عملية أمنية ضد بلدية إسطنبول.. سيناريوهات لتفكيك تحالف المعارضة أم تعبيد طريق إمام أوغلو لـ”الرئاسة”؟

حجم الخط
0

أنقرة- “القدس العربي”: أعلنت وزارة الداخلية التركية، بدء حملة أمنية واسعة ضد مئات العاملين في بلدية إسطنبول الكبرى بتهمة الانتماء لمنظمات إرهابية، في خطوة حذّر معارضون من أنها ربما تمهد لإعلان الوصاية على رئاسة البلدية عقب إزاحة رئيسها من حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، وهو ما نفته أوساط رسمية بشكل قطعي، مؤكدةً أن العملية “أمنية وليست ذات أجندة سياسية تمهد للسيطرة على البلدية”.

وبينما اعتبر محللون أن خطوة في هذا الاتجاه قد تمثل أكبر خدمة لإمام أوغلو قد توصله إلى رئاسة الجمهورية التي يسعى للترشح إليها في الانتخابات المقررة في يونيو/حزيران 2023، وقد تُجرى في وقت مبكر بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، رأى آخرون أن العملية الأمنية ضد بلدية إسطنبول تشكل تحدياً كبيراً لحزب الشعب الجمهوري الذي يحاول الحفاظ على تماسك تحالفه مع حزبي الجيد والشعوب الديمقراطي، وهي مهمة صعبة تزيدها هذه العمليات تعقيداً.

ومساء الأحد، أعلنت وزارة الداخلية التركية أنها بدأت “حملة تفتيش” واسعة تستهدف المئات من العاملين بشكل مباشر أو في شركات تعمل لصالح بلدية إسطنبول الكبرى، وأوضح بيان لوزارة الداخلية، أن مئات العاملين المشتبه في انتمائهم أو ارتباطهم أو تعاونهم مع منظمات إرهابية مختلفة أبرزها تنظيم “بي كا كا”.

وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، شدد في تصريحات له، الاثنين، على أن “هذه مسألة أمنية وليس لها أي بعد سياسي”، لافتاً إلى أنه جرى التأكد من وجود أشخاص يعملون في مواقع حساسة ببلدية إسطنبول هم على صلة بتنظيمات إرهابية مثل “بي كا كا” وآخرين تم إخراجهم من الجيش التركي بتهمة الارتباط بتنظيم غولن، وجدد التأكيد على أنه “ليس لدينا أي دخل في عمل البلدية، عملنا يقتصر على محاربة الإرهاب”.

وفي أول تعقيب له، كتب أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، الأحد: “قلت سابقاً لن أظلم أحدا ولن أسمح لأحد بأكل حقي، واليوم أقول أيضاً أنني أقف بجانب جميع العاملين في بلدية إسطنبول والبالغ عددهم 86 ألفا، ولن أسمح بظلمهم”، مضيفاً: “المذنب منهم لنحاربه جميعاً جنباً إلى جنب حتى النهاية، ولكن ليعلم من يهاجم عائلة بلدية إسطنبول أنه سيواجه أمامه قوة ووحدة لم يكن يتوقعها”.

والإثنين، شن إمام أوغلو هجوماً على وزير الداخلية سليمان صويلو، معتبراً أن الحملة ضد العاملين في بلدية إسطنبول ذات أبعاد سياسية و”جاءت لإرضاء أردوغان، وتغيير الأجندة في البلاد التي تعاني من صعوبات اقتصادية”، معتبراً أن بلديته ليست لديها أي مشكلة في إجراء تفتيش من قبل وزارة الداخلية، إلا أنه أشار إلى ما اعتبرها تناقضات ونواقص واتهامات تؤكد الأجندة السياسية لما يجري.

سياسيون وصحافيون مقربون من أحزاب تركية معارضة مختلفة، حذروا من أن يكون قرار وزارة الداخلية مجرد مقدمة من أجل إعلان “الوصاية” وتعيين رئيس جديد لبلدية إسطنبول الكبرى على غرار ما فعلت الحكومة في عدد من البلديات جنوب وشرق البلاد، والتي اتُهمت بتقديم الدعم للتنظيمات الإرهابية.

وحذر محللون وصحافيون بعضهم من المقربين من حزب العدالة والتنمية الحاكم، من أن يؤدي هكذا إجراء إلى منح رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو فرصة تاريخية من أجل الترشح والفوز برئاسة تركيا مستفيداً من سردية المظلومية التي سيقول إنه تعرض لها، مُذكرين بما جرى مع إمام أوغلو في الانتخابات البلدية عام 2019، حيث جرى إعادة الانتخابات في محاولة لمنعه من الوصول لرئاسة بلدية إسطنبول قبل أن يتمكن من الفوز مجدداً بفارق بملايين الأصوات، مستفيداً من “سردية المظلومية” التي يتفاعل معها الناخب التركي بقوة.

في المقابل، استبعد آخرون احتمال لجوء وزارة الداخلية لهكذا إجراء ضد إمام أوغلو، معتبرين أن جانبا من التفتيش ربما يتعلق بالأساس بأشخاص مشتبه بالفعل بارتباطهم بتنظيمات إرهابية، وجانب آخر متعلق بخلق مشاكل لتحالف الأمة المعارضة الذي يمثله إمام أوغلو من أجل زجه نحو التفكك قبيل موعد الانتخابات المقبلة.

وفاز إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول بدعم معلن ومباشر من حزبي الشعب الجمهوري والجيد، وبدعم غير معلن من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وقام عقب ذلك بتشغيل الآلاف من أنصار الأحزاب التي دعمته، ومنهم أنصار حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وأشخاص تقول وزارة الداخلية إنهم متهمون بممارسة أو دعم أنشطة إرهابية.

ومن شأن الضغوط التي تمارسها وزارة الداخلية على بلدية إسطنبول، أن تدفع إمام أوغلو لاتخاذ موقف من مئات الملاحقين سواء بالتستر والدفاع عنهم، وهو ما قد يؤدي لغضب حزب الجيد صاحب التوجهات القومية الذي لا يتساهل بالملفات المتعلقة بدعم الإرهاب وتنظيم “بي كا كا”، أو اتخاذ إجراء بفصلهم من العمل، وهو ما قد يغضب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، والذي يعوّل عليه إمام أوغلو وحزب الشعب الجمهوري بشكل عام لدعمهم من أجل الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويرى حزب العدالة والتنمية الحاكم في تفكيك تحالف الأمة المعارض أقصر الطرق للفوز في الانتخابات المقبلة، ويركز بدرجة أساسية على التناقضات داخل التحالف وخاصة بين حزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، حيث تطفو على السطح الكثير من التناقضات بين الحزبين تهدد إمكانية التوافق على مرشح موحد للتحالف، والذي يسعى إمام أوغلو بأنه يكون هو ذلك المرشح استناداً إلى نجاحه حتى الآن في الحفاظ على مواقف متوازنة أكسبته احترام الأحزاب الثلاثة، لكن حملة وزارة الداخلية الجديدة قد تضعه أمام اختبار صعب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية