دخل السوريون عالم التواصل الاجتماعي بشكل متسارع جداً في الآونة الأخيرة، وتزايد عدد المشتركين في مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية تزايداً ملحوظاً في العقدين الأخيرين، ومما لا شكّ فيه فقد أثّرت هذه المواقع في سيرورة حركات التحرر في البلدان العربية، وكان لها دور مهم في ثورات الربيع العربي. وقد لا يقف الأمر عند السوريين وحدهم، فالمتصفح لهذه المواقع يلحظ مدى الزخم الهائل من المشتركين العرب في مختلف أرجاء الوطن العربي. وقد غدت تلك المواقع المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر مع وسائل إعلامية أخرى، ساحاتٍ للنقاش، ولإبداء الرأي، وفي غير قليل منها ميادين لإبراز المواهب الشخصية والإبداعات الأدبية. ومع تزامن هذا الإقبال المحموم على التواصل مع ثورات الربيع العربي، تبرز لدينا ظواهر شتّى تعكس حال واقعنا المؤلم، وتفسّر حالات التردي الاجتماعي والثقافي والسياسي التي نعيشها. فحين تتابع صفحات جهابذة السياسة وقادة الثورات حتى العسكريين منهم، يسهل عليك اكتشاف حقيقة تلك الشخصيات، من خلال أساليبهم في إدارة الحوار مع متابعيهم، وتعاملهم مع كلمات الإطراء أو المديح بشكل لا يختلف كثيراً عن الواقع، من حيث التزلف إلى حدّ النفاق، كما يمكن ملاحظة ضيق صدورهم مع مناهضيهم في الأفكار والآراء؛ فيبدأ النقاش بتبادل الرؤى لحل معضلة ما، أو رأي في واقعة سياسية عامة، وينتهي بتبادل الرؤى حول صفات الآباء والأمهات. ومن لا يعجبهم رأيه يلجأون إلى طرده من منزلهم ‘الصفحة الشخصية’. ناهيك عن ظاهرة التخفي والتستر باسماء وهمية ومستعارة، إذ كانت هذه الحيلة قد برزت في بداية الثورات العربية، خوفاً من شبح الاعتقال، ورغبةً في إيصال المعلومات ونشرها بين المعارضين، إلا أنّ هذه الحيلة أخذت طابعاً مغايراً مع غياب قوانين توقف هذه الظاهرة من إدارات المواقع، فأصبحت هذه الصفحات تمثّل متنفساً لأصحاب الضغائن والأحقاد الشخصية، الأمر الذي يخوّلهم نقد أو تجريح من يريدون بلا خوفٍ أو خجلٍ قد يمنعهم في ما لو دخلوا بأسمائهم الصريحة، وانتشار هذه الظاهرة يفسح مجالاً للتفكير بطبيعة مواطننا العربي، وما يدّعيه من أخلاق وخصال يتزين بها أمام الآخرين، في حين يخفي ما بداخله ولا يظهره للعلن نتيجةً لأعراف أو عاداتٍ أو مصالح معينة تمنعه من ذلك. وبعيداً عن السباب والشتائم والتجريح نجد صنفاً آخر قد استهواه ارتياد هذا العالم الافتراضي، وراح يمارس هوايته في تصيد مشاعر الآخر المقابل له خلف الشاشة، سواء أكان ذكراً أم أنثى، الأمر الذي يمتّ بصلة وثيقة إلى طبيعة تكوين مواطننا العربي، ويؤكد مقولاتٍ كثيرة حول ما يتصف به من جوع جنسي لا يقلّ عن جوعه للحوار والكلام وإبداء الرأي، بعد أن كان محاصراً ومكبلاً بأجهزة مخابراتٍ تعدّ عليه أنفاسه، ومقيداً بعاداتٍ وأعرافٍ لا تسمح له بالتعبير عن مشاعره جهاراً نهاراً، من دون خوفٍ أو وجل، ومن دون أن يقيم وزناً لأناسٍ قد يستنكرون ربما ابتسامة فتاةٍ لشابٍ صادفته في طريقها، والمراقب لمثل هذه الصفحات والمواقع، سيكتشف مدى هشاشة القيم والمثل التي ندعيها على الملأ، ونفاخر أقراننا (الكفار) باتصافنا بها، وسيجد أنها لا تعدو حبراً على ورق لا يمتّ لواقعنا المعيش بصلة. وكنت قبل فترة قصيرة أتابع مقطعاً مسجلاً على موقع ‘يوتيوب’ لأحد الدعاة الإسلاميين في بريطانيا، وقد أعجبت بطريقته في الكلام وأدائه الخطابي، فقد تكلّم بشفافية مطلقة، ووضع يده على الجرح كما يقول المثل، إذ إنه مدح أخلاق العرب المسلمين في أوروبا، وكان معجباً بمدى إنسانيتهم ودماثتهم ولطافتهم مع الآخر (الكافر) حسب توصيفات بعضنا. إلا انه أرجع هذه الصفات إلى واقع مفروض لا إلى طبعٍ متأصلٍ فينا، فالواقع في أوروبا هو التزام هؤلاء المسلمين بقوانين البلاد التي يعيشون في كنفها، فهي تؤمّن لهم الضمان الصحي والحماية القانونية، رغم وصفهم لها ‘ببلاد الكفر والزندقة’، ولأنّ مثل هذه البلدان لا تحكمها طائفة أو عشيرة أو مذهب، ولأنّ الجميع تحت القانون يعلو ولا يُعلى عليه، فهم معرضون للطرد خارجها إن هم خالفوا الأنظمة والقوانين المرعية فيها، وبالتالي فهم يخشون أن تقذفهم تلك البلاد إلى حاكمهم المسلم؛ لذا تراهم في قمة الأناقة واللطافة وحسن المعاملة مع الجميع على اختلاف مذاهبهم واديانهم، فالناظم لممارسات هؤلاء هو عدالة تلك الدول، وقوانينها الوضعية، وليست طبائع متأصلة ومتجذرة فينا؛ فمتى ارتفع القانون عنهم، عادوا إلى لاوعيهم الجمعي، وطبائعهم المغيبة قسراً، وعاثوا في الأرض فساداً. فيضرب لنا هذا الداعية أمثلة كثيرة من العراق شرقاً مروراً بسورية ومصر وليس انتهاء بليبيا والصومال، ففي معظم هذا البلدان تجد القتل والذبح والدماء تسيل، فقط لأنّ أيدي الجلاد ارتفعت عنهم، ولم تعد هناك أنظمة تردعهم أو حتى أيّ وازع ديني أو أخلاقي قد يحدّ من هذه المجازر اليومية التي تشهدها بلداننا، وكأنّ هذا الشعب لا يُحكم إلا بالحديد والنار، ولا يستوعب فكرة الحوار مع الآخر أو الديمقراطية، لنجد أن البشر في بلادنا كانوا يخشون الجلاد وليس ربّ العباد، فمتى ارتفعت عنهم تلك اليد، نسوا أو تناسوا ربّ العباد. ربما أجد رابطاً بين فكرة هذا الداعية عن القانون وحال المسلمين في أوروبا، وبين ارتيادنا لمواقع التواصل الاجتماعي، من حيث طريقة الحوار مع الآخر، والتخفي ربما في أحيان كثيرة وراء أسماء مستعارة، ومحاولاتنا إفراغ تلك الرغبات المكبوتة في التعبير عن ذواتنا، وربما جوعنا وتعطشنا للجنس والقتل والدمار. قد يحيل البعض أسباب هذا التردي إلى عدم إتاحة الأنظمة الاستبدادية لشعوبها الظروف الملائمة للتحرر الفكري والسياسي والاقتصادي. ربما يكون هذا أحد الأسباب، إلا أنني أستذكر في هذا المقام قول جبران خليل جبران: والعدل في الأرض يبكي الجنّ لو سمعوا به ويستضحك الأموات لو نظروا والقوم لـولا عقاب البعث مـا عبدوا ربّاً ولولا الثواب المرتـجى كفروا
إفقارالشعوب كان ومازال محور سياسات الأنظمة الشمولية ، والإفقار هنا ذو أبعاد لاتحصى ، بدءاً بالإفقار ببعده المادي الفيزيائي ومروراً بالبعد المعرفي والبعدالأمني . حيث يرتع الجهل والعوز والمرض تسهل قيادة (القطيع) ، هذا هو نهج تلك الأنظمة ودينها وديدنها .أي أن تجعل الشعوب تخشاك أفضل من أن تحبك .
الفقر يسّتجرالكذب وجعل الناس يلهثون وراء لقمة العيش سوف يشغلهم عن التفكير المبدع الخلّاق ، والعكس صحيح ، وهذا الأخير هو الحاصل في دول الجنوب ، فالذي يعمل يعيش بكرامة والذي لايعمل أيضاً !! إذ أن هذا الأخير سيحيد عن جادة الصواب إن جاع ومن هنا تبدأ التداعيات .
هذي المقدمة تقودنا لعرب أوروبا وأنا أحدهم فإن الأم برمتّته يتعلق (مجدداً) بالفقر أو الإفقاروبأبعاده . فحين وحيث تكون شروط العيش الحر الكريم ، ينمو الإبداع ، وتتهذّب الأخلاق وتشيع قيم التسامح والإنفتاح على الأخر، وهذا مانلمسه في طباع عرب أوروبا ، فالذي قَدِم قَبل سنين طويلة غير الذي قَدِم حديثاً إذ أن الأول صار يحلل الأشياء بتجرد ، فيما الثاني مازال رهن القوالب العالمثالثية التي صقلتها قرون من التخلف ، خذ عندك مثلاً أنه ينظر لغيرالمسلمين على أنهم خنازير كفار …حطب جهنم !! وأنه يكره اليهودي لمجرد أنه ولد على هذا الدين ، وقس على ذلك كره المثليين والغجر…
فيما يكسو فكر التسامح ذهنية الجيل الثاني من المهاجرين والجيل الثالث الذي مازال يافعاً .
تحياتي لك ولكل أهل الرقة
إفقارالشعوب كان ومازال محور سياسات الأنظمة الشمولية ، والإفقار هنا ذو أبعاد لاتحصى ، بدءاً بالإفقار ببعده المادي الفيزيائي ومروراً بالبعد المعرفي والبعدالأمني . حيث يرتع الجهل والعوز والمرض تسهل قيادة (القطيع) ، هذا هو نهج تلك الأنظمة ودينها وديدنها .أي أن تجعل الشعوب تخشاك أفضل من أن تحبك .
الفقر يسّتجرالكذب وجعل الناس يلهثون وراء لقمة العيش سوف يشغلهم عن التفكير المبدع الخلّاق ، والعكس صحيح ، وهذا الأخير هو الحاصل في دول الجنوب ، فالذي يعمل يعيش بكرامة والذي لايعمل أيضاً !! إذ أن هذا الأخير سيحيد عن جادة الصواب إن جاع ومن هنا تبدأ التداعيات .
هذي المقدمة تقودنا لعرب أوروبا وأنا أحدهم فإن الأم برمتّته يتعلق (مجدداً) بالفقر أو الإفقاروبأبعاده . فحين وحيث تكون شروط العيش الحر الكريم ، ينمو الإبداع ، وتتهذّب الأخلاق وتشيع قيم التسامح والإنفتاح على الأخر، وهذا مانلمسه في طباع عرب أوروبا ، فالذي قَدِم قَبل سنين طويلة غير الذي قَدِم حديثاً إذ أن الأول صار يحلل الأشياء بتجرد ، فيما الثاني مازال رهن القوالب العالمثالثية التي صقلتها قرون من التخلف ، خذ عندك مثلاً أنه ينظر لغيرالمسلمين على أنهم خنازير كفار …حطب جهنم !! وأنه يكره اليهودي لمجرد أنه ولد على هذا الدين ، وقس على ذلك كره المثليين والغجر…
فيما يكسو فكر التسامح ذهنية الجيل الثاني من المهاجرين والجيل الثالث الذي مازال يافعاً .
تحياتي لك ولكل أهل الرقة