بغداد ـ «القدس العربي»: بدأت موجة الانتقاد لحكومة رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، ترتفع، لتصل إلى تلويح عدد من أعضاء مجلس النواب بـ«سحب الثقة» عن الحكومة الجديدة، فيماً أعلن نواب آخرون «تعليق عضويتهم» في البرلمان احتجاجاً على عدم تمثيل محافظاتهم في الحكومة الجديدة.
وطالب النائب عن كتلة «النهج» الوطني، التابعة لحزب «الفضيلة»، حسين العقابي، البرلمان ورئيس الوزراء، بـ«تصحيح الأخطاء» التي رافقت عملية التصويت على الوزراء في الحكومة الجديدة، مهدداً بـ«سحب الثقة» عن الحكومة.
وقال في بيان : «مع تصاعد المطالبات الشعبية واتساعها بضرورة المبادرة لتصحيح الأخطاء التي رافقت عملية ترشيح الوزراء في جلسة البرلمان بتاريخ 24 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتواتر المعلومات وبروز الوثائق الدالة على فقدان بعض الوزراء للشروط الدستورية والقانونية المطلوبة في الوزير، نؤكد على أهمية تجاوب البرلمان ورئيس الوزراء بخطوات عملية ومتابعة جادة للتنسيق مع الجهات والدوائر الرسمية المعنية بالتحقق من توافر تلك الشروط وإثبات براءة بعض الوزراء مما أتهموا بِه، خصوصاً وأن رئيس الوزراء ذكر في جلسة منح الثقة أنه سيقدّم لاحقاً شهادات براءة مرشحي وزارته».
وأضاف: «أي إهمال وعدم تجاوب مع هذا المطلب الشعبي الواسع، يستدعي مبادرة أعضاء البرلمان إلى سحب الثقة ممن ثبتت هذه التهم في حقهم لنتدارك الخلل ونعالج الخطأ بأسرع وقت ممكن، وبخلافه فإن ثقة الرأي العام ستتعرض للاهتزاز بمجمل عملية تشكيل الحكومة والعملية السياسية». على حدّ قوله.
واتسعت دائرة الانتقاد للوزراء الـ14 (من مجموع 22 وزيراً)، الذي كسبوا ثقة مجلس النواب مؤخراً، في ظل اتهام بعضهم بالفساد والانتماء لحزب «البعث» المحظور ولتنظيم «الدولة الإسلامية».
آخر الانتقادات جاءت على لسان، جاسم الحلفي، القيادي في تحالف «سائرون» المدعوم من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، حيث رفض ترشيح عبد المهدي لوزراء تدور حولهم شبهات «تطرف وعنف وفساد».
وقال الحلفي، وهو أحد قادة الحزب الشيوعي العراقي أيضاً، في صفحته على «فيسبوك»، «لم تختلف القوى السياسية الفاعلة في شأن ترشيح عادل عبد المهدي لرئاسة مجلس الوزراء، وحظي ترشيحه للمنصب بدعم لم يحصل عليه أيٌّ ممن كلفوا سابقا بهذه المهمة. وفوق ذلك، وكما أفاد هو عند عرضه المنهاج الحكومي أمام مجلس النواب، لم يفرض عليه أحد من سائرون والحكمة وبدر والنصر، تسمية أي وزير، بل منحوه حقاً حصرياً في اختيار من يريد في إطار استحقاقهم الانتخابي».
وأضاف: «لو أحصينا عدد نواب هذه الكتل، وطرحنا منه عدد النواب الذين انسحبوا من كتلة النصر، لوجدناه يفوق المائة، أما إذا عدنا إلى الكتل التي أبدت دعمها له، وأضفنا نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، اللذين يحتفظ عبد المهدي بعلاقات تاريخية مع قيادتيهما، لوجدنا عدد النواب الداعمين له بدون تحفظ يقترب من 150، ما يوفر له دعما برلمانيا مريحا، يمكنه من اختيار ما لا يقل عن 12 وزيرا من أصل 22 يشكلون العدد الكلي للوزارة».
وطبقاً للحلفي، فإن عبد المهدي «لم يشكل الوزارة وفق هذا الحسابات، مع أنها ليست صعبة ولا غائبة عنه، ولو كان اعتمدها لتمكن من تشكيل حكومة فعالة قادرة على تنفيذ برنامجه الحكومي»، لكنه أشار إلى أن الأمور «لم تجر بهذه الطريقة، فقوى المحاصصة الطامعة بالمناصب سعت إلى فرض نفسها من جديد، ومارست الضغوط لتدفع الأمور على سكة المحاصصة ذاتها، التي أرهقت الشعب والبلد بمساوئها وتداعياتها الكارثية».
الشارع غير راض
وتابع: «لم تلبّ التشكيلة الوزارية غير الكاملة، أمل المتطلعين إلى الإصلاح إلا جزئيا، بعد أن لم تضم عددا كافيا من الوزراء الذين يحظون بثقة الشعب، في حين عبر الشارع عن عدم رضاه عن ترشيح وزراء تدور حولهم شبهات تطرف وعنف وفساد، وإن لم يفقد الأمل برؤية إصلاح حقيقي».
وأكد القيادي في تحالف «الصدر»: «لم يخرج رموز المحاصصة من الجولة خالي الوفاض، لكن أزمة النظام السياسي، وسعة الفساد وآثاره التدميرية، لا تسمحان لأحد أن يجامل على حساب ضمان الأمن وتحسين الخدمات وتوفيرها، لا سيما تلك الضرورية المتعلقة بالمعيشة والحياة وحفظ الكرامة».
ولفت إلى أن «أمام رئيس الوزراء اليوم، وقد نالت حكومته الثقة، مهمة استكمال تشكيلها بإسناد الحقائب الثماني المتبقية إلى وزراء يمتازون بالنزاهة والاستقامة والخبرة والكفاءة، لتكون قادرة على تنفيذ البرنامج الإصلاحي الذي يخرج النظام من أزماته المستفحلة، ويضع البلد على جادة التغيير والتطوير والتنمية».
وحسب المصدر، «من دون الإصلاح والتغيير الملموسين المنشودين، لن يتحمل الشعب ممثلاً بحركاته الاجتماعية وأطرها المتنوعة، بقاء حكومة تتشبث بطريقة الحكم التي عفا عليها الزمن، والتي عجزت عن تقديم الخدمات وحصدت الفشل ولم تنتج سوى الفساد والخراب».
ويبدو أن اختيار عبد المهدي، وزيرين للنفط والنقل، من غير أهالي البصرة، وعدم انصياعه لرغبات نواب وأهالي المحافظة الغنيّة بالنفط، دفع نواب البصرة إلى تعليق عضويتهم في مجلس النواب العراقي.
تحالف الصدر يقرّ بوجود وزراء متهمين بالفساد والتطرف والعنف
وقال النائب عن المحافظة عدي عواد في وثيقة: «من المؤسف أن يتم التعامل مع محافظة البصرة بجحافة كبيرة في الكابينة الوزارية، والتي كنا نأمل أن تكون أفضل من سابقاتها في إنصاف البصرة وأهلها، لكننا فوجئنا بمدى الإهمال الذي لاقته البصرة في تشكيل الحكومة الجديدة».
ولفت إلى أن «البصرة التي كانت ولا تزال المورد الرئيسي لاقتصاد العراق، والعامل الأساسي ووحدته والمنبع للعلماء والمفكرين والمبدعين والشريان النازف للدفاع عن أرض العراق وشعبه ومقدساته، فإنها تجابه بهذا الإهمال الذي لا نجد له تفسيرا والمزيد من الحيف لهذه المدينة المظلومة التي تعاني نقصا حادا في الخدمات الأساسية، لاسيما المياه وتواجه ظروفا بيئية مأساوية».
ويرى أهالي البصرة إنهم لم يلمسوا شيئاً من الحكومتين السابقة والجديدة، بشأن حل أزمة الخدمات المتفاقمة منذ تموز/ يونيو الماضي، الأمر الذي دفعهم للتفكير مجدداً بإحياء الحراك الاحتجاجي.
وقال الناشط المدني البصري، وأحد قادة الحراك الاحتجاجي في المدينة كاظم السهلاني، إن «المتظاهرين في محافظة البصرة عادوا يوم أمس (الأول) من المراقد المقدسة بعد أدائهم مراسم الزيارة الأربعينية، وهم اليوم في طور التحشيد لانطلاق التظاهرات مجددا»، مرجّحاً «عودة التظاهرات بعد أن تتفق التنسيقات على مكان وزمان محدد لإنطلاقها، خاصة وأن الشارع البصرية يتساءل عن موعد انطلاق التظاهرات من جديد».
وأضاف: «التظاهرات ستكون بوتيرة عالية، إذ لم يتحقق لغاية الآن أي شيء من مطالب المتظاهرين، وكل ما أعلن عنه مجرد بالونات إعلامية وهواء في شبك، فما زال الماء غير صالح للشرب، والبطالة بنسبها نفسها، والمصائب ما زالت على حالها، والمسؤولون عن قتل المتظاهرين ما زالوا موجودين في المحافظة».
ولم يستبعد أن «التداخل الحزبي قد يضعف من وتيرة التظاهرات من قبل الذين يريدون استغلال التظاهرات السلمية من أجل مناصب»، مشيراً إلى أن «المتظاهرين لا يهمهم موضوع حصول البصرة على حقائب وزارية، ففي الحكومة السابقة كان هنالك ثلاثة وزراء من البصرة ولم يقدموا شيئا للمحافظة».
وختم السهلاني حديثه بالقول: «يفترض بالوزير أن يكون مهنيا يخدم كل العراق. لا نريد للبصرة التهميش ولكن ليس بطريقة استغلال التظاهرات لمصالح حزبية، كما ليس من حق النائب أن يوقف دوره الرقابي التشريعي من اجل المطالبة بالوزارات»، في إشارة إلى تعليق عدد من نواب البصرة عضويتهم في البرلمان احتجاجاً على عدم تمثيل البصرة في الحكومة الحالية.
في الأثناء، يواصل عبد المهدي جولة حواراته مع القوى السياسية لاستكمال تشكيل حكومته الجديدة، وسط إصرار الكتل على فرض مرشحيها وفقاً لـ«استحقاقها الانتخابي».
4 مرشحين للدفاع
ومن بين أبرز المرشحين «المثيرين للجدل»، مرشح وزارة الداخلية عن تحالف «البناء»، فالح الفياض، الذي يواجه اعتراضاً من قبل تحالف «سائرون»، فيما لم تتفق القوى السياسية السنّية المنضوية في تحالف «المحور الوطني» على مرشحٍ وحيد لتولي منصب وزير الدفاع، الأمر الذي دفع المشروع الوطني العراقي، المنضوي في التحالف، إلى تقديم 4 مرشحين للمنصب.
وحصلت «القدس العربي» على نسخة من وثيقة مسرّبة، حمّلت توقيع الأمين العام لـ«المشروع الوطني» جمال الضاري، مقدّمة لعبد المهدي، تنصّ على ترشيح كل من، فيصل فنر الفيصل الجربا، وأعياد مزعل طوفان المحمدي، وكامل كريم عبادس الدليمي، وحامد عبد مطلك الدليمي، لمنصب وزير الدفاع.
ومن المؤمل أن يقدم عبد المهدي مرشحي وزاراته الـ8 الشاغرة (الدفاع، والداخلية، والعدل، والهجرة والمهجرين، والثقافة، والتربية، والتخطيط، والتعليم العالي والبحث العلمي)، للبرلمان في جلسة 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
وقد اتفق مع رئيس الجمهورية برهم صالح على أهمية تشكيل حكومة قادرة على تحقيق طموحات الشعب العراقي.
جاء ذلك خلال لقاء جمع صالح وعبد المهدي، «تضمن بحث آخر التطورات السياسية وملف إكمال تشكيل الكابينة الوزارية»، حسب بيان رئاسي، أشار إلى أن الجانبين أكدا على «أهمية الوصول إلى حكومة قوية قادرة على النهوض بمسؤولياتها وتحقيق طموحات وتطلعات الشعب العراقي».
ودعا رئيس الجمهورية، الكتل السياسية إلى «تغليب المصلحة الوطنية وإبداء الدعم والإسناد لرئيس الوزراء لاختيار باقي كابينته الوزارية على أساس الكفاءة والنزاهة والشروع بتنفيذ البرنامج الحكومي»، مؤكداً «دعم رئاسة الجمهورية لكل الجهود الخيرة الرامية إلى تحقيق الاستقرار والإعمار في البلاد».