عمان- «القدس العربي»: «لن أغير موقفي من القدس… وشعبي كله معي»… شغلت هذه العبارة الناس بعدما كررها الملك عبدالله الثاني وسط جمهرة من أبناء مدينة الزرقاء في أول إطلالة ملكية مباشرة مع الشارع الأردني أعقب الوقوف الأخير على محطة واشنطن.
باختصار، زيارة الملك الأخيرة لواشنطن تضمنت مقابلات موسعة مع أركان الطاقم العامل على «صفقة السلام» ضمن فريق الرئيس دونالد ترامب ومع جنرالات البنتاغون وكذلك مع مفاصل مهمة في الكونغرس.
عمان تقرأ مستجد «الجولان» والرابط بين انتخابات نتنياهو و«الولاية الثانية» لترامب
ملك الأردن قال عبارته لتأكيد مبدأ ثابت في السياسة الأردنية على أساس أن القدس هي أعرض الخطوط الحمراء الأردنية في المرحلة، وبعدما شهد نشطاء وخبراء في نقاش ملكي سبق زيارة واشنطن رؤية تصر على «صعوبة عبور أي تسوية سياسية مهما كانت ما لم يوافق عليها الأردني والفلسطيني».
ما توحي به تلك العبارة الملكية التي وقف عندها الجميع سعياً للقراءة المعمقة أو التحليل أو التكهن هو باختصار الإشارة إلى أن الأردن يتعرض لضغوط بشأن ملف مدينة القدس أولاً. وأن القيادة تستعين بالشعب ثانياً في عبارة «ممانعة» هذه المرة تسعى للتأكيد بأن الأردن لن يكون طرفاً في قبول أي تسوية تقبل «عزل القدس» وتمس بالوصاية الهاشمية.
تلك الجملة الاعتراضية الأردنية تعني بأن الأردن قرر عزل نفسه عن أي سياق أو ترتيب يحاول العبث أكثر في ملف القدس، والزج بالموقف الشعبي مؤشر على الاستعداد لمرحلة «تحمل الكلفة» في حال وصل التعارض إلى محطة صدامية مع سيناريو ترامب الذي استبق الأحداث بدوره بإرسال وزير خارجيته مايك بومبيو لدعم نتنياهو وإعلان إقرار حق إسرائيل بـ «ضم الجولان».
الصراع مع عنصر الزمن في رأي المجسات الأردنية العميقة يقف وراء لعب ترامب بورقة «الجولان» في اللحظة الأخيرة ولأغراض انتخابية محضة، بما في ذلك إرسال بومبيو إلى المنطقة. قناعة مؤسسات القرار الأردنية تزداد تمسكاً بالنظرية التي تقول، وخلافاً للمألوف والدارج، بأن نتنياهو وترامب أصبحا في مركب واحد عملياً.
وبأن – وهذا الأهم – سقوط نتنياهو في الانتخابات أو عدم تمكينه من تشكيل حكومة لاحقاً سيكون الإشارة الأولى التي تعني بأن «الولاية الثانية» لترامب أقرب للمستحيل.
يبدو أن ورقة تقدير موقف مفصلة نوقشت بعناية في عمق القرار الأردني مؤخراً بهذا العنوان وعلى أساس يؤكد القناعة بأن «نفاذ نتنياهو» من الكمائن التي زرعت في طريقه بدعم من بعض مؤسسات العمق الإسرائيلي يوفر أمام ترامب فرصة الولاية الثانية وليس العكس. وذلك لا يعني- كما فهمت «القدس العربي» – أن فوز خصوم نتنياهو مؤشر حيوي على الاعتدال وتدشين عملية سلام بقدر ما يعني بأن منطوق صفقة القرن الذي يخيف الجميع يصبح بعيد المنال.
بمعنى آخر، الأردن – وبدون إعلان – وضع «بيضاته» في سلة العمقين الإسرائيلي والأمريكي الساعيين لإخراج نتنياهو من المشهد ودون توفر أي ضمانات بأن تتغير المعطيات كثيراً أو بأن يحصل ذلك فعلاً، الأمر الذي يفسر مجازفة أردنية غريبة قبل أسابيع عند استقبال زعيم ما تبقى من حزب العمل الإسرائيلي نكاية بنتنياهو.
تخوض عمان هنا الرهان مجدداً وسط سلسلة مقامرات سياسية تتغذى على مبادرات وإيقاعات الرئيس ترامب الغامضة، فالأردني لا يرى اليوم أي قيمة مضافة لقرار ترامب بخصوص الاعتراف بضم إسرائيل للجولان إلا في سياق تلك المعادلة التي تربط بين مصير إدارة ترامب في جولتها الرئاسية الثانية ومصير حكومة نتنياهو.
ولولا استشعار المجس الأردني الخبير لتلك «الفوارق» داخل المؤسسات الأمريكية لما صدرت الجملة الاعتراضية الملكية الصلبة التي تؤكد للخارج قبل الداخل بأن الشعب الأردني سيكون مع الملك في موقفه «الذي لن يتغير» من ملف القدس.
هو موقف اليوم أشبه باللعب مجدداً على عنصر التوقيت وأزمته، أملاً في أن تتغير المعطيات بالرغم من أن جاريد كوشنر ورفيقيه غرينبلات وجون بولتون، حاولا لفت نظر الأردن إلى أن التباين في موقف المسؤولين الأمريكيين من حكومة نتنياهو وفرصته لا ينسحب على الالتزام بإسرائيل وأمنها ومصالحها.
لكن الأردني يلعب في هذه المساحة بسبب عدم وجود هوامش مناورة تؤدي للمشاركة في اللعبة الإقليمية خارج ملف القدس ووسط تقدير بأن فقدان ورقة القدس تحت أي مسوغ أو بسبب أي خديعة أو مؤامرة يلحق ضرراً من الصنف الذي لا يستطيع الأردن إحتواءه أو تبريره.
حتى في اجتماعات أركان العائلة الهاشمية، ثمة تأكيدات دوماً على الخط الملكي الأحمر في مسألة القدس.
و»القدس العربي» استمعت مباشرة لوزير الأوقاف الدكتور عبد الناصر أبو البصل وهو يؤكد بأن بلاده لن تخضع لقواعد التسييس عندما يتعلق الأمر بـ «أمانة القدس» والدور التاريخي للأردن فيها، حيث لا مقايضات من أي نوع في هذه المساحة.