عباس يطلب “دولة” وبلينكن يرد: “خطوات ملموسة”… ماذا قالت السعودية؟

حجم الخط
0

“لن يحدث تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة”، قال أمس السفير السعودي في بريطانيا، الأمير خالد بن بندر. وفي مقابلة مع “بي.بي.سي”، أوضح السفير: “لا يمكننا التعايش مع إسرائيل بدون إقامة الدولة الفلسطينية”. هذه الأقوال لابن رئيس المخابرات السعودية السابق تعكس انعطافة في موقف السعودية منذ اندلاع الحرب في غزة، وتم تجميد المحادثات حول التطبيع بين الدولتين. تم تجميدها، ولكن لم يتم إلغاؤها، كما أشار في هذا الأسبوع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي قال عقب زيارته للسعودية إنه “لاحظ وجود فرصة لشبكة علاقات أفضل بين إسرائيل ودول المنطقة”.
الصيغة التي كانت حتى اندلاع الحرب قاعدة لتطبيع العلاقات بين الدولتين، ارتكزت إلى ثلاثة أسس: المصادقة الأمريكية على المشروع النووي في السعودية؛ وحلف دفاع بين الدولتين؛ وتفاهمات حول “تحسين ظروف حياة الفلسطينيين”، فيما صاغ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأساس الثالث بصورة أقل إلزاماً. “آمل أن اتفاق التطبيع مع إسرائيل سيدفع قدماً بتحسين ظروف حياة الفلسطينيين”، قال في مقابلة مع “فوكس نيوز”. “التحسين لا يعني الدولة الفلسطينية المستقلة”، و”الأمل في التحسين” لا يعتبر خطة عمل سياسية”، و”شرط الفلسطينيين في موقف السعودية ظهر في حينه كشرط يسعى بالإجمال إلى وضع إشارة “في” قرب “القضية الفلسطينية”. أما الآن فالحديث يدور عن سياسة تلزم واشنطن وإسرائيل والفلسطينيين بطرح خطة واقعية. وحتى لو لم يتم استكمالها في الفترة القريبة فستكون البداية لاستراتيجية سياسية جديدة.
السعودية لا تنوي في هذه المرحلة أن تكون مشاركة في صياغة هذه الخطة. “هذا نقاش يجب أن يكون بين إسرائيل والفلسطينيين”، قال ابن بندر. ولكن عندما سئل إذا كان بالإمكان مشاركة حماس في تشكيلة الحكومة الجديدة، لم يرفض هذه الفكرة بالكامل، وقال: “هذا يحتاج إلى التفكير والعمل الكثير. في أيرلندا مثلاً، يعترف بالحزب الأكبر رغم أن الكثير من أعضائه اعتبروا إرهابيين من قبل”.
السعودية ليست عضوة في نادي مشجعي حماس في الشرق الأوسط، بل شريكة كاملة في نضال مصر والإمارات ضد حركة الإخوان المسلمين وأحفادها، من بينها حماس والحركات الدينية الوطنية الأخرى في الشرق الأوسط. ولكنها تدرك جيداً الحوار السياسي في م.ت.ف، وبين م.ت.ف وحماس، حول مسألة “اليوم التالي”. هذا حوار يسعى لإقامة م.ت.ف مجددة، وليس فقط سلطة فلسطينية “مجددة”، حسب طلب الرئيس الأمريكي.
الزعماء الفلسطينيون الذين يتسابقون على الوراثة، أوضحوا علناً أن حماس والتنظيمات الفلسطينية خارج م.ت.ف، مثل “الجهاد الإسلامي”، مضطرة لتكون جزءاً من المبنى التنظيمي الجديد. هذا المبنى ستنبثق منه السلطة الفلسطينية “المجددة” التي ستدير غزة بدعم من الولايات المتحدة. بدون هذه الشراكة، لا شرعية لأي سلطة فلسطينية أو أي جسم فلسطيني آخر سيطلب منه إدارة القطاع. بخصوص الفجوة في الرؤية السياسية بين طبيعة القيادة الفلسطينية الجديدة والحاجة إلى إيجاد حل لمسألة إدارة قطاع غزة، يحاول زعماء الدول العربية ذات العلاقة جسرها مع الولايات المتحدة.
في الأسبوع الماضي، تم بذل الجهود في السعي لتشكيل إطار عملي يدير الإدارة الفلسطينية في القطاع. الإثنين، سافر الرئيس محمود عباس في زيارة خاطفة إلى مصر لتنسيق المواقف مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل المحادثات مع بلينكن. أمس، التقى عباس مع بلينكن، وفي المساء هبط في الأردن لحضور قمة ثلاثية مع الملك عبد الله والرئيس السيسي. حسب التقارير في وسائل الإعلام العربية، كانت المحادثات بين عباس وبلينكن متوترة وغاضبة، وفيها طلب عباس الضغط على إسرائيل لتحرير أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، جزء من هذه الأموال مخصص لدفع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، وجزء آخر يدفع لعائلات المخربين. وطلب عباس أيضاً وقف القتال على الفور، كما طلب تعهداً من أمريكا بأن لا تطرد إسرائيل سكان غزة من القطاع. وحصل بلينكن على مثل هذا التعهد من رئيس الحكومة نتنياهو، بل وعبر عن ذلك علنياً. هكذا، حول ذلك إلى التزام للولايات المتحدة نفسها، وليس للفلسطينيين والأردن ومصر فقط.
لكن من الواضح لجميع الأطراف أن تطبيق هذا التعهد يحتاج إلى إيجاد ظروف حياة معقولة لـ 2.3 مليون غزي؛ عودة سكان شمال القطاع إلى بيوتهم؛ والبدء في إعادة الإعمار والبناء لتخفيف ضائقة مخيفة قد تدفع السكان إلى اختراق الحدود نحو سيناء. إلى جانب جهود مبذولة لإيجاد ظروف حياة مناسبة، وحتى في الوضع الذي أصبح فيه معظم سكان القطاع بلا مأوى، فإن الإدارة الأمريكية تسعى لإقامة إطار الإدارة المدنية لليوم التالي للحرب، ونقل السيطرة المدنية لجسم فلسطيني.
مع ذلك، لم تصُغ الإدارة الأمريكية نفسها المعايير التي ستسمح بنقل السيطرة إلى الفلسطينيين. مثلاً، من غير الواضح ما يجب أن تشمل خطة “التجديد” للسلطة الفلسطينية كي تستطيع لعب هذا الدور في قطاع غزة، على الأقل أن تحصل على الدعم الأمريكي. هل سيطلب من محمود عباس ابن الـ 88 سنة، العمل فقط كرئيس رمزي وينقل صلاحية الحكم لرئيس الحكومة؟ هل سيتعين عليه ضخ “دماء جديدة” في السلطة؟ ماذا ستكون اختبارات الإدارة لهذه الحكومة؟ هل ستكون لهذه السلطة “المحدثة”، إذا تم تشكيلها، ضمانات بتقديم مساعدات مالية كبيرة، أمريكية أو عربية؟
محمود عباس، كما أوضح لبلينكن وقبله للرئيس المصري، يعارض تشكيل حكومة خبراء أو حكومة تمليها الولايات المتحدة. وقال إن أي حكومة سيتم تشكيلها على أساس إصلاحات إدارية وقانونية جديدة ستحتاج إلى موافقة م.ت.ف، الجهة التي وقعت على اتفاقات أوسلو التي أوجدت السلطة الفلسطينية. في هذه الأثناء، نشر بأن عباس طلب من الرئيس المصري عقد لقاء لرؤساء التنظيمات، بما في ذلك حماس و”الجهاد الإسلامي”، لمناقشة قضية تشكيلة م.ت.ف “الجديدة”. من غير المعروف إذا كان السيسي ينوي مناقشة ذلك وإذا كانت حماس ستوافق في هذه المرة على تبني الشروط التي وضعها محمود عباس لانضمام حماس لـ م.ت.ف. وضمن هذه الشروط استعداد حماس للانتقال من الكفاح المسلح إلى “الكفاح غير العنيف” والاعتراف بجميع الاتفاقات التي وقعت عليها م.ت.ف، بما في ذلك اتفاق أوسلو الذي يعترف بدولة إسرائيل.
لكن حتى قبل الحديث عن طبيعة وشكل هذه السلطة، ثمة مطالب أساسية لمحمود عباس من الإدارة الأمريكية: وقف إطلاق النار، ثم البدء في نقاش حول إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. في هذه النقطة الأخيرة، حصل على استجابة من الأمريكيين عندما أوضح له بلينكن بأنه “يؤيد خطوات ملموسة لإقامة الدولة الفلسطينية”. ولكن يبدو أنه لم يتم بعد وضع القاموس السياسي الذي سيوضح ماذا قصد بـ “الخطوات الملموسة”. هل ستكون واشنطن مستعدة لعقد مؤتمر دولي، مثلاً حسب نموذج مؤتمر مدريد، من أجل إظهار جديتها؟ هل تضمن بأن توافق الحكومة الإسرائيلية بالتركيبة الحالية، على المشاركة في مثل هذا المؤتمر؟
من غير السهل على الأمريكيين جعل إسرائيل تقدم تنازلات تكتيكية في مجال المساعدات الإنسانية أو حجم النشاطات العسكرية. وهم حتى الآن لا يعرفون متى وكيف ستسمح إسرائيل بعودة سكان شمال القطاع إلى بيوتهم أو الذين بقوا منهم. وستزداد الصعوبة عندما تحاول الولايات المتحدة الدفع قدماً بتفعيل سلطة فلسطينية في غزة. ربما تلزم المفاوضات السياسية الأمريكيين باتخاذ قرار استراتيجي، وهو مواجهة الحكومة الإسرائيلية.
تسفي برئيل
هآرتس 11/1/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية