عن اللاعبين والسياسة.. ماذا يعني انتصار المنتخب السعودي في المونديال للشرق الأوسط المنقسم؟

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: علقت مجلة “إيكونوميست” في تقرير لها على مونديال قطر 2022، وأشارت فيه لفوز المنتخب السعودي على نظيره الأرجنتيني يوم الثلاثاء، وصمت الفريق الإيراني عند عزف النشيد الوطني لبلادهم في مباراته أمام إنكلترا التي خسرها 6-2 لصالح المنتخب الإنكليزي.

وقالت المجلة، إن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، استقبل المنتخب الوطني، حيث ألقى كلمة حماسية غريبة: “لا أحد يتوقع منكم الكثير”. وكان منتخب “الأخضر السعودي، يحضّر للمشاركة السادسة في نهائيات كأس العالم. وانتهت المشاركات الخمس الماضية في دور المجموعات، وبفوزين فقط عام 1994 و2018، وجاءت المشاركة الحالية في مجموعة صعبة ضمت الأرجنتين التي تعتبر من المرشحين لرفع الكأس الذهبي. وأخبر محمد بن سلمان المنتخب السعودي بأن عليه اللعب “بدون ضغط”.

ومع ذلك، حاول بن سلمان تطمين اللاعبين بأن التأهل هو انتصار، و”نأمل في مستقبل أفضل”. ولكنه جاء أسرع من المتوقع، حيث هزم المنتخب السعودي الأرجنتين بهدفين مقابل هدف. وهو ما وصفه المعلقون بأكبر المفاجآت في تاريخ نهائيات كأس العالم.

ورد المشجعون السعوديون وكأنهم فازوا بكأس العالم. وانتشر مقطع فيديو لمشجع سعودي وهو يكسر باب بيته (وربما ندم على فعلته هذه لاحقا). وأعلنت السعودية يوم الأربعاء عطلة وطنية.

وتعلق المجلة، أن مباريات كأس العالم هذا العام في قطر هي الأولى في الشرق الأوسط، المنطقة المهووسة بكرة القدم، وعادة ما تكون فرقه الأضعف، وتظهر المنافسات الإقليمية في الملاعب. ولأول مرة على الأقل، جلبت المباريات قطرة من النوايا الحسنة. ومنذ تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد عام 2017، أنفقت السعودية مئات الملايين على الرياضة، وبعضها ذهب لرعاية مناسبات براقة مثل سباق “فورمولا 1” في جدة، ومباريات الغولف، لكن المملكة تنفق أيضا على تأهيل رياضيين محليين.

 فعلى مدى عقود، حافظت العائلة المالكة على تحالف مع المحافظين، وهم مَن حاول محمد بن سلمان تهميشهم والتركيز على الهوية الوطنية بهوية دينية أقل. وسيكون سعيدا لرؤية كل السعوديين على مختلف مشاربهم وهم يحتفلون بالنصر الوطني. لكن كانت هناك احتفالات في أماكن أخرى من القاهرة وعمّان والفلوجة العراقية، وحتى العرب الكثر ممن يكرهون السياسة الخارجية السعودية، صفقوا للنصر.

وجاء الفرح غير المتوقع من الحوثيين، الجماعة الشيعية التي تسيطر على معظم شمال وغرب اليمن، وتخوض حربا مع السعودية التي تقود تحالفا ضدها منذ عام 2015. وقام عدد من المسؤولين الحوثيين بنشر تغريدات هنأوا فيها المنتخب السعودي، مع أن هذه التهاني حذفت لاحقا، وربما كانت جزءا من دبلوماسية الكرة، لأن السعوديين راغبون بوقف الحرب التي تحولت إلى مستنقع مكلف ماليا، وهناك حديث عن إمكانية فتح حوار مباشر مع الحوثيين.

 وكان من المتوقع أن يقوم بن سلمان بزيارة مهمة إلى اليابان قبل أيام من افتتاح المونديال. فاليابان هي من أكبر المشترين للنفط السعودي، وعمل المسؤولون من البلدين على الزيارة التي كان سيلتقي أثناءها مع رئيس الوزراء الياباني، ويشارك في منبر اقتصادي مهم، لكنه ألغى الزيارة بشكل مفاجئ وطار إلى الدوحة ليحضر حفل افتتاح المونديال. وقبل خمسة أعوام، قادت السعودية حملة لمقاطعة قطر التي اتُهمت بالتعاطف مع الإسلاميين وإيران، ونشرت تقارير عن عملية غزو سعودي، ونشرت صحف سعودية تقارير عن حفر قناة تحول قطر إلى جزيرة، وبناء مكب للنفايات النووية.

وأصبح كل هذا من الماضي، حيث جلس محمد بن سلمان إلى جانب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في المقصورة الملكية، ورد الشيخ تميم اللفتة عندما حضر مباراة السعودية، ولوّح بالعلم السعودي وتوشح به.

وقبل يوم من المباراة، كان الإيرانيون بانتظار أن يقدم منتخب بلادهم إشارة دعم للمتظاهرين الذين يحتجون منذ أيلول/ سبتمبر بعد مقتل مهسا أميني خلال احتجازها لدى شرطة الأخلاق، وأعلن كابتن المنتخب إحسان حاج صافي قبل ذلك، أنه يتعاطف مع المتظاهرين. وكانت اللفتة بسيطة، ولكنها كانت مثيرة للانقسام في المناخ الساخن بإيران، فهناك من اعتبرها لفتة شجاعة، وكال آخرون الشتيمة على الفريق لإهانته النشيد الوطني، وربما كان من الجيد أن “فريق ملي” قد هزم.

وتعلق المجلة أن المشجعين متقلبون والملوك زئبقيون، والحماسة لفوز المنتخب السعودي لن تنهي حرب اليمن. ولن ينهي الصمت عند عزف النشيد الوطني الإيراني “النظام المتعفن في طهران” بحسب وصف المجلة.

والعلاقات السياسية يمكن أن تنتهي فجأة كما بدأت، ولكن اللفتات الصغيرة مهمة، وهي مهمة أكثر في الشرق الأوسط، وتذكر بمدى انقسام هذه المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية