رؤساء الاذرع الامنية تحفظواعلى هجوم بلا تنسيق
ان القيادة الاسرائيلية التي لم يكن لها ممثل في المحادثات في جنيف، اضطرت الى ان تنتظر من بعيد نتائجها، وان تأمل الا يسرع الغرب الى التخلي عن ممتلكاته في التفاوض. ان عمل اسرائيل في هذه المرحلة من الدراما واضح. فهي المحذرة الواقفة على الباب التي تلوح بتهديد الهجوم العسكري، رغم ان صدقه لا يبدو كبيرا الان. اذا انتهت الاتصالات بايران الى اتفاق فلن تكون اسرائيل راضية، وسيبقى المستوضح بعد ذلك ما هو الاصيل في عدم رضا رئيس الوزراء عن مواد الاتفاق، واي شيء هو جزء من لعبة ادوار معلومة مسبقا.
على حسب سلسلة طويلة من الانباء الاجنبية، وزن نتنياهو هجوما لاسرائيل مستقلا على ايران عند بدء فصلي الصيف والخريف في كل واحدة من السنوات الثلاث السابقة بين 2010 الى 2012. ورجوعا الى الخلف يبدو ان القرار الاشد حسما قد طرح في السنة الماضية. وبدا الاختيار في صيف 2012 في الحقيقة كاختيار بين القنبلة الذرية والقصف. وقد وزن نتنياهو بحسب تصريحاته المعلنة الكثيرة في تلك الفترة، بجدية امكان قصف اسرائيلي للمنشآت الذرية، من دون موافقة امريكية، الذي كان يراه افضل من استمرار تقدم ايران نحو القنبلة الذرية. وقد كان يملك بادي الرأي نافذة فرص بدت مغرية، وهي عملية في الاشهر الثلاثة التي سبقت انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة. وكان يمكن ان تجعل ادارة اوباما تواجه حقيقة منتهية، وتجعل من الصعب على الرئيس أن يدخل في مواجهة مباشرة مع اسرائيل معرضا نفسه لخطر المس بالصوت اليهودي في الانتخابات. واستقر رأي نتنياهو آخر الامر على عدم العمل.
وسادت وسائل الاعلام الاسرائيلية تقديرات ان وزير الدفاع آنذاك ايهود باراك انتقل فجأة من معسكر مؤيدي الهجوم، في آخر لحظة، وترك نتنياهو وحده (ثم من يعتقدون ان باراك لم يرد الهجوم قط في الحقيقة) وقد أنكر هو نفسه أي تغيير في ارائه انكارا شديدا. ومن المعلوم ايضا ان جميع رؤساء الاذرع الامنية تحفظوا من هجوم بلا تنسيق. وفي تلك الفترة نشر تقدير ان القصف الاسرائيلي سيؤخر البرنامج الذري الايراني سنتين فقط.
ويبدو الهجوم العسكري الاسرائيلي الان اقل احتمالا مما كان قبل سنة وسيعود التهديد العسكري الى الطاولة في الربيع القادم، فيما سيبدو مثل رقص وداع اذا انتهى التفاوض بين القوى الكبرى وايران الى عدم اتفاق.
اذا كان الخيار العسكري الاسرائيلي يبدو ضعيفا الان، فان خيار الهجوم الامريكي قد ازيل من برنامج العمل تماما، تقريبا. وقد اثبت هذا بصورة جيدة سلوك البيت الابيض في قضية السلاح الكيميائي السوري في بدء شهر ايلول/سبتمبر.
اراء اوباما بشأن السياسة الخارجية تقوم على دروس كيندي
حينما يفسر اسرائيليون لانفسهم التحفظ الامريكي من عملية عسكرية اخرى في سورية او في ايران بعد ذلك، فانهم يميلون الى ربط ذلك بالتعب العام في واشنطن وبحروب في الشرق الاوسط وبالمعارك الطويلة الباهظة الكلفة في العراق وافغانستان. ولكن معارضة اوباما اعمق، ويبدو انها ذات صلة بالخوف من تورط في حروب بشكل عام، اكبر من الخوف من نتائج مواجهة عسكرية خاصة. لم يحجم الرئيس في الحقيقة عن استعمال القوة للقضاء على اسامة بن لادن، لاجراء معركة طويلة لاغتيال ناشطي ارهاب باستخدام طائرات بلا طيارين، من باكستان الى اليمن، لكن يبدو أن هذا هو الحد الاعلى لمستوى التدخل العسكري الذي اصبحت الادارة الحالية مستعدة لالتزامه.
وقد أحسن تفسير ذلك بصورة غير مباشرة تقرير صحافي نشر في الشهر الماضي في مجلة ‘اتلانتيك’، تناول على الخصوص تحير رئيس امريكي آخر هو جون كيندي، الذي سيكون قد مرت خمسون سنة في هذا العام على قتله، ويصف روبرت دالك ذلك باطالة المواجهة الدراماتيكية بين كيندي وجنرالاته بسبب الفشل في قضية ‘خليج الخنازير’ في كوبا في 1961، وأزمة الصواريخ الكوبية بعد سنة ونصف السنة.
وتبين المقتبسات التي يوردها دالك بوضوح حذر كيندي من استعمال القوة العسكرية وعدم ثقته بالجنرالات في الاساس. بعد ذلك قال كيندي لواحد من مستشاريه انه أخطأ حينما صدق ان ‘للعسكريين ورجال الاستخبارات موهبة متميزة وخفية ليست عند البشر العاديين’.
ان اراء اوباما بشأن السياسة الخارجية تقوم في جملة ما تقوم عليه على دروس كيندي. ان لاوباما مشكلات أقل مع جنرالاته اذا قيس بكيندي. وقد اضطر الرئيس في حالة واحدة الى أن يعزل ستانلي ماكرستل قائد القوات في افغانستان، بسبب اظهار الاستخفاف بالبيت الابيض (في تصريح للصحافة) في ظروف ذكرت بالعلاقات بين كيندي والجنرالات.
ان المسؤولين الكبار الاخرين الذين عزلوا في ايام اوباما من رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، الجنرال دافيد باتريوس فمن دونه قد تورطوا في الحقيقة بقضايا صورية، لكن لم يكن لذلك علاقة في الاختلافات مع الرئيس. ومع ذلك كله، حينما يسمع اوباما الان تحذيرات نتنياهو المعلنة او يقرأ في صحيفة ‘نيويورك تايمز’ عن السيجار الذي يفضله رئيس الوزراء، يكون من المثير أن نعلم أيفكر ببهجة هجوم ضباط كرئيس هيئة القيادة الاستراتيجية في ايام كيندي، الجنرال محب السيجار كارتيس لهمي.
هكذا فعل الجميع
أيهما يعاني من جنرالاته اكثر، اوباما أم نتنياهو؟ كان لرئيس الوزراء مواجهة قاسية مع القيادة العليا السابقة للاذرع الامنية رئيس هيئة الاركان آنذاك غابي اشكنازي، رئيس الموساد السابق يئير داغان على الخصوص ونظيره في الشاباك يوفال ديسكن.
وكان الصدام متعلقا باختلاف بعملية اسرائيلية غير منسقة في ايران عارضها المسؤولون الامنيون الكبار الثلاثة على الدوام، لكن الصدام كان في جوانب شخصية ايضا مثل التبرؤ من داغان بعد الدعاوى التي سمعت في خارج البلاد على الموساد، على اثر اغتيال محمود المبحوح في دبي؛ وزعم داغان وديسكن ان نتنياهو تبرأ من وعده بتعيين ديسكن رئيسا للموساد بعد داغان.
وحقيقة أن رئيس الوزراء لم يتدخل في الصراع بين باراك واشكنازي الذي بلغ ذروته في قضية وثيقة هيرباز. واليوم، مع ثلاثة رؤساء امنيين جدد عينوا في فترة نتنياهو وبدعم منه، وهم بيني غانتس وتمير باردو ويورا كوهين، اصبحت علاقات نتنياهو تبدو افضل، رغم انه يبدو ان القيادة العليا ما زالت مصرة على معارضتها هجوما مستقلا على ايران.
ستدخل الشرطة والنيابة العامة منطقة قضائية غير معروفة
في مقالة نشرها الباحث العسكري البروفيسور يغيل ليفي في اطار معهد بحوث الامن القومي في جامعة تل أبيب، يزعم ان رؤساء الوزراء في اسرائيل قد عرفوا اياما اسوأ.
فقد استعرض البروفيسور ليفي تاريخ المشاحنات بين رؤساء هيئة الاركان ورؤساء الوزراء في العقدين الاخيرين، ووجد تحديا اشد من الجيش للمستوى السياسي. هكذا كان رئيس الاركان شاؤول موفاز الذي هاجم معلنا قرار رئيس الوزراء آنذاك ايهود باراك على الانسحاب من لبنان، وهاجم بعد ذلك التردد الاول لارييل شارون في مواجهة الارهاب الفلسطيني في الانتفاضة الثانية. ويعتقد ليفي ان علاقات القوى بين الجيش والحكومة تتأثر بسلسلة متغيرات كالصلة المتبادلة بينهما، ومسألة أيعتمد الائتلاف الحكومي على احزاب من اليمين ام من اليسار: ان الفرعين يحتاجان الى شرعية من هيئة القيادة العامة، كل واحد من الاتجاه العكسي.
ويفهم من المقالة ضمنا زعم ان اشكنازي لم يجدد كثيرا لانه كانت توجد دائما توترات بين الساسة والجنرالات، وان مواجهة اشكنازي لباراك لم تجرِ مثل تحد معلن، على الاقل.
ويطابق هذا تقريبا زعم اشكنازي حينما يهاجم بمشاركته في قضية هيرباز، فهو يقول: هذا ما فعله الجميع. وجود رئيس اركان بريء من الاحتكاك للمستوى السياسي؛ ولكن تحقيق الشرطة في القضية الذي جدد في تموز/يوليو يعتمد على الاشرطة المسجلة من مكتب رئيس الاركان، التي لم يكن يملكها بالطبع ناظرون من الخارج في حال اسلافه في منصبه. سيكون التحقيق الجديد اوسع، وسيفحص ايضا عن مسألة أكان هنا اخلال بثقة رئيس هيئة الاركان السابق بالمستوى السياسي.
ثمة نقطة مركزية سيتم فحصها تتعلق بالعلاقات بين رئيس هيئة الاركان ووسائل الاعلام، وهي هل حدث اجراء منهجي من قبل اشكنازي والعاملين معه على باراك (وعلى نتنياهو بقدر اقل) بواسطة وسائل الاعلام، وان يمر الحد؟
أليس سرا ابدا أن رئيس هيئة الاركان في ايام حكومة نتنياهو الاولى، امنون ليبكين شاحك لم يتأثر باداء رئيس الوزراء، بل انطلق من الفور مع تسريحه من الجيش الاسرائيلي الى السياسة، لينافس نتنياهو.
ستدخل الشرطة والنيابة العامة في تحقيقهما منطقة قضائية غير معروفة. يشك في أن يكون قد تطرق اليها في الماضي تحقيق جنائي في اسرائيل.
والاسئلة المتفرعة عليها لن تلمس فقط مكانة الجيش الديمقراطية بل المباح والمحظور ايضا من العلاقات بين قيادة الجيش الاسرائيلي العليا ووسائل الاعلام في الحدود الشرعية كحملة دعائية صحافية موجهة على رئيس وزراء مكلف، وتتطرق في مقابل ذلك الى استقرار الرأي على انه هل تستطيع جهات التحقيق اصلا ان تحفر في هذه العلاقات من دون ان تضر بحرية التعبير.
‘
هآرتس 18/10/2013