عقب سنوات من التردد.. هل قرر زعيم المعارضة مواجهة أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

إسماعيل جمال
حجم الخط
1

إسطنبول- “القدس العربي”: منذ وصوله إلى قيادة حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية عام 2010 تهرب كمال كليتشدار أوغلو من مواجهة غريمه التقليدي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات المختلفة التي شهدتها البلاد على مدى الـ11 عاماً الماضية، إلا أن تطورات مختلفة تشهدها الساحة السياسية التركية مؤخراً تؤشر إلى إمكانية أن يخوض زعيم المعارضة غمار المغامرة في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة منتصف عام 2023 والتي تضغط المعارضة لإجرائها بشكل مبكر.

وحتى اليوم، يؤكد حزب الشعب الجمهوري على أن اختيار مرشحه للرئاسة التركية للانتخابات المقبلة سوف يجري بالتوافق مع “تحالف الأمة” وهو التحالف الانتخابي الذي يضم حزب الشعب الجمهوري وحزب “الجيد” ويلقى دعماً من حزب السعادة ودعم غير معلن من حزب الشعوب الديمقراطي أكبر حزب ممثل للأكراد في البلاد، والذي يعتبر في السنوات الأخيرة الحزب المُرجح للتحالف الذي سيفوز في الانتخابات المقبلة.
سيناريوهات معقدة.

وعلى الرغم من أن الانتخابات الرئاسة والبرلمانية من المقرر أن تجري بشكل متزامن منتصف عام 2023، إلا أن المعارضة التركية تسعى لترتيب صفوفها مبكراً والاتفاق على خطتها للانتخابات المقبلة بما يشمل ذلك اختيار المرشح المقبل، بالإضافة إلى الاستعداد لإمكانية أن تذهب البلاد نحو انتخابات مبكرة تضغط نحوها المعارضة التي تخشى أيضاً في نفس الوقت أن يحاول الرئيس التركي مفاجأتها وجر البلاد لانتخابات مبكرة قبيل تمكنها من ترتيب صفوفها لتعزيز فرصه بالفوز في الانتخابات المقبلة.

وكما جرى قبيل الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2018، فإن المعارضة تبحث في سيناريوهين أساسيين: الأول ينص على التوافق على مرشح موحد لخوض الانتخابات الرئاسية مقابل أردوغان، والثاني يتمحور حول تقديم أحزاب تحالف المعارضة لمرشحيها بشكل منفصل والعمل على جر الانتخابات الرئاسية لجولة ثانية تتوحد فيها أحزاب المعارضة خلف المرشح الذي يحصل على أعلى نسبة من أصوات الناخبين.

وفي الانتخابات الماضية، لجأت المعارضة للسيناريو الثاني حيث فشلت في التوحد خلف مرشح واحد في الجولة الأولى، واتفقت على خوض الانتخابات بشكل منفصل والتوحد في الجولة الثانية التي لم تحصل بعدما نجح أردوغان في حسم الانتخابات من الجولة الأولى بفارق ضئيل، وهو ما يعزز هذه المرة توجه المعارضة نحو التوحد خلف مرشح واحد من الجولة الأولى لمنع تكرار سيناريو انتخابات 2018.

مرشح موحد للمعارضة

وفي إطار المباحثات السرية والعلنية المتواصلة بين أحزاب تكتل المعارضة من أجل التوصل إلى مرشح موحد للانتخابات المقبلة، يجري طرح عدد من السيناريوهات أبرزها الاتفاق على مرشح محايد من خارج أطر الأحزاب المذكورة وهو ما فشل في انتخابات 2014 عندما رشحت أحزاب المعارضة أكمل الدين إحسان أوغلو، لكنه بقي خياراً مطروحاً يجري من خلاله طرح اسم الرئيس السابق عبد الله غًل.
لكن الخيار السابق بات يشكل تهديداً على تماسك حزب الشعب الجمهوري وأحزاب المعارضة الأخرى التي تواجه انتقادات داخلية حادة حول فشلها في الخروج بمرشح قوي للانتخابات الرئاسية ولجوئها لمرشحين بخلفيات محافظة أو قومية لكسب أصوات أكبر شريحة ممكنة من الناخبين بعيداً عن الشخصيات العلمانية التقليدية، وهو ما يدفع بقوة أكبر هذه المرة نحو الخروج بمرشح من تكتل أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري.

ومؤخراً، تشير كافة التكهنات إلى أن الحزب يعمل على اختيار مرشح من صفوفه لخوض الانتخابات بشكل مباشر سواء جرى ذلك بالتوافق مع تكتل المعارضة أو بشكل منفصل في الجولة الأولى على أن تتوحد خلفه أحزاب المعارضة في الجولة الثانية، وفي هذا الإطار تركزت التكهنات حول اسمي أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، ومنصور يافاش رئيس بلدية أنقرة، وهما المرشحان اللذان تمكنا لأول مرة منذ سنوات طويلة من كسر احتكار حزب العدالة والتنمية على البلدين وعززا حضورهما شعبياً بشكل غير مسبوق ويقدمان أنفسهما بطرق مختلفة كل بطريقته على أنهما مرشحان مثاليان لمنافسة أردوغان في الانتخابات المقبلة، وبالفعل ركزت كل استطلاعات الرأي على قياس مدى شعبيتهما لو قررا خوض الانتخابات المقبلة ما هيء الرأي العام نحوها بشكل كبير.

كمال كليتشدار أوغلو

ووسط كل هذه التكهنات، عاد زعيم الحزب كمال كليتشدار أوغلو لتقديم نفسه مرشحاً قوياً للحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة بشكل غير متوقع، حيث كثف نشاطه وخطابه السياسي مقدماً إشارات مختلفة إلى استعداده هذه المرة لخوض الانتخابات بعد سنوات طويلة من الاتهامات الحادة التي طالته واتهمته بـ”الجبن” والفشل في قيادة الحزب أو تمثيله بالانتخابات وليس مجرد الفشل في الفوز فيها من خلال مرشحين آخرين.
وقبل أسابيع، وأثناء كلمة له أمام الجمعية العامة للبرلمان التركي، هتف نواب حزب الشعب الجمهوري لزعيم الحزب لحثه على الترشح لمواجهة أردوغان في الانتخابات المقبلة، قبل أن يرد عليهم “ومن أين تعلمون إن كنت سوف أترشح أم لا”، في رد غامض أجمعت الأوساط السياسية والإعلامية في تركيا على اعتباره إشارة نادرة على نيته الترشح بالفعل للانتخابات المقبلة.

ومنذ أيام، قال كليتشدار أوغلو إنه مستعد وجاهز لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، “في حال طلب تحالف الأمة منه ذلك”، مؤكداً أنه لم يجري التوافق بعد على المرشح لخوض الانتخابات. لكن التصريح الأهم جاء السبت الماضي عندما أعلن كليتشدار أوغلو أنه يرغب في أن يواصل إمام أوغلو ومنصور يافاش مناصبهم في إدارتي بلديتي أنقرة وإسطنبول وخوض الانتخابات المقبلة للفوز بجولة ثانية في إدارة بلديتي المدينتين.
هذا الصريح اعتبر بمثابة محاولة من كليتشدار أوغلو لقطع الطريق أمام رغبات إمام أوغلو ويافاش المتصاعدة بخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يرى زعيم الحزب أن التراجع الذي شهده حزب العدالة والتنمية والخطاب القوي الذي قدمه في الأشهر الأخيرة عزز فرصه بإمكانية الفوز في الانتخابات المقبلة، وبالتالي بات لديه رغبة كبيرة في أن يخوض هو بنفسه لأول مرة هذه الانتخابات الحاسمة.

“هدية” للعدالة والتنمية

يقود كليتشدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري منذ عام 2010 عقب استقالة الرئيس السابق للحزب دينيز بايكال، وفي عام 2014 رفض دخول الانتخابات الرئاسية مقابل أردوغان وفضل دعم مرشح من خارج الحزب بالتوافق مع أحزاب المعارضة وجرى التوافق على أكمل الدين إحسان أوغلو الذي انتصر عليه أردوغان بسهولة، كما رفض مجدداً خوض المعركة الانتخابية أمام أردوغان في انتخابات 2018 ورشح محرم إنجي النائب عن الحزب لخوض هذه الانتخابات قبل أن يخسر هو الآخر ويجلب مزيد من الانتقادات لزعيم الحزب.

وباستثناء بعض النجاحات الذي حققها الحزب في الانتخابات البلدية الأخيرة عبر الفوز برئاسة بلديات عدد من المحافظات الكبرى، شهدت فترة قيادة كليتشدار أوغلو لأكبر أحزاب المعارضة خسارة سلسلة طويلة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية، وفشل خلال فترة قيادته في اسقاط أردوغان أو هزيمة الحزب الحاكم وهو ما ولد له انتقادات متصاعدة داخل الحزب لفشله في إيصال الحزب للحكم على مدى 10 سنوات.
أما الانتقادات من الحزب الحاكم فتأخذ بعداً آخراً، حيث ترى في كليتشدار أوغلو شخصية سياسية يسهل مهاجمتها وإقناع الجمهور بعدم أهليتها للوصول إلى الرئاسة، وطوال السنوات الماضية ركز أردوغان دعايته الانتخابية على مهاجمة تاريخ كليتشدار أوغلو السياسي لا سيما فترة ترأسه لهيئة التأمين الصحي في البلاد بين عامي 1992 و1999 وهي الفترة التي كان القطاع الصحي في تركيا يشهد انهياراً كبيراً.

وخلال الحملات الانتخابية، كان يكتفي أردوغان ببث مقاطع فيديو وتقارير تلفزيونية أرشيفية عن أوضاع المستشفيات في تلك الفترة لا سيما الانتظار لساعات طويلة على أبواب المستشفيات وسوء الخدمات الصحية وشكاوى المواطنين من عدم توفر الدواء، في دعاية كانت تثير الخوف لدى شريحة واسعة من الشعب التركي من التصويت للشعب الجمهوري بشكل عام وكليتشدار أوغلو بشكل خاص.

كما أن كليتشدار أوغلو لديه سجل طويل من التصريحات والمواقف السياسية المثيرة للجدل والتي يسهل من خلالها مهاجمتها لا سيما فيما يتعلق بالعلمانية والدين والحرب على الإرهاب والعمليات العسكرية خارج البلاد والتعامل مع القضية الكردية والعلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة، وجميعها مواقف تقف عائقاً أمام اجتذاب أصوات أي شريحة من القوميين والمحافظين الأتراك، وهي الشريحة الأوسع في البلاد.

يضاف إلى ذلك كله، أن كليتشدار أوغلو محسوب على التكتل اليساري العلماني داخل الشعب الجمهوري والذي لم يعد قادراً على حصد أصوات تؤهله للفوز في أي انتخابات بتركيا، فالنجاح الوحيد لكليتشدار أوغلو خلال فترة رئاسته هو الفوز برئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة وهو الفوز الذي لم يكن ليتحقق لولا اختياره مرشحين ذات توجهات محافظة ولديهم مواقف معلنة باحترامهم للحجاب وتصالحهم مع الدين بعيداً عن المواقف العلمانية المتشددة.

لهذه الأسباب وغيرها يرى حزب العدالة والتنمية أن ترشح كليتشدار أوغلو للانتخابات الرئاسية المقبلة يعتبر بمثابة هدية على طبق من ذهب لأردوغان، لكن أوساط المعارضة لم تعد تقيم المعادلة بهذه الطريقة، حيث بدأت الكثير من التقديرات تشير إلى زيادة الثقة بكليتشدار أوغلو في صفوف الحزب وبعض أحزاب المعارضة الأخرى وهو الأمر الذي شجع كليتشدار أوغلو نفسه على التفكير بخوض المغامرة التي يصعب التكهن بنتائجها على الإطلاق في ظل التجاذبات الحادة والتغيرات السياسية المتسارعة في الحياة السياسية التركية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أبو تاج الحكمة الأول: سادن النور الأقدس وحامل العلامة الطاهرة النبوية:

    أنا أحترم خيار الاتراك إن اختاروا الأخ كمال كليتشدار أوغلو لاني اعتز بكل تركي نشيط يحكم تركيا حيث تحكمني عاطفة حنيني لأصولي التركية
    ومن جهة أخرى تحية احترام لتركيا التي لا تميز بين مواطنيها على أساس الدين ولا تضطهد الاقليات الدينيه حيث منافس الرئيس سيكون علويا

إشترك في قائمتنا البريدية