على مصر التخلي عن الطريقة الرئاسية وتبني الطريقة البرلمانية

حجم الخط
0

إن ازمة الحكم في مصر عميقة جدا، فهي تُبرز فوق السطح انقسامات كُشف عنها بعد سنين كثيرة لنظام تسلطي نجح في انشاء وحدة في ظاهر الامر، بالتهديد باستعمال القوة أو بتحقيق التهديد. وهكذا انتقضت عُرى يوغسلافيا بعد تيتو، وانتقضت عُرى الاتحاد السوفييتي بعد الحكم الشيوعي. وتجد جارتنا العربية الكبرى نفسها ممزقة بين الحركات الاسلامية والمجموعات العلمانية، ويوجد في كل معسكر انقسامات لا يمكن رأبها في ظاهر الامر. وتأييد الحركة السلفية لعزل مرسي هو تعبير مفاجئ عن ذلك.
كان في الاستيطان اليهودي الذي سبق انشاء الدولة والذي تشكلت مؤسساته مع بدء الانتداب البريطاني، كثير من الحركات السياسية مثلت تصورات عامة متباعدة، فكان هناك رافضو انشاء دولة يهودية (الحريديون وجهات يسارية في أقصى الخريطة السياسية)، وحركات العمل، وحركات اليمين التي رفضت التكافل الطبقي وجعلت للقومية التفضيل الأول، واحزاب اخرى اعترضت على غيرها بصورة جوهرية أو بصورة أقل جوهرية، لكن مع روح عامة وعداوة لا يُخزيان أعداءً لدودين. وفي مجتمع لم يكن من الممكن فيه استعمال العقوبات، كانت أحكم الطرق هي تمكين كل واحدة من هذه المجموعات من التمثيل والتعبير عن الحركات الصغيرة ايضا والافضاء بالمنتخبين الى انشاء ائتلاف يحظى بالأكثرية من اعضاء الجسم الناخب (‘مؤتمر المنتخبين’ الذي انتُخب اول مرة في 1920 وسار على آثار المؤتمر الصهيوني الذي تميز هو ايضا بالطريقة النسبية).
وُجدت دعاوى كثيرة على الطريقة النسبية وعلى أن التمثيل الدقيق في الأساس يأتي على حساب القدرة على الحكم، وبعد عدة محاولات لتغييرها عُدنا في نهاية الامر الى الطريقة التي تؤكد التمثيل وتمنح السلطة المنتخبة بذلك شرعية واسعة.
في مقالة نُشرت في صحيفة ‘نيويورك تايمز’ يدعو بروس إكرمان مصر الى تبني الطريقة البرلمانية والتخلص من الطريقة الرئاسية. وأقترح عليهم ان يدرسوا الطريقة الاسرائيلية التي توجد فيها نقائص غير قليلة، لكنها برهنت على استقرارها وهي تلائم بصورة خاصة مجتمعات توجد فيها اختلافات عميقة. إن انتخاب رئيس ذي سلطات واسعة حتى حينما يحظى بتفوق صغير جدا على منافسه يعني ‘كل شيء أو لا شيء’ مدة اربع سنوات أو خمس. وقد استوعبت الولايات المتحدة جيدا قوانين هذه اللعبة، وهي تستطيع ان تحيا مع هذه الطريقة. وسيصعب على مصر جدا أن تُسلم بها، وعزل مرسي برهان آخر على ذلك.
إن طريقة يؤدي فيها الرئيس دورا رمزيا، ويكون فيها رئيس الحكومة قويا، ويجلس في الحكومة ممثلو احزاب متنافسة ويؤلفون ائتلافا، وتحصل المعارضة في البرلمان ايضا على تعبير مهم عنها، هي الطريقة الوحيدة كي لا يُبعد عن اللعبة السياسية المصرية الحركات العلمانية أو الحركات الاسلامية. وبغير تغيير الطريقة قد يتحول عزل مرسي الى سابقة لن تحظى معها أية سلطة منتخبة بالشرعية.

اسرائيل اليوم 17/7/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية