الخرطوم ـ «القدس العربي»: تواصلت المعارك بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» الخميس، وسط دعوة أممية لوقفها، فيما تحدثت منظمة «العفو الدولية» عن تفشي جرائم الحرب وقتل مدنيين في هجمات متعمدة وعشوائية.
وأكد الناطق باسم الجيش، نبيل عبد الله، أن القوات الخاصة نفذت ما وصفها بـ«العملية النوعية» أسفرت عن «مقتل» 12 عنصراً من قوات الدعم السريع عند مدخل جسر المك نمر الرابط بين ميدنتي الخرطوم والخرطوم بحري، مشيراً إلى «تدمير أربع سيارات مسلحة في مدخل جسر المك نمر».
ولفت إلى ما وصفه بـ«استقرار الموقف العملياتي» حيث قال إن «القوات الخاصة تنفذ عمليات خاصة وتكبد العدو خسائر فادحة» وفق ما قال.
في المقابل، قالت قوات «الدعم السريع» إنها «أسرت» العشرات من جنود الجيش السوداني، خلال فرارهم من سلاح الإشارة في مدينة الخرطوم بحري. ونشرت مقطعاً مصوراً لمن قالت إنهم الأسرى.
واستمرت الاشتباكات في مناطق مختلفة من البلاد، بما في ذلك العاصمة الخرطوم. وأعلنت لجان مقاومة امتداد ناصر شرق الخرطوم، وجود اشتباكات في محيط المنطقة وسط سماع دويّ المدافع وأصوات الرصاص، داعيةً المواطنين لأخذ الحيطة والحذر والبقاء في منازلهم.
فيما تجدد القصف المدفعي للجيش على مواقع الدعم في أمدرمان والخرطوم بحري، شمال وغرب العاصمة. وفي ولاية جنوب دارفور، غربي البلاد، أخلت قوات الدعم مواطنين من منازلهم قسرا في أحياء وسط مدينة نيالا.
دعوة أممية
في الموازاة، حثت بعثة «يونيتامس» جميع القوى المشاركة في العمليات العسكرية على وقف عملياتهم العسكرية فوراً قبل أن تدعوهم لاستئناف المحادثات التي تيسرها جدة، وتؤكد التزامها بدعم وتسهيل الجهود المبذولة نحو حل سلمي للنزاع في جميع أنحاء السودان.
وعبرت في بيان أمس، عن قلقها البالغ إزاء التأثير الخطير للقتال بين قوات الدعم السريع المدعومة من الميليشيات العربية، والقوات المسلحة السودانية على المدنيين في منطقة دارفور.
وأدانت بشدة الاستهداف العشوائي للسكان المدنيين والمرافق العامة من قبل قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة، ولا سيما في محلية سِربا، على بعد 45 كيلومتراً شمال الجنينة في غرب دارفور، في الفترة من 24 إلى 26 يوليو/ تموز الماضي. كما عبرت عن قلقها إزاء حوادث مماثلة في نيالا في ولاية جنوب دارفور، وزالنجي في ولاية وسط دارفور.
وقال رئيس البعثة، فولكر بيرتس: «إنني قلق من التقارير التي تشير إلى منع المدنيين من المغادرة الى المناطق الآمنة، مما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا. هذه التقارير تذكرنا بانتهاكات تمت في الجنينة، غرب دارفور، في يونيو/ حزيران الماضي».
منظمات محلية ودولية تتحدث عن انتهاكات في دارفور والخرطوم
وأضاف: «نحن نوثق جميع التجاوزات وأُذَكِّر أن هذه الأفعال البشعة تشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان للمدنيين وقد تشكل جرائم حرب بموجب القانون الدولي. أُذكّر جميع الأطراف المشاركة بالامتثال بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي لضمان سلامة وحماية جميع المدنيين».
ومع غياب أفق لاستئناف التفاوض، يمضي المشهد الحقوقي والإنساني إلى أسوأ مراحله، حيث أعلنت «المبادرة الأفريقية لنساء القرن الأفريقي» (شبكة صيحة) عن انتهاكات جسيمة ارتكبتها قوات الدعم في إقليم دارفور غربي البلاد.
معلومات مقلقة
وقالت إنها «في شهر يوليو/ تموز الماضي، تلقّت معلومات مقلقة وخطيرة تفيد بأن أفراداً من قوات الدعم السريع قاموا باختطاف نساء وفتيات واحتجازهن كرهائن في مناطق محددة من ولاية شمال دارفور، ومن ثمّ إطلاق سراحهنّ ليعدن إلى عائلاتهن مقابل فدية أو ربما بيعهن لاحقاً في الأسواق».
وأضافت في تقرير نشرته أن «قوات الدعم ما زالت ترتكب الجرائم ضد النساء والفتيات، بما في ذلك حملات واسعة النطاق من العنف الجنسيّ ضد النساء والفتيات في الخرطوم، وشمال وجنوب وغرب دارفور».
وأكدت أنها «وثقت حتى الآن، 47 حالة مؤكدة لجرائم عنف جنسيّ، إضافة إلى عشرات الحالات الأخرى في انتظار التأكيد».
هذه الجرائم، وفق المبادرة جزء من «استراتيجية واسعة النطاق استخدمتها قوات الدعم السريع لإرهاب وترويع سكان دارفور على مدى السنوات العشرين الماضية واستمرت في استخدامها في الحرب الحالية ضد المدنيين في الخرطوم ومناطق غرب شمال ووسط وجنوب دارفور». كذلك قالت منظمة «العفو الدولية» في تقرير نشرته أمس الخميس، إن «هناك تفشيا لجرائم الحرب في السودان مع مقتل المدنيين في هجمات متعمدة وعشوائية».
وأضاف التقرير الذي حمل عنوان «جاء الموت إلى بيتنا» أن العنف أدى إلى مقتل وإصابة آلاف الأشخاص منذ اندلاع النزاع، بما في ذلك تعرض نساء وفتيات لا تتجاوز أعمارهن 12 عامًا للعنف الجنسي، مشيراً إلى أن المدنيين في جميع أنحاء السودان يعيشون رعبًا لا يمكن تصوره.
رعب لا يمكن تصوره
ويوثق التقرير جرائم الحرب ومعاناة المدنيين في السودان والخسائر الجماعية في صفوف المدنيين في الهجمات المتعمدة والعشوائية التي تشنها الأطراف المتحاربة.
كما يفصّل العنف الجنسي ضد النساء والفتيات، والهجمات المستهدفة على الأعيان المدنية مثل المستشفيات والكنائس، وأعمال النهب على نطاق واسع.
وترقى بعض الانتهاكات الموثقة، مثل الهجمات التي تستهدف المدنيين، والهجمات على البنية التحتية الإنسانية، والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والنهب، إلى جرائم حرب، وفق التقرير الذي ركز في المقام الأول على الخرطوم وغرب دارفور.
وقالت الأمينة العامة لمنظمة «العفو الدولية» أنياس كالامار: «المدنيون في جميع أنحاء السودان يعيشون رعباً لا يمكن تصوره كل يوم، بينما تتنافس قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية بتهور للسيطرة على الأراضي».
وأضافت: «يُقتل الناس في قلب منازلهم، أو أثناء بحثهم اليائس عن الطعام والماء والدواء. ويقعون في مرمى النيران أثناء فرارهم، وتُطلق النار عليهم عمدًا في هجمات مستهدفة. وتعرضت عشرات النساء والفتيات، بعضهن لا تتجاوز أعمارهن 12 عامًا، للاغتصاب ولأشكال أخرى من العنف الجنسي على أيدي أفراد من الأطراف المتحاربة. لا يوجد مكان آمن».
وأشار التقرير إلى «العنف المتصاعد في إقليم دارفور، حيث تتسبب قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في موت ودمار لا يوصفان، يشبهان حملات الأرض المحروقة في العقود السابقة، والتي تشمل في بعض الأحيان بعض الجهات الفاعلة نفسها».
وقف استهداف المدنيين
ودعت المنظمة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، فضلاً عن الجماعات المسلحة التابعة لها إلى «وضع حد لاستهدافها للمدنيين، وضمان المرور الآمن لأولئك الذين يبحثون عن الأمان».
كما دعت إلى «اتخاذ خطوات عاجلة لضمان العدالة والتعويض للضحايا والناجين».
وفي سياق الانتهاكات، قالت وحدة «مكافحة العنف ضد المرأة والطفل» (الحكومية) إنه وردت إليها تقارير متواترة بشأن ازدياد حالات الاختفاء القسري للنساء والفتيات في نيالا في جنوب دارفور غربي البلاد.
وأضافت «تؤكد إفادات الناجيات والشهود العيان وجود نساء وفتيات محتجزات لدى قوات الدعم السريع في مناطق مختلفة في نيالا».
تحرك دولي
وطالبت بتحرك دولي سريع وجاد لإنهاء هذه المأساة ووضع حدٍّ للانتهاكات المريعة لحقوق الإنسان ضد النساء والفتيات في السودان، مع «ظهور ناجيات كنّ محتجزات في أماكن مختلفة، وتواتر الإفادات بشأن احتجاز نساء وفتيات في مخازن وفنادق في نيالا والخرطوم بغرض استغلالهن جنسياً بواسطة الدعم السريع، فيما يشبه اختطاف النساء الأيزيديات في العراق من قِبل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية».
وأشارت إلى أنه في ظل الوضع الأمني المتدهور في نيالا، هناك صعوبات كبيرة في الإبلاغ عن الحالات ومخاطر جمة على مقدمي الخدمات، مما يستدعي تحركاً دولياً عاجلاً وقوياً.
ولفتت إلى أن شبهة «بيع نساء وفتيات» لا تزال مجرّد أقاويل، ولكن الوضع العام يشجّع على تصديقها وعدم استبعاد هذه المسألة على خطورتها.