عندما بدأت تونس في شتاء 2010 موجة الثورات والانتفاضات العربية، أكدت حينها أن التشابه بين تونس ومصر وغيرهما من دول الوطن العربي بشأن غياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية واستشراء الفساد وإن جعلها جميعا في مهب الغضب الشعبي ورفع احتمالية نشوب انتفاضات بها إلا أنه لا ينفي خصوصية كل دولة وحتمية اختلاف المسارات من تونس إلى مصر وفيما وراءهما. آنذاك، كانت التمايزات بين تونس ومصر جلية.
فقد تمايز دور المؤسسة العسكرية بين ابتعادها عن السياسة في تونس وتداخلها العميق معها في مصر، بين القيود الشرسة التي كانت مفروضة على حرية التعبير والحريات الإعلامية في ظل القبضة الحديدية لنظام الرئيس الأسبق بن علي في تونس وبعض الحريات التي كان الشعب المصري قد انتزعها تدريجيا من نظام الرئيس الأسبق مبارك، بين معارضة إسلامية نفيت إلى الخارج في تونس وجماعات إسلام سياسي وإن لم يلق بها إلى الخارج في مصر فقد قيدت مشاركتها في المجتمع والسياسة في مصر، بين استشراء الفساد والفقر والبطالة المزمنة وتواكبها مع تحسن معدلات محو الأمية والتعليم للطبقات الوسطى في تونس وفساد وفقر وبطالة في مصر معهم معدلات أمية متصاعدة وتدهور في المؤسسات التعليمية.
ولم يكن بالتأكيد على التمايزات بين تونس ومصر سوى تقرير واقعي أن مآلات مصر ستختلف حتما عن تونس. بالفعل، بينما استمرت المؤسسة العسكرية في تونس على ابتعادها عن السياسة وتركتها بعد ثورة الياسمين للمدنيين ليديروها، أدار المجلس العسكري في مصر المرحلة الانتقالية في أعقاب رحيل الرئيس الأسبق مبارك وحدد وجهتها المرتبكة في الكثير من الأحيان.
وبالفعل أيضا، رتبت الثورة التونسية اختفاء القيود المفروضة على حرية التعبير والحريات الإعلامية وأنتجت مساحة عامة تعددية، إلا أن تعدديتها هذه صاحبها منذ اللحظة الأولى حالة من العنف اللفظي والرمزي جوهرها قمع المرأة وتوظيف خطاب الإسلام السياسي (خاصة السلفي) للضغط على القوى الليبرالية واليسارية.
أما في مصر، فقد أعقب الثورة المصرية انفتاحا في المساحة العامة ونقاشات عامة تعددية حول السياسة والمجتمع أديرت في البداية برشادة وعقلانية وقبول للآخر ثم انقلب الأمر تدريجيا إلى إقصاء واستبعاد وتخوين واتهامات متبادلة جعلت من المساحة العامة مساحة منفرة وطاردة للاهتمام الشعبي وعادت عملا المعاناة من القيود المفروضة على حرية التعبير عن الرأي.
يواجه البناء الديمقراطي في تونس تحديات جمة في ظل مؤسسات سياسية ضعيفة وثقة شعبية متراجعة وأزمات اقتصادية خانقة. غير أن تجربة تونس لم تفشل بعد وفرص نجاحها لم تنعدم
وبالفعل، بينما تمكنت بعض قوى الإسلام السياسي في تونس من توظيف تجربتها في المنفى للانفتاح تدريجيا على القوى الليبرالية واليسارية والتوافق معها بشأن خارطة طريق لبناء مؤسسات الجمهورية الجديدة مازالت قائمة وإن أصابها التناحر والضعف كما نتابع اليوم، تحركت قوى الإسلام السياسي في مصر باتجاه فرض الهيمنة على السياسة والمجتمع والسيطرة على مفاصل الدولة ومن ثم دخلت في مواجهات مستمرة مع القوى الليبرالية واليسارية ولم تصنع معها توافقا بشأن خارطة طريق للانتقال الديمقراطي.
وانتهى الأمر في مصر إلى تدخل المؤسسة العسكرية مدعومة بتحالف سياسي مع أغلبية الليبراليين واليساريين الذين انقلبوا على الإجراءات الديمقراطية لإبعاد الإسلاميين عن الحكم.
بالفعل، اكتشف الشعب التونسي عمق الفساد البنيوي في مؤسسات الدولة والمجتمع وتشابك أطرافه السياسية والاقتصادية والمالية على نحو يقارنه الباحثون التوانسة بفساد الثمانينيات في الفليبين وبعض جمهوريات أمريكا اللاتينية ويستدعي مواجهة سياسية شاملة يحسب لإسلاميي تونس (وهم الذين عادوا من المنفى) الشروع بها.
أما في مصر، فاكتشفنا أيضا فسادا بنيويا شبكات مصالحه موغلة في عمق مؤسسات الدولة والمجتمع وضاربة في مصدر ثروة المصريات والمصريين الرئيسي الذي مازال قابلا للتداول، الأراضي. إلا أن الفساد في مصر، ومع التأكيد على أن معدلاته لم تصل للمعدلات التونسية (وفقا لدراسات منظمات مكافحة الفساد العالمية) لم تبدأ مواجهته الحقيقية أبدا في فترة التحول الديمقراطي بين 2011 و2013.
كانت هذه التمايزات بين تونس ومصر التي حضرت منذ 2011 وحددت المسارات المختلفة للبلدين. أما ما جمعنا فكان ثورة توقعات المواطنات والمواطنين التي صاحبت الثورتين وأحلامهم المشروعة في «العيش والحرية والكرامة الإنسانية» التي لم تتحقق بعد. وما جمعنا أيضا خلال السنوات الماضية هو الضغط المستمر على حرياتنا وحقوقنا تمارسه إما قوى وجماعات تتاجر بالدين وبشريعة الله ولها نظرة سطحية للمجتمعات البشرية بتنوعاتها وبحقوق المرأة بها التي تتعرض لانتهاك منظم أو مجموعات متسلطة ترتاب دوما في الإجراءات الديمقراطية وتريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
واليوم وبعد أن انتهت التجربة الديمقراطية في مصر ودانت الأمور في البلاد إلى حكم ذي وجهة تنموية واضحة يشارك به العسكريون والأمنيون والتكنوقراط، يواجه البناء الديمقراطي في تونس تحديات جمة في ظل مؤسسات سياسية ضعيفة وثقة شعبية متراجعة وأزمات اقتصادية خانقة. غير أن تجربة تونس لم تفشل بعد وفرص نجاحها لم تنعدم.
كاتب من مصر
العساكر الانقلابيون القتلة لم يتداخلوا في حكم مصر بل كانوا هم الحكام القساة الغلاظ منذ 52 حتى الآن باستثناء فترة السنة الوحيدة التي عبر فيها الشعب عن إرادته، ومع ذلك لم يتركوه يهنأ بها، بل سلطوا عليه البلطجية والأشرار والقوى السياسية التي تكره الإسلام وتتغزل بمديح البيادة. إن التمييز بين نظام بن على رجل البوليس الجلاد، وبين العساكر الانقلابيين القتلة في مصر لا يستقيم في ظل التوحش الذي كان سائدا هنا وهناك، كل بأسلوبه وطريقته. صحيح أن مبارك العسكري لم يلق بالإسلاميين في الخارج ولكنه ألقى بهم في السجون!
2-معلوم أن القوى الأخيرة هي التي كانت منذ 52 حتى اليوم تسيطر على أجهزة الدعاية ووسائل الـتعبير والتثقيف، ولكنها لا تملك قاعدة شعبية، وإن امتلكت احتضانا عسكريا وأمنيا لا يخفى. إن قمع المرأة والضغط على القوى غير الإسلامية ادعاء باطل لا دليل عليه! إن الحديث عن تحرك قوى الإسلام السياسي في مصر باتجاه فرض الهيمنة على السياسة والمجتمع والسيطرة على مفاصل الدولة لا وجود له، ولو كانوا فعلوا ما استطاعت الثورة المضادة أن تقوم بانقلابها الدموي بكل هذه السلاسة التي قادت السلفيين مع الكنيسة مع قوى الليبرالية واليسار لتدشن حكم البيادة العتيد!
لقد لعبت القوى الليبرالية واليسارية دور الثورة المضادة مثلما تفعل في تونس، وكان الحج إلى أبوظبي في النصف الثاني من سنة الإرادة الشعبية الموءودة، لا يتوقف، وكان دور هذه القوى في توزيع أموال الخليج (الرز ) خلال حركة تمرد جهارا نهارا معلوما للناس كافة.
3-من المؤسف أن تنكر هذه القوى دعوات الرئيس الشهيد لتتولى أعلى المناصب في الدولة وهي التي لا تملك قاعدة شعبية فتتأبّى وتتمنّع وتتدلّل، لأنها كانت في حضانة الانقلاب العسكري الذي وعدها بالمن والسلوى، ثم نكل بها بعد أن تمكن وترسخ، وصار له القول الفصل!، إن التوافق اسطوانة مشروخة ينبغي أن تتوقف، هل توافقت هذه القوى يوما مع الإسلاميين، أم إنها مارست الإقصاء والاستبعاد حتى في أبسط الأنشطة الثقافية- بلاش السياسية- منذ 52 حتى اليوم؟ إن العسكر كانوا يدبرون للانقلاب العسكري الدامي منذ 11 فبراير يوم نجاح الثورة، وانقلبوا على المسار الديمقراطي القائم على الأرض وغير المحتاج إلى خريطة باستخدام القوى المعادية للإسلام أداة وليس تحالفا، للأسف الشديد.
.
4- لقد ثبت ويثبت أن العسكر القتلة هم الذين يتاجرون بالدين وبشريعة الله، فقد استخدم العساكر الانقلابيون القتلة العمائم لتحليل القتل(طوبى لمن قتلهم وقتلوه)، ورفع القتلة إلى مرتبة الأنبياء(أكاد أرى موسى وأخاه هارون- في إشارة إلى بلحة ووزير داخليته يومئذ)، وجعل الإنقلابي القاتل رسولا من عند الله(رجل دين غير مسلم) . ثم من قال إن الحكم العسكري يمثل توجها تنمويا، وهو يفسد في الأرض، ويتنازل عن الأرض والنيل والغاز؟ ويغرق البلاد في الديون الخارجية والداخلية بصورة غير مسبوقة؟ ويبني القصور التي لا يسكنها أحد، والمدن الحصون ليقيم فيها الحرامية الكبار؟
…في تونس مهد ( الربيع العربي) ولحده .
حيث المشروع الليبرالي الخجول اصطدم بمشروع اسلامي طموح. هذا التصادم لا بد له ان ينتج عنه نتيجة غير جيدة. اتمنى على السيد الغنوشي الاستقالة .ل ( يفتح ) الطريق امام طموح الشباب التونسي . لان حركة النهضة اصبح مشروعها في ثبات كبير .لن تستيقظ منه الا بعد فوات الاوان
لا يوجد أي تشابه بين تونس و مصر على كل الأصعدة …….تاريخيا و حاضرا …..
من قال إنه لا يوجد تشابه بين تونس ومصر تاريخيا وحاضرا؟ ألا يجمعهما الإسلام فزّاعة الغرب الاستعماري الوحشي وخدامه العرب؟ رحم الله ابن خلدون الذي عاش في مصر وتولى أعلى مناصبها، والشيخ محمد الخضر حسين الذي كان شيخا للأزهر، والحبيب بورقيبة الذي قاد النضال ضد فرنسا المجرمة من القاهرة، قبل أن يأتي من يقول إن فرنسا كانت تحمي تونس ولا تحتلها. عجبي!
لا يوجد أي تشابه بين تونس و مصر على كل الأصعدة؟!فكيف تري كونهما تقعان في إفريقيا وكلاهما بلد عربي يدين غالبية سكانه بالإسلام,وكلاهما وقع في براثن الطغاه لعدة عقود وكلاهما ثار علي هؤلاء الطغاه,وكلاهما يعاني من بقايا هؤلاء الطغاه حتي بعد زوال حكمهم؟!
تونس هي تونس ومصر هي مصر. لا مجال للمقارنة والمشابهة. ولماذا المقارنة أساسا للتحليل؟هنالك آليات أخرى أكثر نجاعة وأقرب إلى الواقع.
..يعني التشابه موجود ..والاختلاف ايضا موجود. والبعض نسي ان الفاطمية كان لها تاثير واضح على البلدين
الذكر والانثى يعانيان حاليا في النظم الاستبدادية، والتي سماها الكاتب “تنموية” بقدرة قادر!. بل ان معاناة المرأة اشد.
الذكر والانثى يعانيان حاليا في النظم الاستبدادية، والتي سماها الكاتب “تنموية” بقدرة قادر!. بل ان معاناة المرأة هي اشد.
تمنيت لو الكاتب تكلم عن ديمقراطية بلده !! ربما كان أجدى !
وانتهى الأمر في مصر إلى تدخل المؤسسة العسكرية مدعومة بتحالف سياسي مع أغلبية الليبراليين واليساريين الذين انقلبوا على الإجراءات الديمقراطية لإبعاد الإسلاميين عن الحكم.
الم تكن جز أ من جبهة الانقاد و ياما نظرت للانقلاب
شاهت الوجوه
يمكن أن تنجح تونس لأنها ومع احترامي للشقيقة تونس ليست بالبلد الذي يحسب له ألف حساب كونه بلد محدود الإمكانيات البشرية ووزنه الاستراتيجي ليس بالثقيل، الشيء يختلف مع مصر لانه عملاق نائم تخشى إسرائيل استيقاظه. لذلك أقول حتى إن نجحت تونس فمن الصعب إسقاط تجربتها على البلدان الأخرى مثل الجزائر ومصر والعراق وسوريا.