«عشّ الدبابير» ماركة ملابس تنطلق من إرث المجتمع المقاوم في جنين

 سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

جنين ـ «القدس العربي»: “إنه عشّ الدبابير الذي تخشاه إسرائيل”، بهذه الجملة يفتتح الفيديو الترويجي لماركة الملابس الجديدة التي تحمل اسم “عشّ الدبابير” التي انطلقت في مدينة جنين وعبر شبكات التواصل الاجتماعي قبل أيام معدودة.
ويعرف الفيديو الترويجي ماركة الملابس بأنها “مشروع ملابِس الشارع الجديد في فلسطين، عشّ الدبابير المستلهم من لقب مخيم جنين أثناء الاجتياح عام 2002”.

ويظهر في الفيديو الذي تطغي عليه أصوات طنين الدبابير وموسيقى محفزة ومترقبة وموترة معا شبان يرتدون ملابس سوداء اللون قادمين من أزقة وأسواق مدينة جنين ومخيمها، ويبدون وكأنهم جماعة فلسطينية مسلحة ترتدي أزياء مقاومين يعلنون عن أنفسهم تماما كما تفعل الفصائل المسلحة.

مشروع قيم المدينة وروحها

رحمة الحج أحمد، صاحبة المشروع، تقول إنها بدأت فكرتها قبل أحداث انتزاع أسرى سجن جلبوع لحريتهم، وما أعقب ذلك من أحداث مقاومة في جنين ومخيمها (أي قبل 6 أشهر تقريبا)، وتؤكد أن تطورات الحالة المقاومة في الضفة الغربية منحت المشروع قوة كي يعلن عن نفسه للعموم.
وتتابع الحاجة أحمد: “دوما كانت لدي الرغبة في صناعة الملابس، ودوما حاولت الإضافة عليها من روحي وشخصيتي… و”عشّ الدبابير” امتداد لذلك”.
وحسب الحاجة احمد فإن تصاميم المشروع وما تعبر عنه من قيم وأفكار يعيشها الناس جاءت من البيئة الفلسطينية المليئة بالتنوع البيئي والنباتي والحيواني من جهة، إضافة إلى الفعل المقاوم الذي تعتبر جنين عنوانا تاريخيا له وفي الفترة الراهنة.
وتتابع: “جنين بحالتها النضالية تعبر عن عناوين تعكس قيم التعاون والتكافل والاستعداد للحماية والمتانة والقوة، والدبابير التي تعكس القوة والخفة والتأثير المباشر في خصومه كلها أمور تستلهمها الملابس وتصميماتها الجديدة وتحاول أن تجعل الشباب يتمثلها ويعيشها نهج المدينة ومخيمها.


وتشارك المشروع الذي طرحت منه في المرحلة الأولى 200 قطعة ملابس، طالبة الفنون الجميلة في جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس راما صلاحات، فيما التصاميم الخاصة “بالدبور” (مفرد دبابير) فكانت بإمضاء الفنان الفلسطيني نور هيب من فلسطين 1948.
وتباع كل قطعة من الملابس بمبلغ 100 شيكل (33 دولارا أمريكيا) وهو أمر تقر الحاجة أحمد بأنه مرتفع بالنسبة للمجتمع الذي يعاني من وضع اقتصادي صعب، لكنها تؤكد أن هذا السعر يوفر لها ثمن تكلفة عملية الإنتاج ولا يحقق لها ربحا في هذه المرحلة.
وتؤكد أنه يمكن للشاب أن يشتري بهذا المبلغ قطعتين من الملابس وربما ثلاث قطع، لكن ما نحب ان نؤكد عليه أن المشتري فعليا يشتري الفكرة وينحاز لما تحمله من قيمة وطنية، وهو أمر تريده صاحبة المشروع وتأمل في أن يحقق تفاعلات بين جيل الشباب الذي سيرتدي القطع المختلفة وسيقوم بالرد على أسئلة الناس حول دلالة التصميم وما تعكسه من أفكار.

عمل فني وحكاية جميلة

وتشير الحاجة أحمد: “الملابس ليست عملا تجاريا، إنها عمل فني يحمل قيمة فعلية، إنها محاولة مني كي أقدم جانبا من أسطورة هذا الشعب التي نحن أكثر من يعتبر مقصرا بحق حكايته وتجربته النضالية، الملابس هي عمل فني يستثمر حكايتنا الجميلة والملهمة”.
وتقدم الماركة في أحد تصميماتها زهرة السوسنة فقوعة (شرق جنين شمال الضفة الغربية)، هذه الزهرة المتوطنة في فلسطين التي تنمو فوق جبال جلبوع، والتي اعتمدت من مجلس الوزراء الفلسطيني عام 2016 كزهرة وطنية لدولة فلسطين.
وتظهر الزهرة كبيرة الحجم وذات اللون البنفسجي، فيما يقف الدبور فوقها دلالة على شباب وشابات جنين الجاهزين والمستعدين لحمايتها والحفاظ عليها، فيما يجمعهم “مثلث الرعب” دلالة على منطقة جنين نابلس طولكرم، وهي مدن مثّلت للاحتلال الإسرائيلي رعبا مضاعفا خلال الانتفاضة الثانية.

إنتاج من جنين

وأصرت الحاجة أحمد على أن تكون كل عملية الإنتاج داخل مدينة جنين، رغم أن ذلك حمّلها تكاليف إضافية، تقول: “بما أن التصاميم وما توحي به جاء معبر عن حياة الشارع الفلسطيني في مدينة جنين فإنه كان لزاما أن يكون مصنوعا بأيدي عاملين وعاملات من المدينة نفسها.
وتؤكد الحاجة أحمد على المشاكل الكبيرة التي اعترضت طريقها ومنها توفر رأس المال النقدي للجهات التي وفرت القماش وللمصانع التي خاطت الملابس، وغياب أي تسهيلات مرتبطة بالتصنيع، والوقت المحدود وعدم وجود مصادر ذات جودة عالية.
وتضيف باسمة: “المشروع ذاته يحمل مخاطرة أخوضها شخصيا، أنا أقدم ملابس تدعم المقاومة وتعبر عن سلوك المقاومين، هذه فكرة قد تقود لاعتقالي، أنا شخصيا أحب أن أعيش وأخاطر كي أقدم شيئا مؤثرا يترك بصمة في نفوس المواطنين”.
وتتابع: “لا يجب النظر إلى المشروع على أنه فعل للتسلية أو حتى لكسب المال، إنه عمل يتضمن خوفا حقيقيا”.

محاكاة حياة المقاومين

الانطلاقة الأولى لماركة الملابس هذه تفتخر أنها مصنوعة محلياً، بأجود أنواع الأقمشة وأفضل أشكال الطباعة والخياطة، وهي تحقق دعماً للمنتج الوطني وتسعى إلى الحفاظ على إرث المجتمع الفلسطيني المقاوم.
وتقدم الماركة الجديدة مجموعة من الخيارات المتعلقة باللباس من ضمنها “فيستات” مستوحاة من “فيستات” يرتديها المقاومون الفلسطينيون، إضافة إلى طواقي وأقنعة سوداء وجاكيتات وبلايز متنوعة.
وفي سياق تقديم ما يعكس حياة المقاومين يقدم المشروع محاكاة للملابس التي يرتديها وعن ذلك نقرأ في صفحة ترويج المشروع: “تتواصل فعاليات الإرباك الليلي في محافظة جنين، انطلاقًا من مخيمها؛ حيث تنشط في المخيم “وحدة الإرباك الليلي” منذ أحداث حي الشيخ جراح في القدس، ثم استهداف الاحتلال لجنين ومخيمها”.


وتضيف الصفحة: “تتكون “وحدة الإرباك الليلي” من ثلاث مجموعات: الأولى هي وحدة الرصد التي ترصد أماكن تواجد قوات الاحتلال والقوات الخاصة التي تقتحم محافظة جنين عن طريق استخدام “الفيزبا” (دراجات نارية صغيرة الحجم) وذلك لوفرتها وسهولة استخدامها في المطاردة، هذا التصميم إهداء وتقدير لقيمة هذه الأداة التي بجانب عملها في الرصد هنالك من يقتات منها ويعمل عليها في الطلبات الداخلية في المخيم والمدينة.
إن الملابس هذه المرة محاولة شجاعة ورغبة في صنع اختلاف جديد في مكانه لحياة الشباب، وهي محاولة لتأثيث عالم الشباب الفلسطيني بالقليل من مصادر قوته وأسطورته، إنها “ملابِس الشارع الجديد في فلسطين” كما تقول رحمة الحاج أحمد.
وتشدد على أن الملابس في هذه الماركة “دعوة لتشارك كل ما تحتاج معرفته عن جنين ومخيمها الجبّار، ثم عن أمُنا فلسطين، إنها رحلة نحوّل فيها الحُطام والقوّة والتاريخ الى فنّ، كالعادة”.
وفي حال نجاح المشروع وبيع منتجاته البسيطة فإن الفكرة سيكون أمامها مسار للتطور. عن ذلك تقول الحاج أحمد: “لدي أفكار كثيرة وكبيرة، ولدي تصميمات تعبر عن تنوع فلسطين وتعكس روحها، في خاطري أن أقدم تصميمات تعكس غزال الجبل المهدد بالانقراض، وحيوانات ونباتات فلسطينية كثيرة يجب أن نعيد علاقتنا معها ولو من باب الملابس”.
وتختم: “أنا صبية فلسطينية مؤمنة بمجموعة من الأفكار وأريد من الناس أن تتفاعل معها، وتتعرف عليها وتتناقش حولها، وأنا مؤمنة أن مجتمعنا حالة استثنائية، إنه مجتمع معقد وجميل معا، ويجب ان نحكي عنه، ونقدم منتجات ثقافية قابلة للاستخدام في حياة الناس اليومية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية