعتمد على المتعهدين الأمنيين الأمريكيين في أي مساعدة فنية أو لوجيستية”. وأضاف: “قضيت معظم وقتي كنائب لقائد الناتو في عام 2013 محاولا إقناعهم بأننا بحاجة لعملية انتقالية، لكنني كنت أواجه آليات عسكرية أمريكية تم استثمارها في الجيش الوطني الأفغاني، واعتقدوا أنها تبني أمرا رائعا”.

ويرى عدد من مسؤولي الحكومة البريطانية أن الانسحاب من أفغانستان بات واضحا قبل 18 شهرا، وبعد توقيع دونالد ترامب اتفاقية مع طالبان في 29 شباط/ فبراير 2020. وكان ذلك اتفاقا غير عادي تم بدون الحكومة الأفغانية، بشكل أكد أنها مجرد “دمية” كما وصفتها طالبان دائما. والأكثر غرابة هو إجبار الحكومة الأفغانية على الإفراج عن 5 آلاف معتقل من طالبان. واقترح ترامب بداية تخفيض عدد القوات الأمريكية من 13 ألفاً إلى 8600 جندي في غضون 135 يوما، وإغلاق خمس قواعد عسكرية قبل الانسحاب الكامل في 1 أيار/ مايو 2021. ودعمت باكستان والصين وروسيا، الاتفاق. وصادق عليه مجلس الأمن الدولي بالإجماع. وفي لندن، أظهر بوريس جونسون تحفظا على الاتفاق وكذا وزير الدفاع بن والاس، ووزيرة الداخلية بريتي باتيل. وقال مصدر: “كان رئيس الوزراء ووزير الدفاع والداخلية غير مرتاحين من القرار”، و”لا أعتقد ان أحدا كان متفائلا من الانسحاب… كانت مرحلة صعبة”. وقال مصدر بارز في وزارة الدفاع البريطانية: “من الناحية الأساسية، فمنذ توقيع اتفاقية الدوحة لم أرَ أن الأمور في الصيف الماضي ستكون مختلفة. فقد كانت طالبان هي التي تدير عقارب الساعة. وكانوا يعرفون أنه لو لم تذهب الولايات المتحدة، فكل ما كانوا سيعملونه هو زيادة العنف بطريقة هامشية لتبدو أمريكا عاجزة، ولأنه لا توجد فرصة لإعادة نشر قوات أمريكية كافية للمشاركة في العمليات القتالية”. وفي البداية، رحب والاس باتفاقية الدوحة على أنها “خطوة صغيرة لمنح الأفغان فرصة للعيش بسلام” لكنه وصفها لاحقا “بالصفقة العفنة”. وقال ديفيد بترايوس، قائد القوات الأمريكية سابقا في أفغانستان، ومدير سابق لـ”سي آي إيه” إنها واحدة من أسوأ الاتفاقيات التي شاركت فيها أمريكا. وقال جون سبوكو، المفتش الأمريكي العام لإعادة إعمار أفغانستان، إن الاتفاقية دمرت معنويات الجيش الأفغاني المصمم على دعم أطراف أخرى له.

أظهر بوريس جونسون تحفظا على الاتفاق بين أمريكا وطالبان، وكذا وزير الدفاع بن والاس، ووزيرة الداخلية بريتي باتيل، الذين كانوا غير مرتاحين من القرار

ففي عام 2019، قامت أمريكا بـ7.423 غارة جوية، وهي النسبة الأعلى ما بين 2009- 2020. وبعد اتفاق الدوحة، انخفضت الغارات بنسبة 98%. وبدأت أفغانستان تؤثر على العلاقات الأمريكية- البريطانية التي ووصلت أدنى درجاتها عندما رفضت واشنطن مشاركة لندن في مجموعة من الملاحق السرية لاتفاق الدوحة. واحتوت الملاحق التي قرأتها طالبان على إجراءات الخروج ومواجهة الإرهاب. وظلت حكومة بريطانيا في الظلام حول محتوياتها، حتى طلب كارتر لقاء مع نظيره الأمريكي مايك ميلي. وقال مسؤول بريطاني بارز: “كانت هناك ملاحق سرية لاتفاق الدوحة قضينا أشهرا للحديث عنها”، و”انتهى نيك كارتر بالطلب من الجنرال ميلي لاطلاعنا عليها، ولم تكن لحظة جيدة في علاقاتنا”.

ولم تكن هناك خطة بديلة لدى حكومة أشرف غني في كابول، حيث بدأت بالتعامل مع إدارة بايدن التي أخذت بمراجعة المواعيد المحددة في اتفاق الدوحة. وخلال الخريف حتى الربيع، حذر قائد القيادة المركزية الجنرال فرانك ماكينزي من الخروج المتعجل الذي “سيقود للانهيار”، و”اعتقادي هو أنه يجب علينا البقاء” كما قال في مقابلة لاحقا، وأضاف: “أوصيت بالحفاظ على وجود صغير حتى نتمكن من تقديم مستوى من الدعم للأفغان، ولكن لم يتم الأخذ بنصيحتي”.

لكن تجربة بايدن مع أفغانستان في عهد باراك أوباما جعلته حريصا على الخروج. ويقال إنه لم يكن راضيا عن القيادة الأفغانية، حيث ترك مأدبة عشاء مع الرئيس الأفغاني السابق حامد قرضاي. وفي نقاشات الحكومة البريطانية، رأت أن هناك خلافا بين البيت الأبيض والجيش الأمريكي حول الخروج. وأعلن بايدن في نيسان/ أبريل 2021، أن الولايات المتحدة لن تخرج في الموعد المحدد، وأن الموعد الجديد هو 11 أيلول/ سبتمبر في الذكرى العشرين لهجمات 9/11، وحينها لن يتبقى سوى 2.500 جندي أمريكي في أفغانستان. لكن كارتر شعر بالضيق: “لم نكن نتوقع قرارا كهذا”. وقال مسؤول، إن بن والاس حاول التحاور مع دول حليفة للبقاء في أفغانستان في حالة انسحب الأمريكيون، ولكن بدون نتيجة. فالمشكلة هي أن العملية لا تقودها أمريكا عسكريا، ولكن كل الوجود مرتبط بأمريكا التي لو سحبت دعمها فلن يبقى أي مجال للدعم.

وفي غياب أي خطة لدى حكومة كابول، استطاعت طالبان في حملة نهاية الربيع وبداية الصيف مضاعفة المناطق الواقعة تحت سيطرتها من 73 إلى 233 منطقة. ومع بداية آب/ أغسطس، شنت هجوما على عواصم الولايات التي استسلمت مباشرة. وخلال هذه الفترة، استمر بايدن بالتأكيد على أن سقوط كابول ليس محتوما. وقال 8 تموز/ يوليو أخبر الصحافيين: “حجم القوات الأفغانية هو 300 ألف جندي، ولديهم معدات حديثة كأي جيش في العالم، وسلاح جو ضد 75 ألف مسلح من طالبان، وليس محتوما” السقوط. إلا أن كارتر رسم صورة قاتمة عن الوضع في أفغانستان بدرجة بات فيها سقوط الجيش محتملا في حالة خروج القوات الأجنبية.

وردّ البريطانيون بغضب في 31 آب/ أغسطس على بداية الانسحاب وإجلاء القوات، ثم أصبحت القصة معروفة، انسحاب غير منظم وسقوط كابول وانهيار الحكومة الأفغانية وتفكك الجيش الأفغاني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول احمد الشمري:

    احسن مثال على غباء الأمريكي بايدن تاجر الدم والحروب هو هذا الهروب وليس الانسحاب فامريكا بايدن يريدون بقاء طالبان قوية حتى تبقى هي الموثر على أفغانستان

  2. يقول محمد:

    هههههههههههه
    كل مخططات أمريكا طبخت في بريطانيا

إشترك في قائمتنا البريدية