عندما لا يعمل العربي المشترك

في الآونة الأخيرة أصبح كل حدث كبير يلم بهذه الأمة، سواء أكان طبيعياً أو معنوياً، يكشف الكثير من المستور، ويشير إلى تراجعات مأساوية موجعة، ويحمل دلائل أخطار مستقبلية مقبلة. والسبب الواضح الصريح هو غياب أو تشتت المواجهة العربية المتضامنة المشتركة للتعامل مع تلك الأحداث الكبيرة، والتغلب على أسبابها أو نتائجها، وسواء أكان الحدث مقتصراً على قطر عربي واحد، أو على عدة أقطار أو على مجموع أقطار الوطن العربي كله، فإن التعامل يظل يدور في دائرة الغياب أو التشتت نفسها، من دون أن تطرح الجهات المعنية سؤال كيفية الخروج من تلك الدائرة العبثية.
في السنوات العشرين الماضية جرت أحداث كبرى، الحدث الأول تمثل في الهجمة الإرهابية التكفيرية، بمسمياتها وقياداتها وتمركزاتها المتعددة، المنسوبة زوراً إلى دين الإسلام الحنيف، التي استغلتها قوى استعمارية وصهيونية خارجية، فكانت وما زالت وبالاً على جميع المجتمعات العربية بصور متفاوتة. ترى لو أن أنظمة الحكم العربية، وعلى الأخص وزارات الداخلية، كونت منذ البداية استراتيجية أمنية وقانونية تعاونية لمواجهة تلك الهجمة، فهل كان بإمكان قواها الاستمرار في الوجود، في هذا القطر العربي أو ذاك، إلى يومنا هذا؟

لم يضع أعداء هوية العروبة الجامعة من الداخل والخارج إظهار الشماتة والاستهزاء بكل صوت آمن بوحدة هذه الأمة، وبقدرها المشترك، وبأخوتها العروبية والإسلامية والمسيحية

بدلاً من ذلك اختار كل نظام حكم أن يتعامل مع ذلك البلاء بصورة منفردة تخدم هذه الأقلية أو تلك، وتهدف إلى زعزعة هذا النظام أو ذاك، وأحياناً باستعانة وتناغم مشبوه مع حكومات واستخبارات أجنبية، تضمر العداء والكراهية لكل ما هو عربي، وبالتالي تتعامل مع موضوع الإرهاب بوجهين وقناعين كاذبين. والأمر نفسه انطبق على التعامل مع وباء كورونا، فبدلاً من أن يجتمع وزراء الصحة لوضع خطة وقائية وعلاجية مشتركة لمواجهة ذلك الوباء، انفرد كل قطر عربي بالاعتماد على إمكانياته المحلية المحدودة والمرتبكة، أو مد يد الاستجداء من هذه الدولة الأجنبية أو تلك. فكانت النتيجة موت الألوف غير المبرر، وتعثر الوقاية في هذا القطر أو ذاك، وعدم قدرة البعض حتى على شراء لقاحات التطعيم الكافية لمنع انتشار المرض. الآن، في لحظة حدوث الزلازل المدمرة في سوريا، نعود ونكرر الخطأ نفسه، فبدلاً من تنادي وزراء الصحة العرب ووزراء الشؤون الاجتماعية العرب لعقد اجتماع مشترك مع جمعيات الهلال العربية، من أجل وضع خطة مشتركة تعاونية لمد يد العون لشعب سوريا المنكوب المشرد، الذي لم يقصر قط في حق أي شعب عربي آخر واجه شتى صنوف المحن والصراعات، بدلاً من ذلك تعامل كل قطر عربي بشكل منفرد، وأحياناً بصور مخجلة باهتة متأخرة، فكانت النتيجة شعور الأشقاء في سوريا بالمرارة والخذلان وقلة الوفاء والمروءة من قبل هذا القطر أو ذاك. وبالطبع لم يضيع أعداء هوية العروبة الجامعة من الداخل والخارج هذه الفرصة لإظهار الشماتة والاستهزاء بكل صوت آمن بوحدة هذه الأمة، وبقدرها المشترك، وبأخوتها العروبية والإسلامية والمسيحية. من حق المواطن العربي أن يسأل: هل حقاً أن الكثيرين من المسؤولين العرب قد أصيبوا بعمى البصيرة، وبضعف الإرادة، وبموت مشاعر الالتزامات القومية، وبالاستسلام المذل للخارج، بحيث لا تحركهم أهوال مثل تلك الأحداث ليعودوا من جديد إلى طرق التضامن والتعاون والتنسيق في ما بين أقطار الوطن العربي التي يريد الاستعمار وتريد الصهيونية إغلاقها وسد منافذها إلى الأبد من أجل إبقاء هذه الأمة مجزأة وضعيفة ومريضة؟ في فترة قصيرة جداً تواجه هذه الأمة أحداثاً تستدعي المواجهة المشتركة فلا نجد أمامنا إلا عصف الريح وقلة الحيلة. يا شابات وشباب هذه الأمة احتفظوا بهذه الصور البشعة في وعيكم لتدركوا أن شعار وحدة هذه الأمة سيظل هو الخلاص من هذا البؤس الذي تعيشونه ومن أعاصير المستقبل.

كاتب بحريني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محي الدين احمد علي رزق:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ﷺ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. هل نحن كذألك لا ولماذا انا لا اعلم هل ينقصنا العلم العالم العربي والإسلامي يوجد به من العلماء في جميع المجلات الكثير هل ينقصنا المال لا العالم العربي عنده من المال لدرجة هذا المال أفسده هل تنقصنا القوة لا نحن من القوة التي تجعل الغرب دائم افتعال الفتن بيننا لي تشتيتنا هل نحن جبناء لا نحن من أجراء شعوب العالم هل نحن اغبياء لا نحن من الذكاء وهذا باعتراف الغرب
    خلف الأبواب المغلقة وانا في فترة من الفترات كنت دائم النقاش مع ناس سيأسين في البلد الذي اعيش فيه عن العالم العربي والانسان العربي وكان كلامهم في منتهي الإشادة هل نحن العرب نحب بعض لا لا لا. لا نحب بعض ويتفاخر الغني بعنجهية المال والاستكبار على الفقير والاسراف المتعمد من أموال لا يملكها واستكبار الحكام على شعوبهم وانانية القرار المنفرد من كل دولة على حد والبلد الغني يحتقر البلد الفقير وينظر له نظرة المحتاج وإذا وضع يده في يده أيضا من اعلى. ولا نجيد العمل الجماعي لتحكم الانانية في حيتنا وتصرفاتنا وانا كتبة تعليق في القدس العربي عن الزلزال الذي وقع في تركيا وضرب معها سوريا وانا متأكد من حجم المأساة ليس من حجم ( 1 )

  2. يقول محي الدين احمد علي رزق:

    الدمار والخراب الذي وقع فقط ولكن من مأساة التخاذل العربي في دفع المال وحال العالم الاسلامي يفكرني عندما يموت رب الاسرة ويترك خلفه أسرة كبيرة بدون أي دخل تجتمع العائلة المحترمة وتقرر الوقوف بجوار هذه الاسرة المنكوبة بعد وفاة رب الاسرة وطبعا بالمال والكل حزين والبكاء من الجميع وكل هذا في يوم الدفن وبعد ذألك لا حياة لمن تنادي ولا اريد اذكر ماذا عانت هذه الاسرة من الذين عرضوا المساعدة يوم الدفن انا لا أقول هذا الكلام شطارة لا انا اقول الواقع وإذ سردت هذه القصة سيبكي الجميع…… ولو وقع هذا الزلزال في الغرب فورا جميع الأغنياء من الدول العربية سيقومون بدفع المال الكثير وفورا لمساعدة الضحايا في الغرب الجميل ولكن الدول الإسلامية الذين في الشرق ستشرق عليهم الشمس الجميلة وهذا كفاية عليهم. واما تركيا التي على خرائط الغرب الله معها. والله المستعان. عندما تعرض البلد الذي اعيش فيه لظروف اقتصادية صعب لدرجة بعض الناس اكل من الزبالة ماذا فعل الاتحاد الأوربي فورا بعد اجتماع عاجل قرر المساعدة وتم انقاذ هذا البلد فورا بدون ابطاء وتم دفع 200 مليار يورو بدون عنجهية المال ولا احتقار الفقير. وشكرا ( 2 )

إشترك في قائمتنا البريدية