الكذب مهنة البالغين بامتياز، منهم نتعلّم الكذب، قبل أن ندخل عالمهم ونصبح محترفين في ذلك، ويصبح الكذب جزءا مهما من حياتنا. إيلينا فيرانتي كتبت عن حياة البالغين الكاذبة، ولكنها قبل هذا الكتاب بدأت حياتها بكذبة سترافقها إلى الأبد، منذ اللحظة التي سلمت فيها مخطوط كتابها الأول «حبي المقلق» لناشرها مُصِرّة على التخفي باسم مستعار هو إيلينا فرّانتي، والبقاء في كواليس بعيدة لا تطالها أضواء الإعلام.
وبسبب هذا التخفِّي نُسِجت أكاذيب كثيرة حول الكاتبة، كانت بمثابة تكهنات حول من تكون، فقيل حولها الكثير، ولا أحد تأكد في الحقيقة من شخصيتها الحقيقية، ولكنّها ولدت مثل كذبة وبات اسمها مثل كوكب يعيش في هالة من الأكاذيب.
أمّا عن روايتها «حياة البالغين الكاذبة» التي ترجمها معاوية عبد المجيد، وصدرت عن دار الآداب، فهي تترصد الكذب ليس فقط كمادة رئيسية بَنَتْ عليها قصة طفلة بدأت تدخل عالم الكذب، شارحة تأثيرات ذلك في حياتها كامرأة، من خلال توصيف حياة من حولها، بل يبدو أن الكاتبة رأت الكذب من خلال منظورها الجمالي، كشكل من الأشكال التي يمكن أن يمثل فيها الأدب، وهو من حيث المبدأ شكل غير كاذب كوسيلة للتواصل. فالسِّرّ كله يكمن هنا، في هذه الثنائية المتأرجحة بين الكذب والصدق، بحيث يُنظَر إلى الكذب من منظور جمالي، لمعرفة إلى أي مدى يغيِّر هذا النّهج النظرية العامّة للكذب.
حكما ننطلق في هذه الرواية من فرضية حاسمة «عالم البالغين عالمٌ كاذب» لكن هل ما ورد فيها مجرّد أكاذيب؟ يمكننا أن نخمِّن أن «مفارقة كريت» تظهر هنا، والتي يتم التعبير عنها على النحو التالي «رجل يعلن أنا أكذب، إذا كان هذا صحيحا، فهو خطأ، لأنه صادق، وإذا كان خطأ، فهو صحيح وينبغي توضيحه» يمكن الإبحار في هذا الموضوع لأنّه متشعب وطويل، ولكن من حيث وجهة نظر أدبية محضة، فإننا على الأقل، نتفق على أن «أجمل الشعر أكذبه» وهذه قاعدة سحرية قديمة ربطت بين الجمال والكذب، واختصرت كل ما يمكن قوله عن جمالية الكذب في الأعمال الأدبية، ولمَ لا في الحياة اليومية، التي إذا ما أردنا سردها في حديث عادي بدون استخدام أدوات جمالية، فإننا نبنيها حسب مواقف شخصية مرتبطة بخلفياتنا الثقافية المختلفة. فكل كذب إنّما يتكوّن من تناقض ما بين شعور من جهة، أو رأي وقول من جهة أخرى، هذا الاختلاف خفي، ولكن يتمُّ استخدامه بالتأكيد للأهداف المرجوة، بحيث تُظهر أشياء وتُخفي أخرى.
في مقولة جميلة لبابلو بيكاسو يرى من خلالها أنّ «الفن كذبة تعطينا لمحة عن الحقيقة، على الأقل ما يُعطى لنا لنفهمه» وهذا ما تلخصه يوميات «جوفانا» الابنة الوحيدة لأستاذين يعيشان في حي راقٍ في نابولي العليا، بطلة رواية «حياة البالغين الكاذبة» إذ تعيش حياة سعيدة إلى أن تعكّر كذبة صفو تلك السعادة، حين تسمع والدها يصفها متأسفا بالبشعة، وهو يشبهها لعمتها فيتوريا الحقيرة التي تعيش في قاع نابولي، أو في الجزء البشع من تلك المدينة. تكتشف الطفلة أن ثمة ما يقال في الخفاء وهو عكس ما يقال أمامها على أنّها طفلة جميلة. لقد استعملت الكذبة لجعل حياة جوفانا أجمل، ولكن هل كل تلك الأكاذيب التي اكتشفتها في ما بعد ودُرّبت على ممارستها بشكل مهذّب إنّما لتخفيف وقع بشاعات العالم على قلبها؟ ومهما يكن فإنّ ما يترتّب عن هذه الفرضية هو أن الأدب غير قادر على الكذب بالمعنى الحقيقي للمصطلح. فالمؤلفة تضعنا أمام قصّة متخيلة، ولكنّها تجعلنا نتجرّع الحقيقة على جرعات خفيفة طيلة سردها لتفاصيل الحكاية، بحيث يصعب الإفلات من تأثيراتها، رغم الفضاء الافتراضي الذي أدخلتنا فيه.
أي مساس بصدقية المقولات الأدبية، يؤدي إلى انهيار أساليب التعبير كلها، فما دام مقياس الكذب وهميا بدون مقارنات ملموسة مع وقائع حقيقية موجودة وثابتة، فإن استنتاجاتنا لكل ما سبق ذكره، توصلنا إلى أن النظرية الجمالية للكذب لا تشكك في مفهوم الكذب ذاته، ولكنّها تغيّر إحداثياتها.
بشكل من الأشكال الأدب كذبة تكشف عن نفسها، حتى أنها لم تعد كذبة، كما يصفها بعض النقاد بـ«الميثاق الخيالي» بين الكاتب والقارئ. وهو ما يبني علاقة واضحة وصريحة بين الاثنين. هذا على الأقل من جهة الكاتب الذي يختار في الغالب أن يكون مجرّد خلفية لكتابه بعد بلوغه القارئ. أمّا القارئ فنادرا ما ينغمس في لعبة صدق الكاتب وكذبه.
في الرواية يمكن العثور على الأكاذيب بشكل مكثف في وصف الأمكنة، وتحديد الأزمنة، وابتكار الشخصيات وبناء الحوارات في ما بينها. لنتخيل كل تلك الحوارات بين شخصيات تاريخية مثلا، لا كلمة صادقة منها، فما قيل بينها في زمن غابر يستحيل استعادته. نشعر منذ بداية قراءتنا للقصص التاريخي أننا في مواجهة نص كاذب، مليء بشخصيات كاذبة، صاغه شخص يحاول تقريب الحقيقة إلى أذهاننا بمجموع أكاذيبه «الشخصية» من خلال استناده إلى قراءات تاريخية هي الأخرى قائمة على وجهات نظر. شيء يشبه كرة الثلج، التي كلما تقدمت في مسارها، زاد حجمها، علينا أن نتساءل اليوم عن حجم صدمتنا في كل ما كتب؟ وهل هو يقارب الحقيقة فعلا؟ أم يعكس مجموعة من المفاهيم الأخلاقية المتنكّرة في أثواب الحقيقة.
هذا لا يعيدنا فقط إلى الآداب القديمة، مثل «الأوديسة» أو قصص الكتب المقدسة مثل قصة آدم وحواء والتفاحة، أو إلى «بينوكيو» أشهر قصّة عن الكذب ومفاسده وعواقبه الوخيمة، بل يأخذنا إلى قصص كثيرة لا تعد ولا تحصى، تعثّرنا فيها بالكذب بكل جمالياته وقبحه، كثيمة مهمة في البناء القصصي لعدد كبير من الروايات الناجحة، مثل «الشياطين» لدوستويفسكي و«غاتسبي العظيم» لسكوت فيتزجيرالد، «يوميات غشاش» لساشا غيتري، نتذكّر أيضا ألبرتين في «البحث عن الوقت الضائع» لمارسيل بروست. في كل هذه الأعمال يعتبر الكذب والكذابين موضوعات مركزية. أمّا الراوي فمهمته تضليل أحدهم. وهذا يجعل الكذب في مكانة رفيعة وغامضة. ومنها تستمدُّ الرواية أو القصة – قصيرة كانت أم طويلة ـ اهتمامها الجمالي من هذا الغموض الذي يُعتبر أساسيا لاكتمال خطابها السردي.
فماذا يترتّب لدينا من كل هذا؟ هل نذهب إلى قناعة تؤسس لنظرية الأكاذيب الجميلة والمفيدة؟ أم إلى فكرة وهمية لا أساس لها من الصحة سوى ما افترضناه أنه كذب؟
إن أي مساس بصدقية المقولات الأدبية، يؤدي إلى انهيار أساليب التعبير كلها، فما دام مقياس الكذب وهميا بدون مقارنات ملموسة مع وقائع حقيقية موجودة وثابتة، فإن استنتاجاتنا لكل ما سبق ذكره، توصلنا إلى أن النظرية الجمالية للكذب لا تشكك في مفهوم الكذب ذاته، ولكنّها تغيّر إحداثياتها. لكن الكذب هو الكذب، وكل محاولة لإعطائه تفسيرات فلسفية أو أدبية أو غيرها، إنهاك للمخيلة التي تجد فيه مادّة مُلهمة في غاية الأهمية. عند صدور رواية «حياة البالغين الكاذبة» منذ أكثر من سنة، سئلت فيرانتي من طرف أحد قرائها عن ملهمها في هذه الرواية، فأجابت «عندما كنت طفلة كنت كاذبة بامتياز، ما أدّى في كثير من الأحيان إلى معاقبتي، في سن الرابعة عشرة تقريبا، وبعد كثير من الإذلال، قرّرت أن أكبر وألاّ أكذب أبدا، لكنّي اكتشفت تدريجيا أن أكاذيبي الطفولية لم تكن سوى تمارين خيالية، لأنّ البالغين، رغم معارضتهم للأكاذيب، إلاّ أنهم يكذبون بشكل طبيعي على أنفسهم وعلى الآخرين، وكأن الكذب أداة ضرورية لتحقيق تماسك ما، لإيجاد معنى ما لما يعيشونه، لتقديم نماذج عن سلطة مفترضة لأولادهم، كانت هذه انطباعات المراهقة التي كنتها عن الكذب وهي التي غذّت قصّة جيوفانا».
ورغم كل ما قلته سابقا وأوردته من أمثلة، بقي لي رأي آخر وأخير، بشأن جماليات الكذب وأهميته، إن تذكرتم كم مرة عوقبتم بسبب صدقكم مثلي، ستفهمون لماذا أصبح الكذب درعا دفاعيا، ولماذا نلجأ إليه كلما دقت غرائز الخوف في دواخلنا معلنة عن خطر ما.
شاعرة وإعلامية من البحرين
لاحظت مدرسة منتجات الصناعة الفرنسية غالبيتها مبنية على مفهوم تسويق عنوان مقالة (بروين حبيب) في جريدة القدس العربي (عن جمالية الكذب وأهميته) مثل العطور، والأزياء، وغيرها حسب أحلام الرجل، وحسب أحلام المرأة، عندما تريد ثقافة الأنا، فرض حالة عشق ثقافة الآخر، بشكل مخادع وبدون مصداقية،
هذا الحال، كان ما قبل الحرب العالمية الثانية، بالنسبة لأوربا، بشكل عام،
أما بالنسبة إلى دولنا ومفهوم دولة الحداثة القومية بالذات، في نسختها العراقية، بعد الإنقلاب، وبداية انتشار لوثات اليسار، ومعسكرات قطيع الغنم، لتمرير مفهوم التأميم، أو سرقة حقوق أي إنسان أو أسرة أو شركة منتج للمنتجات الانسانية أو وقف من الأوقاف الإسلامية، كما حصل في فلسطين بعد حرب 1948، على أرض الواقع، بعد منع إصدار شهادة ميلاد فلسطين، بكل مكر وخبث وفساد وغش، يخطر على بال أحد،
كما حصل مع عملية رفض عمل تعداد الشعب، وتعريف عدد وحصة وأملاك الجميع، أولاً، قبل بداية أي عملية سياسية، بعد هروب واختفاء كل موظفي الدولة، وبدأت حالة (لوتية الفرهود) لكل كرسي في أي دائرة في محافظة أو وزارة، وتم حرق المكتبة الوطنية والمتحف ووو، ولا حول ولا قوة إلا بالله، حتى رأيت ما في الرابط، سبحان الله
https://youtu.be/D-fLDPDL91c
أحلى ما في هذه المقابلة لهذا الإعلامي، مع أستاذ كلية الإدارة والاقتصاد،
إثبات عملي لكذب، مدعي المظلومية من جماعة زعاطيط الحوزة (عمار الحكيم، ومقتدى الصدر)، من عام 1991، وبالتحديد مؤتمر مدريد للسلام،
من خلال ثلاثي الدجل والتزوير والغدر والتدليس في العملية السياسية،في حزب الدعوة بالتحديد (د موفق الربيعي ود إبراهيم الجعفري و نوري المالكي) بداية من كذبة كيف كان حال (صدام حسين) أثناء عملية الاعدام،
في يوم وسياق مقصود به اهانة لغة القرآن وإسلام الشهادتين، عن عمد وقصد وتواطؤ خبيث بين(نوري المالكي وجورج بوش الإبن) ثنائي استقبال لغة حذاء (منتظر الزيدي) في عام 2008، في بث حي ومباشر،
لتبيين فشل موظف نظام الأمم المتحدة بكل موظفيها بعد فشل،
في منع ما حدث يوم11/9/2001 (أميركا)،
ومنع ما حدث في يوم 14/7/2016 (نيس فرنسا)،
وفشل في أداء الوظيفة في 15/7/2016 (تركيا)، هذا ما شاهدته في وسائل التواصل والاتصال والتشغيل والتعامل والحوار والتجارة والتسفير في بث حي ومباشر، صورة وصوت،
فرغم معارضة الرجل في الحوار الإعلامي، لم يتم حرمانه من الوظيفة، ولم يتم قتل أي طالب من طلابه، قال رأيه بكل مصداقية ورجولة، وما زال حي يرزق، لعمل هذه المقابلة، والاستشهاد بها من قبل الإعلامي،
مقال الكاتبة يتناول الكذب، ولعله الكذب الأبيض من وجهة نظر أدبية.. وهذا المعلق يشطح إلى ابعاد أخرى لا تصنيف لها (خلط شعبان برمضان)، دون التقيد بمواضيع المقالات. ودائما يسطر نفس الفكرة بشكل اجتراري
كما أنت حر في ما تشاء، كما تشاء، من حقي أكتب أي تعليق، كما أشاء، الكذب كذب، مهما كان لونه، بالنسبة لي، أنت لديك عمى ألوان، هذه مشكلتك
عمى الالوان عندما لا تعرف حدودك.. واعتقد ان عمى الالوان ارحم من عمى العقل
يا عيسى، ضربني وبكى وسبقني واشتكى
لا مسامحة لمتنمّر يدعي المظلومية