يبدو أن بشار الأسد لم يستطع مقاومة رغبته بتقليد فلاديمير بوتين في دخوله الكرملين كقيصر قديم، ليستعرض مشيته الفخورة على السجادة الحمراء وحيداً، حتى وصل إلى حيث أقسم يمينه الدستورية. وقد قام الأسد بمشهد يشبهه، حين استجلب أعضاء مجلس الشعب إلى القصر الجمهوري، ليقسم يمينه أمامهم، بعد يمين بوتين وفيلمه الوثائقي المعروف بعامين، في 16/7/2014.
الآن، يريد تكرار تلك الانتخابات، خلال فترة تبدأ بعد يومين في السادس عشر من إبريل/ نيسان الجاري، وتنتهي بعد شهر. ولا يبدو أن العالم يعير الأمر اهتماماً كافياً مؤخراً، ليبدو وكأنه اقتنع بنصيحة من اقترح تجاهله واحتقار مسرحيته، أو ربّما انشغل الناس بمشاغل أكثر أهمية وراهنية، مثل موجة الوباء الثالثة، وجدول أعمال الإدارة الأمريكية الجديد المزدحم، خصوصاً فيما يخصّ إيران ومسار الاتفاق النووي، وأوكرانيا وتوتّر حدودها مع روسيا، ولولا إحساسهم بالقهر، لعلّ السوريين أيضاً كانوا سيتجاهلونه.
فقد النظام السوري بشكل عملي شرعيةَ إجراء انتخابات، وهو رسمياً في سياق عملية سياسية تخضع للقانون الدولي
من حقّ العالم كذلك أن يمسك قلبه بيده، حين يتذكّر كيف ترافقت الانتخابات السابقة مع حصار «داعش» للموصل ثم دخوله إليها واغتنامه 2300 سيارة رباعية الدفع، شكّلت جزءاً مهماً من بنيته التحتية العسكرية لاحقاً. ولا تتوفّر للنظام حالة تخيف الآخرين ويختبئ وراءها كتلك حالياً، إلّا إن جاءت عن طريق توتّر باهرٍ يتعلق بإسرائيل أو إيران وحزب الله، أو أوكرانيا والبحر الأسود.
أصبح عادياً القول إن شرعية الأسد تآكلت حتى الاهتراء، ولكن ذلك لا يؤثّر في شهيّته وحماسة زوجته، التي حاولت مؤخراً الدفع نحو تطبيقات إلكترونية للزكاة، تُدخلها في مسارات النظام المالية، وتحاول الاستثمار في شهر رمضان. اختلطت تلك الشرعية باستبداد وفساد، وإجرام بحق الإنسانية لعقود عديدة، ثم تدهورت بشكل لولبي مع قتل مئات الألوف وتشريد الملايين، عندما اعتدت على حقوق أكثر من نصف سكان البلاد في حياتهم ووطنهم، أولئك السكان أنفسهم الذين كانوا سيمارسون حق الانتخاب، أو المقاطعة، والذين يجعل غيابهم أي انتخابات باطلة.
تلاشت حتى الشرعية الشكلية، رغم بقائه خارج القضبان وبعيداً عن المحاسبة عمّا هو مسؤول مباشرة ومن دون أيّ شك. وجرائمه باعتقال مئات الآلاف، وقتل عشرات الآلاف تحت التعذيب، إضافة إلى قتل قواته والميليشيات التي اصطنعها، أو استقدمها من خارج البلاد لمئات الآلاف أيضاً وتعويق أضعافهم، وتدمير بنية البلاد التحتية واقتصادها وتعليم أبنائها، وتدمير ما كان قد بقي من تماسك في نسيج المجتمع السوري، الذي انتشر جائعاً في البلاد أو شريداً في أصقاع الأرض.
وفوق ذلك كله، فقد النظام بشكل عملي شرعيةَ إجراء انتخابات، وهو رسمياً في سياق عملية سياسية تخضع للقانون الدولي، يتمّ من خلالها وضع دستور جديد، سيكون مرجعاً لأي انتخابات لاحقة. ويشكّل النظام طرفاً في تلك العملية لا يحقّ له القفز من فوقها، وتجديد رئاسته التي يريد لها أن تكون أبدية كما اعتاد قبل المحرقة.
أصبحت سوريا ثلاثة أقاليم الآن، تتفرّع منها أقاليم أخرى غير واضحة المعالم بشكل قاطع. أكبر تلك الأقاليم نظرياً هو ما يقع تحت سلطته، المتداخلة مع سلطات إيرانية وروسية، وسيطرة عشرات الميليشيات المحلية والمستوردة، التي لا تعدو كونها عصابات تتداخل مصالحها وتتعارض حسب الوقائع اليومية. أكبر تلك العصابات يتمثّل بالفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، وحزب الله الذي لم يحسم أمره بعد ويحمل متاعه ويرحل. في ذلك الإقليم، بقايا الدولة التي أفشلها الأسد، وأوصل سكانّها إلى حدود المجاعة، بعد أن قام بتحطيم اقتصادها ونهبه، وتحويلها إلى نموذج لا يمكن تبيّن ملامحه، ولا مقارنته مع غيره في التاريخ الحديث. الإقليم الثاني في إدلب وحتى الحدود مع تركيا شمالاً وغرباً، تتداخل فيه سلطات الأمر الواقع الخاضعة للنفوذ التركي بشكل كامل، أو بشكلٍ جزئي، كما هو الأمر مع هيئة تحرير الشام. ما يسود تلك المنطقة من واقع عسكري واقتصادي واجتماعي وثقافي، يجعل مهمة الذين سوف يقومون بإعادة لحمة البلاد صعبة جداً في المستقبل القريب أو البعيد. الإقليم الثالث فريد وجديد في نوعه أيضاً، في شمال شرق سوريا، حيث تسيطر الولايات المتحدة بظلّها الثقيل، ودعمها لسلطات الأمر الواقع أيضاً هناك، التي أقامت نظاماً تجريبياً للسلطة والإدارة من دون استشارة أحد. هنالك تداخل غريب في تلك المنطقة ما بين وجود رسمي وإداري للنظام، ووجود عسكري تركي في شريط عريض على الحدود، إضافة إلى وجود روسي يقوم بدور الميسّر أحياناً، ليكسب المزيد من النفوذ ويلعب به ألعاباً رابحة أخرى. في ذلك الإقليم أفضلية نسبية على غيره، بوجود شكلٍ» مدني» وبعض الحرية والحياة، ممتزج بممارسة شمولية ويسارية، وروح عسكرية متغلّبة وقادرة على القمع، وعلاقة لا تقتصر على الأمريكيين، وتتعدّاها إلى حيث معسكرات حزب العمال، العدو الأكثر عدائية للحكومة التركية، والأكثر استهدافاً من قبلها.
من الإقليم الأول الذي تسيطر فيه سلطة الأسد رسمياً، تتفرّع منطقة، أو إقليم رابع غير محدد الحدود أو الملامح في المحافظات الجنوبية، حيث تتداخل قوى النظام والروس والإيرانيين والمعارضة، التي لم تُهزم إلّا جزئياً، إضافة إلى معارضة من نوع مختلف أيضاً في جبل العرب، الذي بقيت له بعض استقلاليته، رغم تبعيته رسمياً إلى دمشق. تهيمن في هذا الإقليم كذلك ظلال إسرائيل الغامقة، التي يحسب الجميع حسابها وحساب مصالحها، إلّا إيران بالطبع. هنالك» أقاليم» أخرى تشكلها ملايين تشرّدت ولجأت هنا وهناك، ولن تكون لها أيّ علاقة مع شيء يخصّ الأسد ونظامه. ولكن الناس على الأرض بدورهم، ليس في المناطق البعيدة عن سيطرة النظام وحسب، بل حتى في تلك التي تخضع له نظرياً، لن يكون لديها من الوقت – بمعظمها في أزمتها الخانقة، حتى بين من يوالون الأسد، أو يلوذون به – ما تعطي فيه اهتماماً لتلك المهزلة. فأيّ انتخابات يا رجل؟ وأنت لا تستطيع جمعاً أو طرحاً، في انتظار أن تحين ساعة الجدّ ويختمر العجين وتنضج القوى المتصدّية للأمر في المقدمة على نار قوية وهادئة.. تلك الساعة ستكون ساعة الحساب والمحاسبة أيضاً. لن يكون الخيار سهلاً ما بين إجراء تلك الانتخابات الصورية المهزلة، أو تأجيلها بذريعة ما، يمكن أن تكون ظروف الوباء مثلاً؛ وفي الحالتين سيقع النظام في حرجٍ شديد يزيد من ضعفه وتهافته. وممّا يبدو على السطح، يرى المراقبون تكراراً كوميدياً للاستفتاءات القديمة، تقودها زوجة الأسد في ما يبدو، التي تدفع باتّجاه الانتحار بعد أن فقدت كلّ أوراقها أيضاً، ودخلت في نادي الذين تشملهم العقوبات وتلاحقهم المساءلة والمحاسبة.
لم يعد هنالك وقت كافٍ لأن يقنع الروس الأسد بالتنحّي جانباً قبل الانتخابات، وليس من مؤشّرات على مثل ذلك الميل لديهم حتى الآن أيضاً، وخصوصاً بعد فتحهم لجبهة مناوشات دولية جديدة، وتوتّر استراتيجي في أوكرانيا غير معروفة الأفق. وكذلك تنشغل إيران بقوة ما بين انتخاباتها الرئاسية، وتطورات المفاوضات حول الاتفاق النووي، وتتفاعل الساحة العراقية بشكل أكثر من السابق، بحيث يمكن أن تؤدّي إلى قطع طريق إمداد دمشق – وبيروت – البرّي بالسلاح، كما تزداد الحالة اللبنانية حرجاً واستنفاراً لتشغل حزب الله ومشغّليه. وقد قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدوره كذلك بخطوة على طريقة الأسد مؤخراً، ليتيح لنفسه تمديد رئاسته إلى «أَبَدِه» الخاص، الأمر الذي يبدو أنه إغراء» أبدية» خامنئي، الذي يكتفي بتطبيق مبدأ الفترتين على روحاني وإخوانه من الرؤساء. وسوف يزيد هذا من انجذاب الأسد إلى إجراء الانتخابات، ويدخله في الورطة التي تجعله ينسف العملية السياسية الجارية، والقرار الدولي 2254، واللجنة الدستورية، كلّها بضربة واحدة. ذلك كلّه يمكن أن يخدعه ليحسب العالم منشغلاً قد نسيَه حيث هو، إلّا أن المظاهر قد تخدع كثيراً.
كاتب سوري
شكرًا أخي موفق نيربية. تغلبت على السرطان وتغلبت على الكوفي١٩ ومابقي أمامها غير بشار تتغلب عليه وتخلفه كرئيسة للنظام الفاسد. أههه وبشار نفسه فهو يسير على خطى سيده بوتين، فأين العجب!