عميد بلدية تاورغاء لـ”القدس العربي”: النازحون عادوا بعد 7 سنوات تنفيذا لميثاق المصالحة مع مصراتة

رشيد خشانة
حجم الخط
0

تتبوأ مدينة تاورغاء مكانة فريدة في المشهد الليبي، فهي المدينة الشهيدة التي دفعت ثمنا باهظا خلال الانتفاضة التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي، واضطُر سكانها إلى ترك بيوتهم خوفا من رد فعل عنيف من أهالي مصراتة، والنزوح إلى مناطق بعيدة.

استمر النزوح أكثر من سبع سنوات استقطبت خلالها المدينة المنكوبة اهتمام المنظمات الدولية، إلى أن وقع ممثلون عنها وعن مدينة مصراتة (التي تبعد عنها 40 كيلومترا)، ميثاق صلح بين الطرفين، في يونيو/ حزيران 2018، بحضور مسؤولين حكوميين وعمداء بلديات وأعضاء مجالس أعيان، بالاضافة لممثلي قبائل ليبية ومنظمات المجتمع المدني.

ويتحدث عميد بلدية تاورغاء عبد الرحمن الشكشاك في هذا الحوار عن ملابسات الخلاف بين المدينتين ومضمون اتفاق المصالحة وانعكاساته المباشرة على أهالي تاورغاء.

* أين صار أهالي تاورغاء، الذين رُحل منهم قرابة 36 ألفا من أصل 40 ألف ساكن بعد انتفاضة 2011؟ وكم عاد منهم إلى حد الآن؟

– عدد سكان تاورغاء خمسون ألفا، بدأوا مغادرتها منذ يوم 20 رمضان، الموافق لـ11 أغسطس/ آب 2011. وقد نزح منها كل سكانها، بين يومي الخميس والسبت الذي كان آخر يوم للمغادرة. لم يبق أحد في المدينة التي كانت مسرحا لأحداث دامية. اليوم، بفضل الاتفاق الذي تم التوقيع عليه منذ سنة تقريبا، وبالتحديد يوم 3 يونيو/ حزيران 2018، عادت 300 أسرة حتى اليوم، أي حوالي 15 ألفا، باعتبار أن الأسرة الواحدة مؤلفة من خمسة أفراد في الحد الأدنى. ونحن مقبلون على انتخابات جديدة عندما يتحسن الوضع، وسيكون هناك عميدٌ منتخبٌ ومجلس بلدي.

* ما الذي أنجز حتى الآن؟

– يبدو أننا لسنا محظوظين، ففي كل مرة نتقدم فيها خطوة، إلا ويأتي مشكل يُعطلنا. مع ذلك بدأنا أعمال الصيانة من أجل إصلاح مستشفى تاورغاء الكبير، الذي يتسع لـ110 سريرا، كما شرعنا في تجهيز مستوصفين، إلى جانب مشاريع أخرى تعتمد على ثروات المدينة، وخاصة المياه العذبة المتوافرة في واحتها، وهي أكبر منبع مياه في شمال أفريقيا. وكانت هناك أمراضٌ منتشرةٌ في المنطقة منها البلهارسيا، فشرعنا في تجهيز مركز صحي متخصص في مكافحة هذا المرض. كما أقمنا مركزا للشرطة باشر العمل مؤخرا، واشترينا لهم سيارات، وربطنا شبكات الكهرباء بالمدينة، واليوم من يمرُ على الطريق الساحلي تبدو له تاورغاء في ثوب جديد.

* هل تم توصيل الكهرباء؟

– نعم، الكهرباء موجودة في جميع المناطق الآمنة، وخاصة في المنشآت العمومية، وفي الطريق الساحلي، ومحطة البنزين تشتغل، وكذلك المتاجر الخاصة، بالاضافة لأربع مدارس. هناك أيضا مكتب للجوازات شارف العمل فيه على الانتهاء. وزيادة على ذلك، نحفر حاليا ثمانية آبار ارتوازية مع شركة المياه.

* هل البلدية هي التي قامت بجميع هذه الأعمال بمفردها أم هناك أطراف أخرى ساعدتكم؟

– هناك قطاعات تابعة للحكومة مثل قطاعي النقل والصحة وسواهما. وهناك تنسيق بيننا وبين الوزراء في الحكومة، فعلى سبيل المثال تم التوقيع في الأسبوع الماضي على اتفاق إنشاء الملعب المُعشب، وملعب الخُماسيات، والمجمع الإداري الخاص بالمدن الرياضية في تاورغاء. وبدأ عمال الشركة المعنية بالعمل لإنجاز هذه المشاريع. كذلك مضينا في صيانة فروع المصارف، وبعد شح السيولة، بات كل مواطن قادرا على الذهاب إلى المصرف، وسحب ما يحتاجه من ماله المودع في الفرع. واستُؤنفت أيضا الحركة في الشوارع التجارية، وبات المواطنون يتسوقون بشكل عادي.

* هل تمنحون تعويضات للأسر العائدة لكي تُرمم بيوتها؟

– يقضي الاتفاق بمنح كل أسرة 12 ألف دينار (8520 دولارا) وقد صرفنا لهم القسط الأول أي 4 آلاف دينار (2840 دولارا)، وسنصرف الثاني في الأسبوعين المقبلين. ويستخدم غالبية السكان هذا المبلغ لأعمال الصيانة والترميم في بيوتهم. ولدينا ثمانية مكاتب مُكلفة من الدولة بتقدير الأضرار التي لحقت بيوت السكان، وتُقدَم التقارير إلى الدولة، لكي يحصل المواطن على التعويضات. وبالرغم من الظروف التي تمر بها ليبيا، والحروب المتلاحقة، فإن التاورغيين فرحون بالوضع الجديد، ونسجل كل يوم عودة مزيد من النازحين إلى مدينتهم وبيوتهم. وفي الجملة استطعنا تحصيل مساعدات تفوق قيمتها 40 مليون دينار (28 مليون دولار) من المساهمات في مشاريع مختلفة.

* من أين تأتي البلدية بالأموال لصرف التعويضات؟

– من حكومة الوفاق الوطني.

* وهل للمجتمع المدني مساهمات في هذا المجهود الاجتماعي؟

– لكي أكون صريحا أقول لك إن مكونات المجتمع المدني مازالت يافعة في ليبيا، إذ يعود ظهورها إلى ما بعد انتفاضة 17 فبراير/ شباط 2011، وهي تقوم ببعض الأعمال التطوعية البسيطة، مثل تنوير الطرقات وتنظيف الشوارع. لكن المشاريع المُبرمجة على الورق أكثر من الإنجاز الفعلي. نحن نحاول إدماجهم، وقد نجح بعضهم فعلا في إقامة شراكات مع منظمات دولية، وبدأ موفدون وخبراء منها يتوافدون على تاورغاء. وفي هذا الإطار، شرعت منظمة ألمانية في بناء قاعة اجتماعات في تاورغاء تسع ألفي شخص، مجهزة بأحدث التقنيات. وقد ساهمنا نحن بالأرض وهم بالتجهيزات المتطورة. كما أهدتنا سيارة إسعاف مجهزة، وهناك مدارس متنقلة ستساعدنا على إيجاد حلول للطلاب النازحين والمقيمين في مدارس مع عائلاتهم، كي يباشروا دراستهم مع انطلاق السنة الدراسية. وهناك منظمة أخرى تطوعت للبحث عن الألغام ومُخلفات الحرب في تاورغاء ومحيطها، ويتولى السكان إبلاغ مندوبي المنظمة عن وجود أي جسم مشبوه، وهم يقومون بالتعاطي معه، فهذه المدينة كانت ساحة حرب. كما تقوم الهيئة الليبية للبحث عن المفقودين بعمل مهم في هذا المجال. وقد تحدثت مع مسؤولين في الاتحاد الأوروبي بشأن إمكانية بناء مساكن للنازحين العائدين إلى تاورغاء، واتفقنا على إعداد بعض الأوراق في هذا الإطار. ونأمل أنه مع حلول مارس/ آذار المقبل يكون كل عائد قد استقر في بيته المُجدد.

*هل هناك انتخابات محلية في الأفق؟

– أحمد الله على أن الأمور سارت بشكل جيد منذ وجودي على رأس الهرم اعتبارا من 2011.

* وما سرُ بقائك طيلة هذه الفترة؟

– منذ البداية تم تكليفي من “المجلس الوطني الانتقالي” (حكومة مؤقتة بعد اندلاع الثورة) ببلدية تاورغاء، ونحتاج اليوم إلى تجديد الثقة، وهذا غير ممكن إلا بإجراء انتخابات في تاورغاء.

* ما تأثير حرب طرابلس على أوضاع تاورغاء؟

– كثير من النازحين الذين سكنوها مؤقتا، اضطروا لمغادرة المناطق التي يدور فيها القتال في طرابلس، وعادوا إلى هنا. وقبل الاتفاق المُبرم بين تاورغاء ومصراتة لم يكونوا يعرفون إلى أين سيلجئون، أما الآن فلديهم بديلٌ. نأمل أنه مع حلول مارس/ آذار المقبل، نكون قد وجدنا حلولا لغالبية العائدين، ثم سننطلق إلى المرحلة الثانية وهي إعادة الإعمار.

* كم عدد المفقودين من أبناء تاورغاء؟

– حوالي 300 مفقود، لكن هناك مفقودون من جميع المدن الليبية تقريبا. ولما جاءت كتائب القذافي إلى تاورغاء لمحاربة مصراتة سقط كثيرون وفُقد أيضا كثيرون، ونحن نتعامل مع الجميع في كنف المساواة على أساس أنهم أبناء ليبي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية