طرابلس ـ «القدس العربي»: لم يمض عام 2023 بسلام، حيث شهد العالم خلاله كوارث طبيعية مدمرة أسقطت مئات الآلاف من الضحايا ولم تسلم الدول العربية والإسلامية من هذه الكوارث بل كانت في مقدمة المتضررين. سلسلة كوارث جعلت العلماء يناقشون بشكل جدي آثار التغير المناخي على العالم بل وضع بعضهم سيناريوهات أكثر سوءاً لكوارث أخرى متوقعة.
وأكدت منظمة اليونسكو، أن عام 2023 ضرب رقما قياسيا على مستوى الكوارث، في الأرواح والخسائر المادية، وقد اجتاز خسائر عامي 2020 و2022.
زلازل مدمرة
وبشكل عام كانت بداية عام 2023 قاسية بجميع المقاييس حيث شهد فيها العالم أحداً من أكثر الزلازل تدميراً وفتكاً والذي أطاح بآلاف الضحايا في تركيا وسوريا في فجر السادس من شباط/فبراير الماضي، وكان بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر وتلاه زلزال آخر بقوة 7.7 درجات بعد ظهر اليوم نفسه.
وأودى الزلزال بحياة أكثر من ستة آلاف سوري، في وقت أحصت الهيئة العامة التركية لإدارة الكوارث «آفاد» مقتل 44374 شخصاً، ما يرفع حصيلة البلدين إلى 50325 شخصاً، ولم يتوقف الأمر على القتلى والضحايا فقط بل تسبب هذا الزلزال في إصابة عشرات الآلاف من البشر وتدمير مساكن مئات الآلاف بل الملايين والذين ظلوا حتى الآن على قوائم النازحين خاصة في الشمال السوري.
وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، أحصت وزارة الصحة السورية مقتل 1414 شخصاً في حصيلة نهائية وفي المناطق التابعة للمعارضة أحصت السلطات مقتل 4537 شخصاً، وفق وكالة «فرانس برس».
وقدرت الأمم المتحدة في وقت لاحق أن الهزات الأرضية أودت بحياة نحو 50 ألف شخص، غالبيتهم العظمى في تركيا، وأدى الزلزال إلى سقوط آلاف المباني وزاد من البؤس في المنطقة التي دمرتها الحرب المستمرة منذ 12 عامًا في سوريا وأزمة اللاجئين وألقى الكثيرون باللوم على قوانين البناء المتساهلة فضلًا عن استجابة الحكومات البطيء حيال تفاقم الأزمة.
وفي المغرب، ضرب البلاد زلزال كارثي بقوة 6.8 درجة على عمق 18.5 كيلومتر في 8 أيلول/سبتمبر، ما أسفر عن مقتل وإصابة آلاف الأشخاص وتسبب في دمار واسع النطاق.
وكان مركز الزلزال قد وقع على بُعد نحو 75 كلم جنوب غرب مراكش قرب بلدة إغيل في جبال الأطلس، وحسب هيئة المسح الجيولوجي الأمريكي فمنذ عام 1900 لم يقع أي زلزال بقوة 6 أو أقوى ضمن مسافة 500 كلم من هذا الزلزال.
ومن المغرب وتركيا وسوريا إلى أفغانستان التي شهدت في تشرين الأول/اكتوبر الماضي زلزالا تسبب بمقتل أكثر من 2400 شخص في مناطق ترتفع فيها بالفعل احتمالات وقوع الزلازل، حيث تقف جميعها أعلى الاحزان الألبي، وهو حزام زلزالي وجبلي يمتد لأكثر من 15 ألف كيلومتر على طول الهامش الجنوبي من قارتي آسيا وأوروبا.
الأعاصير والفيضانات
ومن المغرب إلى ليبيا حيث وفي العاشر من ايلول/سبتمبر الماضي، شهدت مدينة درنة الليبية، كارثة مروعة أسفرت عن مقتل آلاف الأشخاص جراء إعصار دانيال الذي دمر الأخضر واليابس في المدينة الليبية، وتسبب في دمار كبير للبنى التحتية.
وحسب البيانات الرسمية فقد أسفرت الفيضانات عن مقتل أكثر من 4300 شخص، ونزوح 40 ألف ضحية داخليًا، فضلًا عن تعرض نحو 70 في المئة من البنية التحتية في المناطق الشرقية للضرر، كما لحقت أضرار بنحو 95 في المئة من المؤسسات التعليمية، ما أدى إلى تعطيل العملية التعليمية على مستوى البلاد وتم إعلان حالة الحداد لمدة ثلاثة أيام.
وليل الأحد الاثنين العاشر من ايلول/سبتمبر الماضي، انهار السدان الرئيسيان على نهر وادي درنة الصغير ما تسبب في انزلاقات طينية ضخمة دمّرت جسورا وجرفت العديد من المباني مع سكانها وخلفت عشرات الآلاف من القتلى والمفقودين.
وقال مسؤول في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إن حصيلة القتلى ضخمة وقد تصل إلى آلاف الأشخاص، بالإضافة إلى 10 آلاف شخص في عداد المفقودين.
وتشرّد 30 ألف شخص على الأقل، بالإضافة إلى ثلاثة آلاف شخص في البيضاء وأكثر من ألفين في بنغازي، وهي مدن تقع إلى الغرب، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة. وتضرر 884 ألف شخص بشكل مباشر من الكارثة، حسب المنظمة.
وفي مقاطعة جنوب كيفو بالكونغو، قُتل 438 ضحية في كارثة الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة، وأعلنت البلاد فترة حداد وطني بعد الكارثة.
كما جرفت الفيضانات المفاجئة حياة ما لا يقل عن 80 من سكان ولايتي هيماشال براديش وأوتاراخاند. وشهدت المنطقة أسوأ أمطار غزيرة منذ 50 عاما حيث أعلن عن مقتل 31 شخصا على الأقل في فيضانات في ولاية تاميل نادو الهندية.
حرائق ضخمة
ومنذ فترة طويلة، أطلق علماء المناخ تحذيراتهم من فصول صيف قاسية تشهد موجات حرّ قاتلة وعواصف مفاجئة ومحيطات شديدة الحرارة، وهذا يؤكد أن تحطيم هذا الصيف للعديد من الأرقام القياسية هو نتيجة واضحة لارتفاع حرارة النظام المناخي.
وإثر ذلك واستمراراً لسلسلة الكوارث فقد شهدت دول شمال أفريقيا، وخاصة المغرب وتونس والجزائر، موجة حرائق غابات ضخمة خلال شهري اب/أغسطس وايلول/سبتمبر 2023 ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص وتدمير مساحات شاسعة من الغابات.
وشهد العام أيضا سيلاً من حرائق الغابات حول العالم، اتسمت بشراستها واستمراريتها، حيث مرت اليونان بحرائق غابات بمنطقة «إيفروس» الشمالية الشرقية وصفت بأنها الأكبر خلال الأعوام العشرين الماضية إذ استمرت لنحو أسبوعين.
وأدت الحرائق التي اندلعت في 19 آب/اغسطس الماضي إلى حرق أكثر من 292 ألفاً و587 هكتاراً من مساحة الغابات التي قيل إنها أكبر من مدينة نيويورك الأمريكية، وفقاً للمفوضية الأوروبية.
واتهمت إدارة العاصمة أثينا مخربين بإشعال الحرائق في غابات «إيفروس» وغيرها، والتي انتشرت بسرعة بسبب الرياح القوية ودرجات الحرارة المرتفعة وأسفرت الحرائق عن مصرع 20 شخصاً احترقوا حتى الموت، بينهم طفلان، في غابة «داديا» بمنطقة «إيفروس» وفق السلطات المحلية.
بدورها، شهدت غابات الأمازون خلال عام 2023 ارتفاع عدد الحرائق خلال النصف الأول من العام إلى 8344 حريقاً لتسجل أعلى مستوى لها منذ 16 عاماً، بسبب تغير المناخ، وخاصة موجة الجفاف الشديدة.
وفي كندا وحسب بيانات المركز الكندي المشترك بين الوكالات لحرائق الغابات «CIFFC»وصلت مساحة الأراضي المتضررة في البلاد إلى أعلى مستوى في تاريخها، متجاوزة 7.6 ملايين هكتار من الأراضي التي دمرتها حرائق الغابات عام 1989.
وبلغت مساحة الغابات المتضررة من حرائق الغابات في كندا لعام 2023 قرابة 18.5 مليون هكتار، وهي مساحة أكبر من مساحة كوريا الجنوبية وكوبا.
وفي إسبانيا، اندلع حريق غابات في 15 آب/اغسطس أتى على حوالي 10 آلاف هكتار من الأراضي، وهو ما وصفته السلطات بـ«الأسوأ على الإطلاق بالنسبة لجزر الكناري». وتسببت الحرائق في إجلاء أكثر من 12 ألفاً و600 شخص من منازلهم، وفق مسؤول حكومي.
كما أن الحرائق التي اندلعت في منطقة الغابات بجزيرة ماوي بولاية هاواي الأمريكية مطلع آب/اغسطس الماضي، أدت إلى مصرع 100 شخص، في أكبر عدد من الضحايا يتم تسجيله جراء الحرائق في البلاد خلال المئة عام الماضية.
وقال حاكم هاواي، جوش غرين، في تصريحات صحافية، إن نحو 2200 مبنى دمرت نتيجة الحرائق، وبلغت الأضرار المالية قرابة 6 مليارات دولار وأضاف أن «هذه أكبر كارثة شهدتها هاواي على الإطلاق» بدوره، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن جزيرة ماوي «منطقة منكوبة» بسبب الحرائق.
وتشير تقارير رسمية إلى أن حرائق الغابات كلفت أوروبا نحو 4.43 مليار دولار من الأضرار هذا العام، حيث اجتاحت الحرارة الشديدة البحر المتوسط من اليونان إلى إسبانيا.
وتظهر بيانات عام 2023 أنه حتى الآن، تسببت حرائق الغابات في حرق حوالي 500000 هكتار من الأراضي الطبيعية في الاتحاد الأوروبي ويشمل ذلك أكبر حريق غابات منفرد (أليكساندروبوليس، اليونان) تم تسجيله في الاتحاد الأوروبي، حيث احترق أكثر من 96000 هكتار.
ومن الجانب الآخر من العالم، فقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية العديد من الظواهر الطبيعية هذا العام، فيما سجلت رقمًا قياسيا حتى الآن في حين لم تنته سنة 2023 بعد، فيما ساعدت العاصفة النارية القاتلة في هاواي والعواصف المائية الناجمة عن إعصار إداليا في دفع الولايات المتحدة إلى رقم قياسي في عدد الكوارث المناخية التي تكلفت مليار دولار أو أكثر. ولا يزال أمامنا أربعة أشهر لمواصلة ما يبدو وكأنه تقويم للكوارث.
وأعلنت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي أن هناك 23 حدثًا مناخيًا متطرفًا في أمريكا كلفت ما لا يقل عن مليار دولار خلال العام حتى آب/أغسطس الماضي، متجاوزًا إجمالي الرقم القياسي على مدار العام البالغ 22 حدثًا المسجل في عام 2020. وحتى الآن، كلفت كوارث هذا العام أكثر أكثر من 57.6 مليار دولار وأودت بحياة 253 شخصًا على الأقل.
وخلفت الكوارث الطبيعية آثارًا اجتماعية واقتصادية ضخمة في الدول المتضررة، وحسب تقرير للأمم المتحدة، فقد تسببت الكوارث الطبيعية في عام 2023 في تشريد أكثر من 10 ملايين شخص، وفقد ملايين الأشخاص وظائفهم.
وبخلاف الكوارث الطبيعية، فقد كان لنشاط الإنسان على الأرض لاسيما بالدول الصناعية بالغ الأثر في استمرار تهديد ظاهرة تغير المناخ للشرق الأوسط، تلك المنطقة التي من المتوقع أن تؤدي درجات الحرارة المتزايدة فيها إلى المزيد من الجفاف الحاد بها؛ حيث شهد العالم في 2023 موجة حر قاسية، وارتفاع درجة حرارة الأرض لمستوى قياسي في عدة مناطق بالعالم ليصبح هذا العام الأكثر سخونة على الأرض منذ نحو 125 ألف سنة، الأمر الذي أدى إلى توحش الظواهر الطبيعية وحدوث الإعصار والفيضانات وحرائق الغابات الضخمة.
تغير المناخ
وإضافة إلى سلسلة الكوارث واجهت دول أفريقية عدة موجات جفاف وفيضانات غير مسبوقة، وتعد الصومال الأكثر تأثراً بتغير المناخ بصورة مباشرة، فحسب الأمم المتحدة يعتمد نحو نصف سكان الصومال على المساعدات الإنسانية، وسيبلغ عدد المتضرّرين من الجفاف 8.3 مليون نسمة، وأشارت تقديرات صندوق الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف إلى وفاة 43 ألف شخص نصفهم من الأطفال دون سن الخامسة.
ويُعد تغير المناخ أحد أهم العوامل المؤثرة في تفاقم الكوارث الطبيعية، حيث يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الطقس، ما يؤدي إلى زيادة حدة الظواهر الجوية المتطرفة، مثل الفيضانات والجفاف والعواصف الشديدة.
وتظهِر الأبحاث أن 3.6 مليار شخص يعيشون بالفعل في مناطق شديدة التعرض لتغير المناخ وفي الفترة من عام 2030 إلى عام 2050 ويُتوقع أن يسبّب تغير المناخ نحو 000 250 حالة وفاة إضافية كل عام.
وتشير التقديرات إلى أن التكاليف المباشرة للضرر على الصحة (أي دون احتساب التكاليف في القطاعات المحددة للصحة مثل الزراعة والمياه وخدمات الصرف الصحي) تتراوح بين 2 و4 مليارات دولار أمريكي في العام بحلول عام 2030.
ووفقًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يُظهر أن التغير المناخي يؤثر بشكل كبير في العديد من المتغيرات المتعلقة بالمياه، مثل كميات هطول الأمطار وشدة الرياح، ما يزيد من تكرار وشدة الفيضانات.
بالإضافة إلى ذلك، يسهم ذوبان الأنهار والصفائح الجليدية في ارتفاع مستويات سطح البحر على مستوى عالمي. فقد ارتفعت مستويات المحيطات والبحار بحوالي 20 سنتيمترًا مقارنةً بما كانت عليه في عام 1900. وهذا يُعتبر أعلى معدل ارتفاع خلال قرن واحد خلال الألفية الماضية، ما يُسهل اندفاع مياه البحار إلى المدن أثناء حدوث الفيضانات.
ويستخدم العلماء عمليات المحاكاة الحاسوبية لتقييم زيادة احتمالية الأحداث المناخية المتطرّفة بسبب الاحتباس الحراري الناجم عن النشاط البشري. ومن الاستنتاجات الدقيقة التي وفّرتها هذه العمليات أن الموجات الشديدة من الحرّ التي ضربت جنوب أوروبا وجنوب الولايات المتحدة والمكسيك في حزيران/يونيو 2023 كانت «مستحيلة تقريباً» لولا تغيُّر المناخ الناتج عن النشاط البشري.
وسبق وأن أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن الإنذارات المبكرة وزيادة الاستثمار في نظام المراقبة العالمي الأساسي وبناء القدرة على الصمود في وجه الطقس المتطرف والمناخ ستكون من بين أولوياتها في عام 2023.
وأضافت المنظمة أنها ستروج لطريقة جديدة لرصد بالوعات ومصادر ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز باستخدام المراقبة الأرضية للغلاف الجوي العالمي والنمذجة الساتلية والاستيعاب لإتاحة فهم أفضل لسلوك الغازات الدفيئة الرئيسية في الغلاف الجوي الحقيقي.
ويمثل العامان ونصف العام الماضيان وحدهما 10 في المئة من الارتفاع الإجمالي في مستوى سطح البحر منذ أن بدأت القياسات باستخدام الأقمار الصناعية منذ ما يقرب من 30 عاما، وفقا لتقرير المنظمة المؤقت.
وحسب آخر تقدير فقد بلغ حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية في العالم حوالي 120 مليار دولار في النصف الأول من العام 2023 بتراجع طفيف مقارنة مع النصف الأول من العام 2022 الذي بلغت قيمة الأضرار فيه حوالي 123 مليار دولار، حسب تقديرات شركة سويس ري لإعادة التأمين السويسرية.
وكانت الكارثة الطبيعية الأعلى كلفة هي الزلزال العنيف الذي ضرب تركيا وسوريا في شباط/فبراير الماضي، وتسبب بخسائر اقتصادية فادحة بلغت 34 مليار دولار، تكبدت منها شركات التأمين حوالي 5.3 مليار دولار.