عملية أنقرة وتداعيات زلزال غزة الإقليمية

حجم الخط
0

شنّت القوات التركية، أمس الخميس، هجمات على مواقع لحزب العمال الكردستاني التركي في سوريا شمال العراق، وذلك بعد الكشف عن مشاركة امرأة ورجل ينتميان لهذا الحزب في عملية نفذت أول أمس الأربعاء واستهدفت منشأة صناعة المسيّرات وعلوم الفضاء التركية (توساش) في منطقة قهرمان كازان في ضواحي العاصمة التركية أنقرة، وأدت لمصرع 5 أشخاص وجرح 23 آخرين.
تناظر هذا الهجوم وقائع تبدو متعاكسة معه سياسيا، ففي يوم الرد التركي نفسه تحدث نائب برلماني مؤيد لحزب العمال، وهو أيضا من أفراد أسرة عبد الله أوجلان، زعيم الحزب المسجون حاليا في تركيا، أن الأخير ربما يكون منفتحا على بدء محادثات سلام مع الحكومة التركية، ناقلا عن الزعيم الكردي قوله: “إذا كانت الظروف مواتية، فأنا لدي القوة النظرية والعملية لنقل هذه العملية من مستوى الصراع والعنف إلى المستوى السياسي والقانوني”.
سبقت التصريحات الأخيرة لأوجلان مفاجأة كبيرة داخل الأوساط السياسية التركية تمثلت بقيام دولت باهتشلي، زعيم حزب “الحركة القومية”، والحليف الأبرز للرئيس التركي اردوغان، بإعلان “مبادرة استثنائية” وصفت بـ”التاريخية” تلخصت باقتراح رفع العزلة عن أوجلان والطلب منه التحدث في البرلمان لإعلان انتهاء الإرهاب، وهو ما سيسمح بإطلاق سراحه من السجن بموجب المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تحظر أحكام السجن لأجل غير مسمى.
كان باهتشلي، المشهور بانتقاداته العنيفة لأوجلان و”العمال”، قد سبق المبادرة بالتوجه نحو أعضاء الحزب الديمقراطي الكردي (القريب من حزب العمال) وإجراء محادثة معهم ثم البدء بإطلاق تصريحات تتعلق بالقضية الكردية وعملية السلام في البلاد، وهي خطوات أيدها اردوغان واعتبرها “نافذة تاريخية” مردفا: “نريد أن نبني معاً تركيا بدون إرهاب”، كما أيد زعيم المعارضة التركية، رئيس حزب “الشعب الجمهوري”، الفكرة قائلا إن البرلمان يجب أن يكون المكان الرئيسي لحل القضية الكردية، لكنّه أشار الى أن المطلوب ليس حلا مناسبا “لشخص واحد” ولكن “تحقيق المصالحة بين 86 مليون شخص” (عدد سكان تركيا). أيدت تولاي اوغولاري، الرئيسة المشاركة للحزب الديمقراطي الكردي، المبادرة معتبرة رفع العزلة عن أوجلان بداية مناسبة، وأردفت ذلك بتعليق لافت عن كون أوجلان هو “محاور السلام في الشرق الأوسط وتركيا”، وهي ملاحظة ثاقبة تتجاوز الإشارة لوجود الحزب في سوريا والعراق، إلى أن التحرّك التركيّ مرتبط بالتغيّرات الإقليمية المتسارعة في الشرق الأوسط، من دون استبعاد علاقته بالوضع الداخلي، وحاجة حزب “العدالة والتنمية” إلى أصوات الأكراد في أي انتخابات مقبلة.
تستشعر المبادرة، بالتأكيد، الزلزال الفلسطيني الكبير، وتداعياته الإقليمية الهائلة، واحتمالات انفتاح الصراع الإسرائيلي الإيراني، وكذلك احتمالات فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، وهو ما يستدعي قرارات استراتيجية تحتاط لاحتمالات التصعيد ضد تركيا نفسها برأب الصدع داخل البيت التركي – الكرديّ بدل إبقاء إمكانيات استغلال الصراع العسكري – السياسي مع “دولة” حزب العمال الكردستاني الممتدة على مساحة واسعة من الأراضي السورية وصولا إلى سنجار وجبال قنديل في كردستان العراق.
الهجوم المسلّح في أنقرة، بهذا المعنى، كان محاولة من القيادة الميدانية لحزب العمال الكردستاني، وعلى رأسها جميل بايق، الموجود في جبال قنديل، لعكس اتجاه مبادرة المصالحة الداخلية التركيّة، ولإجهاض محاولة التقارب بين السلطات التركية وزعيم الحزب، وهو ما يؤكده تقرير لموقع “المونيتور” عن خلاف بين أوجلان وبايق، وهو ما يمكن أن يؤذن، إذا نجحت المفاوضات مع اوجلان وتم إطلاقه من السجن، بانشقاق بين الجناحين السياسيّ والعسكري لحزب العمال، وبتغيير كبير يعكس التداعيات الإقليمية التي أطلقتها الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين أول/أكتوبر 2023.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية