على هامش مهرجان كان: كوثر بن هنية تواصل التحليق بالسينما التونسية في سماء العالمية

روعة قاسم
حجم الخط
0

تونس ـ «القدس العربي»: اتفق أغلب النقاد والمهتمين بالسينما على أن المشاركة التونسية الأخيرة في مهرجان كانت متميزة إلى أبعد الحدود وستشجع السينمائيين في تونس على الاجتهاد والإبداع وتحقيق النجاحات. فقد شارك فيلم «بنات ألفة» للمخرجة المتألقة على الدوام كوثر بن هنية في المسابقة الرسمية للمهرجان من أجل الفوز بالسعفة الذهبية وذلك بعد عملية انتقاء طالت عددا كبيرا من الأفلام ليستقر الأمر على 20 فيلما فقط.

وللإشارة فإن هذا الفيلم هو أيضا من تأليف كوثر بن هنية، وقد أنتجه كل من حبيب عطية ونديم شيخ روحه، وهو الفيلم العربي الوحيد الذي شارك في المسابقة الرسمية لهذا المهرجان العالمي. والفيلم هو روائي ووثائقي تسجيلي في نفس الوقت، حيث حصل فيه دمج، إن دل على شيء فهو يدل على عبقرية كوثر بن هنية التي تشق طريقها بثبات في عالم الفن السابع، وتحصد باستمرار الجوائز والتكريمات.
وبهذا الفيلم تعود السينما التونسية إلى العالمية من أوسع الأبواب وهي التي غابت عن المسابقة الرسمية لمهرجان كان لأكثر من نصف قرن، وذلك منذ أن شارك المخرج عبد اللطيف بن عمار سنة 1970 في المسابقة الرسمية للمهرجان بفيلمه «حكاية بسيطة كهذه». ومن خلال كوثر بن هنية أيضا وبفضل فيلمها «الرجل الذي باع ظهره» تواجدت السينما التونسية في جائزة الأوسكار في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية مع عمالقة السينما العالمية.
وتواجدت كوثر بن هنية السنة الماضية أيضا في كان لكن ليس بصفتها كمخرجة بل كرئيسة لإحدى لجان التحكيم في المهرجان، ورأى البعض يومها في ذلك التعيين اعترافا ضمنيا بتميز هذه المخرجة التي ولدت ونشأت وترعرعت في مدينة سيدي بوزيد التونسية. ومن تلك المدينة كانت انطلاقتها إلى رحاب عالم السينما اللامتناهي لتحلق عاليا في البداية وفي وقت قياسي مع ألمع مخرجي السينما التونسية، ثم تشق طريقها بثبات نحو العالمية في هدوء ودون إثارة الضجيج أو لفت الانتباه في وسائل الإعلام ومواقع التواصل.
درست كوثر بن هنية الإخراج السينمائي في معهد الفنون والسينما في تونس العاصمة ثم سافرت إلى فرنسا حيث درست كتابة السيناريو وهو ما جعلها مخرجة وكاتبة في الآن نفسه. وأنجزت هذه المخرجة التونسية أفلاما قصيرة وأخرى طويلة، كما أنجزت أفلاما وثائقية ونالت جميعها جوائز في مهرجانات عالمية وهو ما أكد للبعض أن جوائزها في بلدها تونس وتحديدا في مهرجان أيام قرطاج السينمائية، أعرق المهرجانات العربية والأفريقية على الإطلاق، كانت مستحقة.

جوائز مستحقة

نال فيلم «بنات ألفة» جائزة «السينما الإيجابية» التي تمنح للفيلم الأكثر إيجابية من بين الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، أي الفيلم الأكثر تناولا للسينما كوسيلة لتغيير النظرة إلى العالم وتوعية الأجيال القادمة بضرورة خلق عالم إيجابي. كما نال بنات ألفة جائزة «تنويه خاص» التي تسندها لجنة جائزة الناقد فرنسوا شالي والمشكلة من نقاد وصحافيين وتقدمها جمعية فرنسوا شالي. ونال الفيلم أيضا في مهرجان كان جائزة العين الذهبية وتعد هذه الجائزة من أبرز جوائز هذا المهرجان وهي مؤهلة لفئة الأفلام الوثائقية الطويلة لأكاديمية جوائز الأوسكار.
ولعل أهمية الفيلم تكمن في كونه نابعا من الواقع ويصور قصة حقيقية حصلت في تونس خلال السنوات الماضية التي عرفت فيها البلاد بعد الثورة انتشار الإرهاب بشكل لافت وغير مسبوق. حيث تلتحق بنتان من جملة أربع هن بنات ألفة الحمروني بتنظيم إرهابي وينتهي الأمر وهما سجينتان وتكافح الأم من أجل إنقاذهما من السجن وفي الوقت ذاته حماية البنتين اللتين لم تنخرطا مع هذه الجماعات التي نشطت في تونس بعد الثورة.
والفيلم هو من بطولة الممثلة التونسية هند صبري ومجد مستورة، بالإضافة لبطلات القصة الحقيقية وهن ألفة الحمروني وابنتاها آية وتيسير شيخاوي، وتؤدي دور البنتين السجينتين الممثلتان نور خوري وإشراق مطر. ويؤكد النقاد على أن اختيار الفيلم من جملة 20 فيلما فقط للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان لم يأت من باب الصدفة بل كان نتيجة لإبداع المخرجة المجددة في عالم السينما والتي قامت بنقلة نوعية للسينما التونسية وجعلتها محط أنظار الكبار.
ويذكر أن الفنانة التونسية هند صبري تتواجد للمرة الأولى في المسابقة الرسمية لمهرجان كان بهذا الفيلم التونسي وذلك رغم مشاركتها في عدد لا يحصى من الأفلام المصرية. وحتى تواجدها السابق في مهرجان كان، خارج إطار المسابقة الرسمية، كان من خلال السينما التونسية أيضا وذلك سنة 1994 من خلال فيلم «صمت القصور» للمخرجة التونسية الراحلة مفيدة التلاتلي، وفاز الفيلم وقتها بجائزة الكاميرا الذهبية عن قسم «نظرة ما».

إبداع حقيقي

تقول الإعلامية التونسية المتخصصة في الشأن الثقافي منى بن قمرة في حديثها لـ«القدس العربي» إن فيلم «بنات ألفة» للمخرجة كوثر بن هنية هو إبداع بكل ما للكلمة من معنى وبدون مبالغة. ويبرز الإبداع حسب محدثتنا في المزج بين التمثيل والواقع، أي بين الفيلم الروائي والفيلم الوثائقي بطريقة احترافية تدل على موهبة كوثر بن هنية وحبها لعملها ورغبتها المستمرة في النجاح.
وتضيف محدثتنا قائلة: «الجميل في كوثر بن هنية أنها تعمل وتبدع في صمت ولا تصنع تلك الضجة التي يفتعلها أشباه النجوم للفت الأنظار إليهم، وفي كل مرة نعتقد أنها غابت عن الأضواء يتبين لنا أنها كانت منكبة على إنجاز عمل ما. ويخرج هذا العمل مبهرا للمتلقي يثير الإعجاب ويتحدث عنه الجميع وينال الجوائز العديدة ويزيد من إشعاع السينما التونسية في الداخل والخارج باعتبار أن كوثر بن هنية نجحت في وطنها قبل أن تنجح في الخارج وراكمت التجارب رغم حداثة عهدها بعالم الإخراج السينمائي مقارنة بغيرها.
لقد استطاعت كوثر بن هنية في وقت قصير جدا أن تخط إسمها بأحرف من ذهب مع كبار السينمائيين في تونس وتوقع لها الجميع بمستقبل باعتبارها مخرجة وكاتبة سيناريو استثنائية. نعم أمام كوثر بن هنية وقت طويل لتبدع أكثر وتحصد المزيد من الجوائز وتخلد أعمالها ولتبهر التونسيين والعالم أكثر فأكثر وذلك بالنظر إلى ما تحقق إلى حد الآن في هذه الفترة الزمنية الوجيزة».
لقد وضعت كوثر بن هنية، حسب محدثتنا، سقفا للسينمائيين التونسيين لم يعد بإمكانهم النزول عنه، وهو ما يحتم عليهم مضاعفة الجهد للحاق بها والإرتقاء بالسينما التونسية لبلوغ العالمية كما وكيفا. فالعمل، حسب بن قمرة، والطموح للوصول إلى أعلى المراتب مع العزيمة والصبر والمثابرة يحقق النجاح لصاحبه وهو ما قامت به كوثر بن هنية وما على البقية إلا الإقتداء بها والنسج على منوالها في صمت.

عمل متفرد

من جهتها تعتبر الإعلامية التونسية سامية حرار في حديثها لـ«القدس العربي» أن فيلم «بنات ألفة» سيحصد المزيد من الجوائز بعد مهرجان كان باعتبار تفرده من حيث القصة والسيناريو ومن حيث الإخراج. كما أنه يتفرد، وحسب محدثتنا، بمعالجته لقضية الإرهاب من خلال قصة واقعية شهدتها تونس بعد الثورة وكانت مثالا حيا على ما عاناه البلد خلال السنوات الماضية بعد انفلات الأمور قبل أن يستقر من جديد ويستعيد عافيته الأمنية.
وتضيف محدثتنا قائلة: «لقد كان حضور كوثر بن هنية وفريق فيلم (بنات ألفة) لافتا في مهرجان كان في الحفل البهيج وجلب إليه الأنظار وتحدث الإعلام العالمي المتخصص بإطناب عن الفيلم ومخرجته وبطلاته وكانت هناك إشادات باحترافية العمل سواء تعلق الأمر بالمخرجة أو الممثلين أو التقنيين. وبالتالي يمكن القول إن كوثر بن هنية شرفت السينما التونسية كما يجب، والكل يثق في قدرتها على مزيد التشريف في قادم السنوات وما على الدولة والقطاع الخاص إلا مزيد دعم السينما في تونس لتتحول إلى صناعة حقيقية.
لقد أثبتت كوثر بن هنية سواء بمشاركتها الأخيرة في كان، أو في مسابقة الأوسكار ومن خلال حصدها لعدد كبير من الجوائز في المهرجانات، أن العالمية ليست أمرا صعب المنال وأنه وجب البناء على ما تحقق لتطوير السينما التونسية والعمل على أن لا تبقى كوثر بن هنية حالة فريدة ونادرة في المشهد السينمائي التونسي. وجب خلق مخرجين ومخرجات كثر تتوفر فيهم الاحترافية المتوفرة لدى كوثر بن هنية، ووجب تشجيع القطاع الخاص على دعمهم المادي بعد أن لعبت الدولة هذا الدور في البداية، لأن المال قوام الأعمال ومن دونه لا يمكن خلق صناعة سينمائية».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية