عن الشعب العراقي وثرواته المنهوبة

تبوأ العراق المراتب الأولى في الفساد المالي والإداري خلال السنوات الأخيرة، وتفاقمت ظاهرة الفساد وسرقة ثروات العراق بعد الاحتلال الأمريكي له في نيسان / أبريل من عام 2003، حيث انهارت مؤسسات الدولة القانونية وانتشرت الفوضى التي رافقت إدارة الاحتلال، وباتت الظروف مهيأة لممارسة الفساد وسرقة المال العام من قبل الأحزاب والميليشيات الطائفية.
ولم تعد ممارسة الفساد حكرًا على وزراء الدولة وموظفيها الكبار، بل أخذت تمتد إلى مختلف أركان الجهاز الإداري والقضائي والأمني والتعليمي والمؤسسات الإنتاجية والإنشائية والخدمية في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى.
وقد أشارت دراسات اقتصادية إلى سرقة أكثر من تريليون دولار من ثروات الشعب العراقي خلال العقد الأخير، الأمر الذي دفع الشعب العراقي وخاصة شريحة الشباب للتظاهر على نطاق واسع في بداية تشرين الأول / أكتوبر الجاري، مطالباً بالعدالة والكرامة ومكافحة الفساد، في ظل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب التي وصلت إلى (30) في المائة وغياب الخدمات الصحية وتردي البنية التحتية وخاصة الكهرباء، جنباً إلى جنب مع انتشار الفقر المدقع بين (22) في المائة من إجمالي الشعب العراقي، مع فقدان جيل كامل لفرص العمل والخيارات المختلفة.
ومن الأهمية الإشارة إلى أن العراق يستحوذ على نحو (112) مليار برميل من النفط، وثمة (80) في المائة من نفط العراق ما تزال غير مؤكدة، ولذلك يقدر هذا الاحتياطي غير المؤكد بحدود (360) مليار برميل، وتبعاً لذلك يصل احتياط النفط العراقي حوالي (11) في المائة من إجمالي الاحتياطي العالمي، ولهذا يستأثر العراق بأكبر احتياطي نفطي في العالم بعد المملكة العربية السعودية.
ويبلغ الاحتياطي النفطي العراقي أربعة أضعاف الاحتياطي النفطي الأمريكي. ويمتاز النفط العراقي بوجود جميع حقوله في اليابسة، لذلك فتكاليف إنتاجه تعد الأقل في العالم إذ لا تتعدى تكاليف البرميل الواحد الدولارين فقط، مقارنة بكلفة إنتاج البرميل في بحر الشمال التي تصل إلى عشرة دولارات.

خامس أكبر منتج

يعتبر العراق حاليا خامس أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، وثاني أكبر المنتجين في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) حيث تبلغ صادرات العراق نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون برميل يومياً. ويوصف العنصر البشري العامل في قطاع النفط العراقي أنه من بين أفضل العناصر كفاءة في الشرق الأوسط.
وتساهم عوائد النفط العراقية بالنسبة الكبرى من الناتج المحلي الإجمالي السنوي الذي وصل إلى (850) مليار دولار خلال العام الماضي 2018، لكن تفاقم ظاهرة سوء توزيع الدخل العراقي المحلي، فضلاً عن اتساع ظاهرة الفساد وسرقة الثروات العراقية أدى إلى ارتفاع وتيرة الفقر المدقع بين نسبة كبيرة من الشعب العراقي. كل ذلك كان من العوامل التي دفعت الشعب العراقي للتظاهر في مدن وقرى عديدة مطالباً بالعدالة والكرامة ورحيل النظام الفاسد.
وبالنسبة لمستقبل إنتاج النفط العراقي، أكدت وكالة الطاقة الدولية في دراسة صدرت قبل فترة وجيزة، أن العراق سينتج ما يقارب من ستة ملايين برميل نفط خام يوميا بحلول العام 2030، ما سيجعله ثالث أكبر مصدر للنفط عالميا. وذكر التقرير أن إنتاج العراق في العـقد المقـبل قد يزداد بمقدار مليون وثلاثمائة ألف برميل يوميا ليصل إلى خمـسة ملايين وتسعـمائة ألف بـرميل يـوميا، وفي الوقـت نفسه قد تصل الصادرات إلى أربعة ملايين وأربعمائة ألف برميل يوميا، وفق التقـرير.
وتبعاً لذلك يعتبر العراق أحد الركائز الرئيسية لسوق النفط في السنوات المقبلة وسيظل كذلك نتيجة استحواذه على احتياطي ضخم وعمر إنتاجي للنفط قد يكون الأكبر في العالم. وتبعا لاستحواذ العراق على احتياطي كبير من النفط والغاز والثروات الأخرى، ثمة مطامع غربية تتربص به، وقد يكون السبب الرئيسي للاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 والذي بلغت كلفته ثلاثة مليارات دولار، تحكم الولايات المتحدة الأمريكية بسوق النفط العالمي عبر التحكم بصنبور النفط العراقي. فالولايات المتحدة لديها إستراتيجية للاكتفاء ذاتيا من الطاقة، ونفط العراق لا يمثل سوى جزء ضئيل جدًا من وارداتها النفطية، في حين تعتبر الصين أكبر مستورد للنفط العراقي.
وفي الاتجاه الإسرائيلي،حاولت دولة الاحتلال استغلال سيطرة أمريكا على العراق، وبدأت تظهر اقتراحات بشأن إعادة بناء خط أنابيب النفط القديم الذي تم بناؤه أثناء الاحتلال البريطاني لفلسطين والذي كان يربط حقول النفط في كركوك بميناء حيفا على البحر المتوسط.
وقد رغبت من خلال هذا المشروع فتح طريق جديد لتصدير نفط العراق إلى أوروبا والولايات المتحدة، وتأمين احتياجاتها من الوقود في نفس الوقت. هذا الخط الذي يمر عبر الأردن كان قد تم إغلاقه في عام 1984، وبيع الفرع الأردني منه كـخردة قـبل سـنوات.

الشعب يريد

يكمن الهدف الجوهري الذي خرجت من أجله المظاهرات في عدة مدن وقرى عراقية خلال الأيام الأولى من شهر تشرين الأول / أكتوبر الجاري، في رفض انتشار الفساد المالي والإداري على نطاق واسع، وغياب التوزيع العادل لعوائد الثروة الوطنية العراقية الهائلة، فضلاً عن انعدام العدالة الاجتماعية والاقتصادية وزيادة معدلات البطالة،نتيجة سيطرة مجموعة من القوى السياسية والحزبية الطائفية على تلك العوائد،ويحرم في ذات الوقت غالبية الشعب العراقي من حقوقه في العمل والتعليم والرفاه والصحة.
والأهم من ذلك أن المتظاهرين رفعوا شعار، الشعب يريد رحيل النظام السياسي الطائفي، الذي كان من أهم نتائج الاحتلال الأمريكي البغيض للعراق عام 2003.

كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية