لقد اعتدنا في منطقتنا إلى الخطاب الصهيوني الذي يتهّم ضحايا دولة إسرائيل بأنهم نازيون. وهي حيلة دعائية قديمة، تفاقمت إثر الحرب العالمية الثانية عندما سترت الحركة الصهيونية اقتداء جناحها اليميني الذي تزعّمه فلاديمير (زئيف) جابوتينسكي بفاشية بينيتو موسوليني، وأرادت أن تستر كذلك، وفي المقام الأول، تواطؤها هي بالذات مع الحكم النازي في إرغام اليهود الألمان على الهجرة إلى فلسطين دون سواها، بل وفي تنظيم تلك الهجرة بين عامي 1933 و1941، بما في ذلك التعاون مع المخابرات النازية في تنظيم هجرة سرّية بدءاً من عام 1939.
فما أن انتهت الحرب وبات مصير فلسطين بيد الأمم المتحدة والدول المتحالفة ضد النازية حتى شنّت الحركة الصهيونية حملة مكثّفة لتصوير الفلسطينيين كأنهم كانوا هم أنصار الفاشية والنازية، مستغلةً سِجلّ أمين الحسيني الذي تعاون حقاً مع ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية بدءاً من عام 1941، لكن لم ينصره الشعب الفلسطيني في ذلك على الإطلاق. وقد بلغت الصفاقة الصهيونية ذروتها عندما اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان في عام 1982 بأمر من مناحيم بيغن، وريث جابوتينسكي الشرعي، وبلغ مشارف العاصمة بيروت فارضاً عليها حصاراً ذكّر كثيرين بأفعال الجيش النازي خلال الحرب العالمية، بمن فيهم يهود عاشوا تلك المحنة ولم يتحمّل ضميرهم أن يعيد جيش يهودي إلى ذاكرتهم أعمال النازيين. كل ذلك لم يثنِ بيغن وقتها عن وصف الفلسطينيين بالنازيين وتشبيه ياسر عرفات في بيروت بأدولف هتلر في برلين!
ذلك أن الصهاينة يعتقدون أن ما يمتّ إلى ذلك التاريخ ملكٌ لهم بحيث لا يجوز لأحد سواهم أن يشبّه آخرين بالنازيين ويقارن جرائم الآخرين بالإبادة النازية لليهود التي درجت تسميتها «المحرقة». هذا التحريم ينطبق حتى لو كان القائم بالتشبيه يهودياً وقع والد جدّه مع أشقاء ثلاثة ضحايا المحرقة مثلما هي حال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. فيكفي أن يكون غير صهيوني لكي يحرّم عليه التشبيه بالمحرقة، وقد أثار خطابه إلى الكنيست في 20 الشهر الماضي احتجاجات حادة لدى الساسة الصهاينة، بمن فيهم رئيس الوزراء نفتالي بينيت، زعيم حزب «اليمين الجديد» وهو أحد أحزاب أقصى اليمين الصهيوني نشأ بالمزايدة على بنيامين نتانياهو نفسه في التطرّف الصهيوني.
فقد أدان بينيت أسوة بسواه من أعضاء الكنيست كلام الرئيس الأوكراني الذي شبّه غاية الغزو الروسي في تدمير بلاده بأفعال النازيين، كما شبّه حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن حل نهائي للمسألة الأوكرانية بحديث النازيين عن «الحل النهائي» للمسألة اليهودية، الذي تمثّل بالمحرقة. فأعلن بينيت بعد خطاب زيلينسكي أن «مساواة المحرقة بأي شيء آخر أمرٌ محرّم» (كذا). أما نائب حزب الليكود يوفال ستاينيتز فقد ألمح إلى أن خطاب زيلينسكي كاد ينتمي إلى باب «إنكار المحرقة»!
حكّام إسرائيل، ولاسيما جناحهم اليميني المتطرّف وهو الغالب منذ عقود عدّة، يشعرون بوحدة حال مع دولة غازية كروسيا، تدمّر بلداً آخر على طريقة النازيين فيما تتهم من يقاومها بأنهم أشباه النازيين
طبعاً لا يُخفى على أحد أن الغاية من كل هذا العويل هي تغطية حقيقة امتعاض الدولة الصهيونية من كلام الرئيس الأوكراني في توبيخها لرفضها القطيعة مع موسكو، والحال أنها متواطئة مع روسيا على إيران في سوريا كما أن المحور الرجعي الإقليمي الذي يضمّها إلى دول التطبيع يرى في روسيا بوتين دولة حليفة بامتياز. لكنّ الأقبح في ذلك أن الدولة الصهيونية، التي باتت منذ سنوات عديدة مرجعاً يُحتذى به لدى أقصى اليمين العالمي بمن فيه كارهي اليهود، لا زالت تعتقد أن لديها حقاً حصرياً في تشبيه الآخرين بالنازية.
فقد وجد انزلاق المجتمع الصهيوني إلى أقصى اليمين تعبيراً فصيحاً عنه في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية قبل أيام، عندما تبيّن أن النسبة الأقصى من المقترعين التي حاز عليها المرشّح الفاشي الجديد إيريك زمّور، وهو الآخر من أصل يهودي انقلب إلى تبرير مشاركة أقصى اليمين الفرنسي في إبادة اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، إنما حاز عليها بين حاملي الجنسية الفرنسية في إسرائيل الذين منحه المقترعون منهم ما يناهز 54 بالمئة من أصواتهم!
هذا ولم ينبس الساسة الصهاينة ببنت شفّة إزاء لجوء فلاديمير بوتين، على غرارهم وباستمرار وإصرار، إلى تشبيه الأوكرانيين بالنازيين واتهامهم بمعاداة السامية بالرغم من هوية رئيسهم وتاريخه العائلي الذي ينحدر حقاً من ضحايا المحرقة، خلافاً لتاريخ معظم حكام إسرائيل الحاليين (أسلاف بينيت لجهة الأب هاجروا إلى أمريكا في منتصف القرن التاسع عشر بينما هاجر إليها والدا أمّه قبل الحرب العالمية الثانية، أما نتانياهو فقد هاجر جدّه لجهة الأب إلى فلسطين في عام 1920 بينما ولدت والدته في مستوطنة يهودية في فلسطين في عام 1912).
وخلاصة الكلام أن حكّام إسرائيل، ولاسيما جناحهم اليميني المتطرّف وهو الغالب منذ عقود عدّة، يشعرون بوحدة حال مع دولة غازية كروسيا، تدمّر بلداً آخر على طريقة النازيين فيما تتهم من يقاومها بأنهم أشباه النازيين، على غرار ما فعلت أمريكا في تدميرها العراق في عام 1991 وما فعلوا هم عندما غزوا لبنان في عامي 1982 و2006 ويفعلون كلما اعتدوا على غزّة، أولئك الحكام إنما يشعرون بوحدة حال مع أشباههم الغزاة أكثر بكثير مما يشعرون إزاء المقاومين، حتى لو ترأس هؤلاء رجلٌ يهودي كان أسلافه من ضحايا النازية.
*كاتب وأكاديمي من لبنان
ستة دول عربية صوتت في الجمعية العامة للامم المتحدة على سحب القرار الذي اعتبر الصهيونية حركة عنصرية ،
لا اعتقد أن الاوصاف تضيف او تنقص شيئا في الحقائق على الارض. نازي كان او ضحيته كلاهما سواء اذا كانت الممارسة سواء!
حتى لو اباد بوتين او سواه قوما هنا او هناك، فستظل ” المحرقة ” هي الأبشع و معيار البشاعة في حساب صهيون، لان تعميم الوصف سيفقدها قوة الاستثناء و الاستثمار!
لم أفهم ما كان مطلوبا من الشيخ امين الحسيني ، أن يتحالف مع من سلم و اهدى وطنه للمحتل ام مع قوة وعدته بتحريره؟! و هل كان هتلر فعلا على ما راج و روج عنه اعلام المنتصرين بعد سقوطه ؟
شعار اليمين الاوكرايني النازي مأخوذ من الشعار النازي الألماني المجد لألمانيا و جعلوه المجد لاوكرانيا اقتداء بالفكر النازي، هذا لم يكن شعار اوكرانيا ابدا و لكنه حصل بعد الثورة البرتقالية الملونة الامريكية في عام 2014 و بشكل عجيب سريع تسللوا لجميع مفاصل السلطة و استولوا عليها و قاموا بتغيير المناهج الدراسية و خاصة مادة التاريخ و الغوا اللغة الروسية للأطفال و خلقوا جيلا جديدا بتاريخ نازي و عبارة المجد لاوكرانيا و فرضوها في الجيش و قاموا بتلميع ممثل و اصبح رئيس على طريقة هوليوود و اختاروه يهوديا و لكنه متعاطف مع النازية مثل ذاك فلاديمير جاوبوتينسكي هذا ،قسم بسيط من الحكاية و الوضع التاريخي الفعلي للاحداث و دفعوا روسيا دفع مقصود للحرب خلال حكمه لسبب بسيط و هو لو ان الرئيس الحالي كان مسيحيا من الارثوذكس لما كانت حصلت الحرب اصلا و لما تم تدمير أوكرانيا لان الكنيسة لم تسمح بذلك و استعجلت السلام بين البلدين
لو كنت اسرائيليا لاعتقدت حقا أن هذا هو الوقت المناسب لتصفية القضية الفلسطينية وهدم الأقصى، لأنه قد يصبح لاحقا صعبا تحقيق كل ذلك… فالسياق الدولي المتميز بانحسار الدور الأمريكي خاصة في الشرق الأوسط، والواقع الجديد الذي أحدثته الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة للعوامل الديموغرافية في الداخل الفلسطيني وتصاعد المقاومة فيه، وكذلك المكاسب (البطيئة ولكن حثيثة) التي تحققها القضية الفلسطينية خاصة كقضية تحرر ذات طابع انساني، والتي من المرشح أن تتقوى مع صعود الأجيال الجديدة خاصة في الغرب، والتي لاتعاني من عقد الماضي (خاصة اضطرار أجدادهم للتخلي عن مستعمراتهم تحت ضغط الانهاك بعد الحرب العالمية الثانية، وهو الشيء الذي لم يمنع من بقاء العقلية الاستعمارية)، وهي المكاسب أيضا التي يجب الاعتراف أنها تتحقق في مواجهة رواية صهيونية كانت سباقة بمراحل فيما يخص الوصول للعالم والتأثير فيه، لكنها ستتلاشى مع مرور الوقت وزيادة الانتهاكات … هذا بالإضافة إلى أن التطبيع الأخير مع الدول العربية يبدو أنه يعاني التعثر، ولم تحقق إسرائيل ماتصبو إليه منه.
تحياتي لك أستاذ جلبير، وشكرا على المقال أكثر من رائع جميل جدا، يعبر عن حقيقة الواقع
كل هذا لا يمنع من التوقف على حقيقة ان زيلينسكي في هذا الامر بالذات يكذب فعلا، تقرير وشهادات ضباط الجيش الألماني في تلك الفترة تؤكد مدى دهشة البعض منهم من درجة الاستجابة والتعاون التي ابداها كثير من الاوكرانيين معهم في الوشاية واعتقال اليهود الاوكرانيين.