900 يوم سنتان ونصف السنة والمذبحة مستمرة في سورية. نحو 120 ألف قتيل، نحو نصف مليون جريح وملايين اللاجئين لم تكفِ للعالم المتحضر كي يستيقظ ويعمل ما كان يتعين عليه أن يعمله منذ اليوم الاول، الثاني بالحد الأقصى. ولكن في سورية الشمس تشرق، الطريقة تزدهر والجزار ابن الجزار يذبح مواطنيه. كان يتعين عليه أن يتجاوز الخط الاحمر كي يستيقظ العالم، ولكن هذه لم تكن المرة الاولى؛ فمنذ أشهر والنظام السوري يستخدم سلاحا كيميائيا على نحو شبه منتظم، والعالم لا يرى، لا يسمع وبالأساس لا يشم. ‘لم نحصل على أدلة’، ‘قد يكون هؤلاء هم الثوار’، ‘سنبعث بلجنة فحص’، كل الاعذار العابثة كي لا يفعلوا شيئا، ربما في هذه الاثناء قد يموت الطاغية من الضحك أو يموت الكلب من الغاز. مشاهد الاسبوع الماضي كانت فظيعة وواضحة، وهذه المرة لم يكن بوسع الامريكيين أن يغمضوا اعينهم ويقولوا إنه ليس واضحا اذا كان الخط الاحمر قد اجتيز. الآن مصداقية القوة العظمى في العالم ورئيسها في كفة الميزان. ولكن في الخلفية يوجد تهديدان: تهديد ايران وتهديد روسيا. ايران هي تهديد أقرب، وذلك لأن كل صناعة النفط في الخليج توجد في مدى الصواريخ الايرانية، ناهيك عن النقليات البحرية من حقول النفط التي تمر في مضيق هرمز. وقد سبق للايرانيين أن هددوا باغلاق المضيق وتدربوا على ذلك، كما أنهم هددوا اسرائيل. غير أن ايران ليست دولة انتحارية، وحكامها يعرفون أنهم اذا بدأوا باعمال عدائية في الخليج فقد يتلقون على الرأس كل احباطات الولايات المتحدة في أنها لم تنجح في منع برنامجهم النووي العسكري، ولهذا فثمة احتمال منخفض في أن يعملوا في الخليج. ومع اسرائيل ايضا سيكونون حذرين، لأنهم يخافون من سلوك غير عقلاني لزعمائها. ولكن من ناحية الامريكيين اللغز الأكبر هو روسيا، ماذا ستفعل هذه القوة العظمى حينما يهاجم مشروعها السوري، وكرسي بشار ـ ربيب صناعة السلاح الروسي ـ سيترنح بشدة التفجيرات الموجهة بالليزر حوله. عدد المتغيرات الحرة والخطر المحدق من بعضها على الولايات المتحدة (الارهاب)، على دول الخليج وعلى اسرائيل، ستجعل الهجوم الامريكي، اذا جاء ونُفذ، أن يكون طفيفا ومحصورا كي لا يوقظ الدب الروسي، وكي لا يُغضب أكثر مما ينبغي آيات الله في ايران. وهكذا سيكون بوسع اوباما ان يقول: ‘وفيت بالتزامي وقصفت سورية’، أما الايرانيون والروس فعندما سيتبينون ان الاضرار في سورية محتملة (إذ كم يمكن هدم دولة مهدومة؟) سيحذرون اوباما من التصعيد ويمرون مرور الكرام الى البند التالي من جدول الاعمال، حيث ستشرق الشمس، وتزدهر الطريقة ويواصل بشار ذبح مواطنيه. باختصار، العملية الامريكية، اذا ما جاءت، ستكون بتقديري طفيفة، لأن ليس لأحد حقا رغبة في اشعال كل الشرق الاوسط. ومع ذلك، يجدر بنا ان نتزود بالكمامات، خشية من أي سيناريو قد يحل.
‘ محاضر في الدائرة العربية في جامعة بار ايلان معاريف 26/8/2013