عبارات على لسان الأردنيين تتردد كثيراً: «ثقة مفقودة» و«فجوة بين الشعب والدولة»

بسام‭ ‬البدارين
حجم الخط
0

عمان – «القدس العربي» : حتى وزير الداخلية الأسبق والمرشح دوماً لـ»دور ما» لاحقاً، حسين المجالي، انضم علناً للمحذرين.. «الفجوة بين الدولة والمواطنين آخذة بالاتساع».
تحدث المجالي عن إجراءات «في المسألة الداخلية»، معتبراً أنها «الأسهل» مرحلياً، وتشارك مع رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة عندما استضافته صحيفة يومية «الغد» بنصيحة الحكومة بـ»مصارحة الشعب». عملياً، لا الروابدة ولا المجالي ولا غيرهما يقولون لماذا يطالبون الحكومة بالتحرك والتحدث إلى الناس والجمهور عندما يتحدثون عن «فجوة بين الدولة والشعب» أو «أزمة ثقة».
يعرف الساسة المحليون تماماً بأن الحكومة في لحظات الأزمة ومن دونها هي «الجسم الأضعف» في الدولة ولا تملك زمام أي مبادرة، على حد تعبير الناشط السياسي مروان الفاعوري.
لكن التحدث عن الحكومة باعتبارها صاحبة الولاية العامة هو الأسلوب المعتمد حتى عند طبقة رجال الدولة أو من تبقى منهم لتوجيه «رسائل» للسلطات العليا.
الملاحظات، هنا، على ما يسميه الشيخ زكي بني ارشيد بـ»النهج»، لكن المسؤولين السابقين يلتزمون بتقاليد التحدث عن ومع «الحكومات القائمة»، وإن كانت المساحة المشتركة تزيد وتنمو بعد صفقة القرن تحت لافتة «الوقاية المطلوبة وطنياً» والاستعداد لمرحلة صعبة ومعقدة، والأهم المطالبة بإجراءات حقيقية سريعة وفعالة ولها علاقة بملف الإصلاح السياسي والانتخابات.
الجديد تماماً في المسألة أن دعاة المصارحة والمصالحة لا يقتصرون الآن على مساحة أصحاب الرأي المستقل والمعارضين ومن هم خارج دوائر القرار، بل بدأ ينضم إلى هؤلاء مسؤولون سابقون وبعض رموز الدولة والقرار أيضاً، في مؤشر حيوي على مستويات القلق المرتفعة في المناخ النخبوي.
الحديث هنا عن «أزمة الثقة بين الشعب والدولة» مرتفع وحاد وعلى أساس أن تداعيات عملية السلام الجديدة والإقليم تتطلب أن يبدأ القرار من هذه الزاوية في التصويب والتعديل والوقاية من الاستحقاقات.
لكن بكل حال، الإقرار المركزي بوجود الأزمة مع الجمهور والشارع يحتاج إلى جرأة أكبر في التشخيص ثم في إقرار كيفية المعالجة التي من الصعب تخيلها إلا عبر بوابة الانتخابات العامة الوشيكة نهاية الصيف الحالي، حيث فرصة متاحة -و»قد تفوت»- لتجديد النخبة والعودة إلى مؤسسة برلمان شريكة وإنتاج مناخ إيجابي يساعد في استعادة تلك الثقة المفقودة.

المجالي انضم إلى الروابدة في نصيحة الرزاز بمصارحة الشارع

الثقة المفقودة التي تتسع أزمتها بين الدولة والناس يبدو أنه مفهوم يحظى بشبه إجماع في الطبقة السياسية الأردنية، فلا يخلو تحليل أو بيان أو تشخيص نقدي من عبارة الثقة المفقودة وضرورة العمل على استعادتها إجرائياً وليس لفظياً.
بدا لافتاً أن شخصية أمنية وعسكرية موزونة مثل حسين المجالي، تنضم إلى المتحدثين عن أزمة الثقة والعمل إجرائياً على استعادتها. لكن الأهم أن الذراع التشخيصي الأهم في السلطة، وهو المجلس الاقتصادي الاجتماعي، سبق الجميع عندما تحدث عن تراجع خدمات الدولة والثقة وطول فترة التحول الانتقالي في تقرير مثير عن حالة البلاد لعام 2019.
خلافاً للمنتقدين والملاحظين، طالب تقرير حالة البلاد المشار إليه بوضع خطة عمل وبرنامج تطوير الأداء لاستعادة تلك الثقة، مستبعداً إمكانية الاستمرار في هذا السياق الجدلي بنفس الأدوات والطرق والأساليب القديمة، التي قال وزير البلاط الأسبق مروان المعشر، مراراً وتكراراً، بأنها «لم تعد منتجة» و»لا يمكنها الاستمرار».
لامس رئيس الوزراء الحالي عمر الرزاز أيضاً، ودون تدبير، جدار انعدام الثقة نفسه عندما طلب في تصريح شهير من الأردنيين تجنب ربط ما يتقرر من مشاريع واتجاهات وخطوات بالجدل بعنوان صفقة القرن وتوابعها.
ملاحظ في السياق النخبوي أيضاً بأن صعوبة الأحداث وانسداد الآفاق ووجود «استعصاء» تحدث عنه علمياً الباحث الشهير الدكتور وليد عبد الحي، هي عناصر تساهم في التشويش على الرأي العام الأردني.
والأهم أن تلك العناصر تتحالف اليوم مع مؤشرات القلق الوطني في إخراج العديد من رموز العمل السياسي وطبقة رجال الدولة عن صمتهم في سياق سلسلة لا تتوقف من التحذيرات والمقالات والمساهمات التلفزيونية العامة، بما في ذلك طبقة المسؤولون السابقين ورؤساء وزراء الماضي.
تشهد الساحة المحلية اليوم زحاماً ملحوظاً على صعيد «الإفتاء السياسي» وتعبيرات التحذير العامة والتذكير بأزمة الثقة المتفاعلة مع الشارع والمكونات الاجتماعية، باعتبارها هوامش يمكن أن يتسلل منها «السلبي»، وفي أحوال أسوأ.. يمكن أن تتسلل منها إحباطات وأجندات في الحالات الأكثر دراماتيكية.
لافت جداً، في السياق، أن طبقة المسؤولين السابقين تمثل الشريحة التي ينبغي لها أن تقف مع الدولة والقرار في لحظة عصيبة جداً، وقد أصبحت الآن الطبقة القلقة أكثر من الناس، وتحتاج هي نفسها إلى إجراءات «تثبيت» وتبديد القلق حتى تنتقل للتحدث الإيجابي مع الناس.
اللافت أكثر وبصورة صارخة، أن الشارع قلق والنخب «غير مرتاحة» بوضوح، لكن الصف الرسمي إما «صامت» أو لا يبدو مهتماً بالتحدث ويسترخي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية