عندما تستولي النخب على الثورات

حجم الخط
0

مصطفى أيت خرواش مع انطلاق ثورات الربيع العربي، اتخذت النخب العربية بكل ألوانها مواقع دفاعية ضد هذه الثورات ناعتين اياها تارة بثورات الجياع أو بثورات شباب غير ناضجين فكريا وسياسيا وتارة أخرى يرفضون أن ينعتوها باسم الثورة بل هي مجرد حراك اجتماعي حماسي غير مؤسس وليست له رؤيا ولا برنامج ولا زعامة. والحقيقة أن التابوهات الفكرية التي يؤمنون بها قد عشت في عقولهم حتى أصبحوا لا يرون العالم سويا إلا بتطبيقها والسير في طريقها. فرق بين الثورة عندما تقوم بها النخبة سواء كانت فكرية أو سياسية أو عسكرية أو دينية وبين الثورة عندما تنبثق من الشعب. الأولى تتحول الى سلطة استبدادية تحكمها عوامل تأطير التنظيمات القطرية. مثلت هذه الحالة ثورات الجيوش العربية والضباط الاحرار ضد الأنظمة الملكية العربية الموالية للمستعمر وحركات الإسلام السياسي التي سفكت الدماء وجعلته مباحا ضد جميع المعارضين بما فيهم الشعب نفسه. أما الثانية فغالبا ما تكون تحررية من الظلم والاستبداد والطغيان. العنصر البارز فيها هو العصيان المدني وهو أبرز تجلي لقوة ارادة الشعوب ولكن اذا مورست بشكل سلمي لا عنفي. خطيرة هي النخب على المجتمعات الهشة، انها تقولب الحقائق وتفسرها بخلفيات مؤدلجة وتعطي الانطباع على خلوها من المغالطات والنقائص الذاتية. والمجتمعات تكون هشة عندما تنهكها الأنظمة الاستبدادية بسياساتها الشمولية ونهبها للثروات المالية والاقتصادية والطبيعية عن طريق أنظمة السلطة المركزية التي توزع المناصب على أصحاب النفوذ من الأسر والأعيان والعسكر ضمانا لاستمرار آليات النهب المؤسساتية. حصة الشعوب من هذه التوزيعة هي الفقر المستمر وتدني مستويات التعليم والصحة والسلم الاجتماعي. لقد أضعفت الأنظمة العربية السابقة على ثورات الربيع العربي جل النخب السياسية والثقافية والدينية المعارضة بل ابادت الكثير منها عن طريق اما التصفيات الجسدية او المؤسساتية، فقط التنظيمات السرية هي التي استطاعت البقاء عن طريق ممارسة التقية السياسية داخل الوطن أو عن طريق اللجوء السياسي خارج الوطن. وهنا فقط حركات الاسلام السياسي هي التي استطاعت الصمود والبقاء لطبيعة الترسانة المعرفية التي تأطرها ولطبيعة الخطاب الديني الذي تؤمن به. كيف تريد اذن من تنظيمات سرية مغلقة وتؤمن بالعنف أن تؤطر مجتمعا يعيش فورانا تحرريا معاصرا أفرزته ثورة المعلومات والاتصال الحديث ويحمل قيما جديدة ترتكز على الانفتاح على الاخر والتحرر من القيود والأقفال خصوصا الدينية.لقد استولت النخب الدينية العربية ممثلة في حركات الاسلام السياسية على ثورات الربيع الديمقراطي التي عرفتها دول الشرق الأوسط وشملا افريقيا عن طريق التحالف مع المؤسسة العسكرية وبإيعاز منه في حالة مصر وتونس أو مع النظام في حالة المغرب واليمن أو مع الميليشيات العسكرية في حالة سوريا وليبيا. ولكن الشعوب العربية واعية تمام الوعي لجميع الخطط والمؤامرات التي تطبخ هنا وهناك من أجل تمرير خطاب نخبوي غير خال من التضليل كخرافة الانتقال الديمقراطي أو حماية الوطن او الزعامة الحداثية او تجنيب البلاد من الانجراف نحو الحرب الاهلية أو استقرار السلطة.ما زالت أمام ثورات الربيع الديمقراطي أصنام عتيدة وجب تدميرها. لقد ثبت ان ما يسمى بالعالم الاسلامي غير مستعد لدخول عالم التحديث. بكل بساطة بسبب ذلك الفكر الاسطوري الذي يمجد الماضي ويقف عنده بكل صلابة. انه يجد استعدادا روحيا فظا من أجل القتال وضرب الأعناق. هذا ما أنتجته المؤسسة الدينية في هذه البلدان التي بدأ شبابها يعشق الحرية ويناضل من أجلها لايمانه بأنها العقد الاجتماعي الأساسي لبناء دولة الحق والقانون التي تحقق الازدهار الرقي الاجتماعيين.أيها الثوار الأحرار المعركة ما زالت طويلة فالعرب انتجوا اصناما كثيرة وثقيلة للغاية وجب تحريرها.الحل هو التحرر.’ باحث من المغربqmdqpt

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية