على هامش الدورة 78 للجمعية العامة- مؤتمرات وقمم مهمة

انطلقت أعمال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك الثلاثاء، في ظل تحديات أربعة كبرى أتى على ذكرها معظم، إن لم يكن كل، المتكلمين من على منصة القاعة الكبرى للجمعية العامة: التحديات المناخية، تباطؤ تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 بعد وصول منتصف الطريق، النزاعات الدولية المحتدمة، خاصة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وأخيرا كيفية إصلاح المنظومة الدولية، خاصة مجلس الأمن، لتصبح أكثر ملاءمة وفاعلية للقرن الواحد والعشرين.
هذه التحديات الكبرى تركت آثارا عديدة في كل المجالات، كاتساع حجم الفقراء وزيادة عدد الجوعى، وزيادة عدد اللاجئين والمهاجرين، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتعثر التحول نحو الطاقة النظيفة، واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وزيادة تهميش المرأة، وتراجع نسبة سنوات التعليم خاصة للفتيات وانتشار الأوبئة في ظل غياب ضمانات صحية أساسية، والقائمة تطول. كثير من الكتاب والمراقبين يعتبرون الجمعية العامة «مخطبة»، يخاطب فيها رؤساء الدول والحكومات قاعة نصف فارغة، والاستثناءات قليلة، أو مدبرة كما حدث أثناء إلقاء الرئيس الأوكراني زيلنيسكي خطابه. جزئيا أوافق على أن الدورة فرصة لكثير من الرؤساء والوزراء لزيارة نيويورك، وإلقاء خطب رنانة في الجمعية موجهة أصلا إلى شعوبهم، حيث تبث الكلمة على كل قنوات ذلك البلد. ويتابع الوفد الصحافي المرافق للرئيس تحليل الخطاب وأهميته وردود الفعل عليه وصداه المدوي على مستوى العالم. وقد سألني أحد هؤلاء المرافقين على الهواء مباشرة، ما هو صدى خطاب الرئيس في الصحافة الأمريكية؟ وتدبروا معي أمر الإجابة وكأن الدولة المعنية لها وزن في المنطقة ناهيك عن العالم.

ويظهر العلم أنه من أجل تجنب أسوأ آثار تغير المناخ والحفاظ على كوكب صالح للعيش، يجب أن تقتصر الزيادة في درجات الحرارة العالمية على 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي

في كل دورة يكون هناك ما نطلق عليه «نجم» الدورة، وقد يكون هناك أكثر من نجم. نجم هذه الدورة، مع تحفظي الشخصي، هو الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي الذي يصر على ارتداء ملابس غير رسمية. لقد رتب له التحالف الأمريأوروبي الأضواء كلها، ومنحه أعلى المنابر وعومل كأنه نجم سينمائي. لقد رتبوا له كل الأسباب للنجومية. فخصصت ألبانيا، رئيسة مجلس الأمن لهذا الشهر، وهي للعلم ملكية أكثر من الملك لعلها تقبل في الاتحاد الأوروبي، له جلسة رفيعة المستوى لمجلس الأمن صباح الأربعاء ليعطوه هذا المنبر، بعد منبر الجمعية العامة في اليوم الأول وفي الجلسة الصباحية. وقد ذهب به الغرور في مجلس الأمن أن طالب بطرد روسيا من العضوية الدائمة وتجريدها من حق الفيتو. لكنني سأترك المخطبة قليلا وأشير إلى أن هناك عشرات اللقاءات الثانية، ومتعددة الأطراف، وقمما مهمة وعملية قد تكون أهم من المخطبة، تلتئم على هامش الدورة، وتبحث عادة بندا واحدا وتخرج بتوصيات عملية. ومثل تلك الاجتماعات والقمم رفيعة المستوى كثيرة جدا. لكنني سأمر على ذكر ثلاث قمم جانبية ذات أهمية خاصة: قمة أهداف التنمية المستدامة، وقمة طموح التغير المناخي، والاجتماع رفيع المستوى للتحضير لقمة المستقبل.
قمة أهداف التنمية المستدامة
من بين الأنشطة المهمة التي عقدت على هامش الدورة مؤتمر رفيع المستوى حول مراجعة أهداف التنمية المستدامة 2030. وكان المجتمع الدولي قد اتفق عام 2015 على 17 هدفا أساسيا، ووضع خريطة طريق لتحقيقها بحلول عام 2030. لكن المسيرة نحو تحقيق تلك الأهداف تعرضت لمطبات ثلاثة: انتشار وباء الكوفيد 19، الذي خلف آثارا عميقة على مستوى العالم، والتراجع الاقتصادي الذي شمل العالم بسبب الوباء، وأخيرا تصاعد النزاعات المسلحة، خاصة الحرب الروسية الأوكرانية. هذه العقبات التي واجهت خريطة الطريق أدت إلى تأخر تحقيق أهداف التنمية المستدامة. والمراجعة التي أجراها فريق متخصص عينه الأمين العام أنجز تقريرا شاملا جاء فيه أن نحو 15% فقط من مجمل الأهداف تم تحقيقها. وكان هذا بمثابة جرس إنذار للمجتمع الدولي، لذلك دعا الأمين العام للأمم المتحدة لمؤتمر قمة يومي 18 و19 الشهر الحالي على هامش الجمعية العامة لإعادة التأكيد والالتزام بالأهداف وضرورة مضاعفة الجهد لتحقيقها في الوقت المحدد. وقد شارك عدد من رؤساء الدول والحكومات في المؤتمر. وقد أعدت كل من قطر وإيرلندا البيان الختامي الذي أكد القادة فيه التزامهم بالتطبيق الفعال لأجندة التنمية المستدامة، وجميع أهدافها السبعة عشرة بحلول عام 2030.
لقد أقر المجتمعون بأن تحقيق الأهداف في خطر وقالوا في الإعلان إن التقدم على مسار معظم أهداف التنمية المستدامة يسير بشكل بطيء للغاية، أو تراجع عن الحد الذي وُضع عام 2015. لقد انعكست سنوات من المكاسب التي تحققت في مجال التنمية المستدامة، ووقع الملايين في الفقر، وزاد انتشار الجوع وسوء التغذية، وارتفعت الاحتياجات الإنسانية، وأصبحت آثار التغير المناخي أكثر وضوحا. وأدى ذلك إلى زيادة انعدام المساواة الذي فاقمه ضعف التضامن الدولي وتراجع الثقة في إمكانية التغلب المشترك على هذه الأزمات. لقد أكد القادة المجتمعون أنهم سيعملون بشكل ملح لتحقيق رؤية تلك الخطة، باعتبارها خطة عمل للناس والكوكب والازدهار والسلام والشراكة، مع ضمان عدم تخلف أحد وراء ركب التقدم. إن خطة 2030 للتنمية المستدامة ما زالت تمثل خريطة الطريق لتحقيق التنمية والتغلب على الأزمات المتعددة التي تواجه العالم. لقد أعرب المجتمعون عن قلقهم بسبب التغير المناخي، الذي يعتبر أحد أكبر تحديات العصر الحالي، وأعربوا عن القلق البالغ بشأن استمرار تزايد انبعاث غازات الاحتباس الحراري، والمخاطر التي تتعرض لها جميع الدول، خاصة النامية بسبب آثار التغيرات المناخية. إن الالتزام بتخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معها، هما أولوية فورية وملحة.
قمة الطموح المناخي
وعلى هامش الجمعية العامة عقدت قمة أخرى بحضور قادة العالم والشركات العملاقة والخبراء في قمة الطموح المناخي يوم الأربعاء 20 أيلول/سبتمبر لتسريع وتيرة السباق من أجل حماية كوكب الأرض قبل أن يكون الوقت قد تأخر. يأتي هذا في وقت تبدو المؤشرات المرتبطة بالعمل المناخي خارج المسار الصحيح، أو تسير صوب الاتجاه الخاطئ. وتؤدي الأحداث المناخية المتطرفة إلى نزوح ملايين الأشخاص، في ما ترتفع درجة حرارة العالم، وتستمر حرائق الغابات الخارجة عن السيطرة في التسبب بالموت والدمار، بدءا من كندا ووصولا إلى الجزر اليونانية. ويسهم الفحم والنفط والغاز في 75% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم، والتي لا تزال تؤجج أزمة المناخ. ورغم أن الأضرار الناجمة عن أزمة المناخ هائلة بالفعل، ومع تسجيل انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية مستويات قياسية، فإن التغيير ممكن، هذا ما توصل إليه المشاركون في القمة. وأكد الأمين العام أنطونيو غوتيريش، في كلمته أمام المؤتمر أن الفرصة ما زالت سانحة لبناء عالم يتمتع بهواء نقي، ووظائف خضراء، وطاقة نظيفة بأسعار معقولة للجميع، وحذر من أن العمل المناخي تضاءل أمام حجم التحدي، مؤكدا أنه إذا لم يتغير شيء فإن العالم يتجه إلى زيادة في درجات الحرارة بمقدار 2.8 درجة مئوية، ومن ثم إلى عالم خطير وغير مستقر. وتعد قمة الطموح المناخي تجمعا فريدا على صعيد الجهود الرامية لمواجهة أزمة المناخ. فالدول الأعضاء في الأمم المتحدة – التي يبلغ عددها 193 دولة – تجتمع من أجل إظهار الإرادة العالمية الجماعية لجعل العالم أكثر عدالة واخضرارا ونظافة للجميع. وتؤثر أزمة المناخ على جميع الناس والدول. ووفقا للأمم المتحدة، يعيش نصف سكان العالم بالفعل في مناطق خطرة، حيث يعتبرون أكثر عرضة بمعدل 15 مرة للوفاة بسبب التأثيرات ذات الصلة. ووقعت 70% من جميع الوفيات بسبب الكوارث الناجمة عن المناخ في السنوات الخمسين الماضية في 46 دولة من أقل البلدان نمواً في العالم. ويظهر العلم بوضوح أنه من أجل تجنب أسوأ آثار تغير المناخ والحفاظ على كوكب صالح للعيش، يجب أن تقتصر الزيادة في درجات الحرارة العالمية على 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.
الاجتماع الوزاري للتحضير لقمة المستقبل
رحّبت الجمعية العامة بتقديم الخطة المشتركة، التي اعتمدت قرارها 307/76 في 2022 لعقد قمة حول المستقبل يومي 22 و 23 أيلول/ سبتمبر 2024. وتبدأ المشاورات العملية بشأن التحضيرات للقمة في شباط/ فبراير 2023، يسبقها اجتماع وزاري على هامش أعمال الدورة الثامنة والسبعين. ويلتئم اجتماع وزاري سيرسي فيه المجتمعون الأساس لمؤتمر القمة المعني بالمستقبل. ويتطلع الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن يؤدي هذا الاجتماع إلى التوصل لإجماع عالمي جديد بشأن إعداد العالم لمستقبل مليء بالمخاطر ولكنه مليء بالفرص أيضاً. وقد ناقش الوزراء كيف يمكن للنظام متعدد الأطراف أن يعالج المخاطر والتحديات العالمية الناشئة، ويقدم مقترحات ملموسة وطموحة لتعزيز النظام العالمي وتحويله. ومن المتوقع أن توافق الدول الأعضاء على وثيقة تصدر عن المؤتمر بعنوان «ميثاق للمستقبل» ويصادق رؤساء الدول والحكومات في القمة على ميثاق عملي المنحى من أجل المستقبل، لإظهار التضامن العالمي للأجيال الحالية والمقبلة.

 محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية