أنقرة – “القدس العربي”: عقب أيام من إعلان الرئيس التركي عن مشروع لإعادة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم “بشكل طوعي” وذلك في ذروة تصاعد الحملات المعادية للاجئين في تركيا، عاد أردوغان للتأكيد على أن بلاده “لن تطرد اللاجئين السوريين ولن ترميهم في أحضان القتلة”، في تصريحات متباينة خلقت حالة من الإرباك المتزايد في صفوف اللاجئين الذين يخشون الإجراءات المتصاعدة بحقهم قبيل موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في تركيا منتصف العام المقبل.
وما بين تصاعد حملات المعارضة التحريضية ضد اللاجئين ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، والتباين الكبير في التصريحات الرسمية الصادرة على الرئاسة والداخلية ودائرة الهجرة، وتصاعد الإجراءات الأمنية والقانونية، يعيش اللاجئون في حالة من الإرباك والانتظار، وسط خشية حقيقية من موجة من التضييق قد تدفعهم بالفعل نحو البحث عن خيار آخر للإقالة قد يكون الشمال السوري خيار وحيد للغالبية العظمى منهم.
واستطلعت “القدس العربي” آراء مجموعة منوعة من اللاجئين السوريين في تركيا عبروا فيها عن خشية حقيقية تجاه مستقبل تواجدهم في تركيا وظروف هذا التواجد في ظل الظروف الاقتصادية الاستثنائية التي تمر بها البلاد والتصاعد غير المسبوق في حملات التحريض ضدهم بالإضافة إلى اقتراب موعد الانتخابات وإمكانية لجوء الحكومة إلى إجراءات ضدهم لسحب ملف اللاجئين من يد المعارضة.
وبينما عبر جانب من اللاجئين عن ارتياحه لتصريحات الرئيس التركي الأخيرة التي تعهد فيها بعدم طرد اللاجئين، عبر آخرون عن خشيتهم من وجود خطابات متضاربة موجهة للداخل والخارج بمحتوى مختلف وهو ما يجعل عليهم من الصعب التفريق بين الخطابات والنوايا الحقيقية وما ستكون عليه الأوضاع في الأسابيع والأشهر المقبلة.
والأسبوع الماضي أعلن أردوغان أن حكومته تستعد للعمل على مشروع جديد يتيح “العودة الطوعية” لمليون لاجئ سوري من تركيا إلى شمالي سويا، ورغم تطمينات أردوغان بأن العودة ستكون “طوعية” ولن يتم إجبار أحد على العودة، عاد الرئيس التركي للقول إن الدراسات تشير إلى أن السوريين المستعدون للعودة الطوعية من تركيا إلى بلادهم يتجاوز عددهم المليون بكثير”، وهو ما جدد مخاوف شريحة أوسع من اللاجئين الذين ينفون رغبتهم بالعودة.
والاثنين، قال أردوغان إن بلاده لن تطرد اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها، مضيفاً في فعالية لرجال أعمال أتراك: “نحن أبناء ثقافة تدرك جيدًا معنى المهاجرين والأنصار”، وأضاف: “بإمكان اللاجئين السوريين العودة إلى بلادهم متى أرادوا، أما نحن فلن نطردهم من بلادنا أبداً”، مشدداً على أن أبواب تركيا مفتوحة للسوريين، قائلاً: “سنواصل استضافتهم ولن نرميهم في أحضان القتلة”.
والأربعاء ايضاً، قدم أردوغان تطمينات جديدة للاجئين السوريين، وقال تعقيباً على مطالب المعارضة بترحيل السوريين: “ما دمنا في السلطة لن نرحل السوريين، نحن لا نقدم على مثل هذه الخطوة بسبب تصريحات قليجدار أوغلو (رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض)”، وتابع أردوغان مخاطباً المعارضة: “لن تطردوهم من هذا البلد.. سنواصل القيام بمهمة الأنصار أمام المهاجرين سواء من سوريا أو العراق أو أفغانستان”.
من جهته، قال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، إن حماية اللاجئين إلى بلاده تعتبر من مسؤوليتهم الإنسانية، موضحاً أن أردوغان “كشف جلياً موقف تركيا في هذا الخصوص، والذي يتمثل بعدم تسليم المظلومين إلى القتلة”، موضحاً أن مؤسسات الدولة التركية بأسرها تتابع موضوع الهجرة والمهاجرين عن كثب وتتخذ كافة التدابير اللازمة، وأنهم لن يسمحوا بأية فوضى في هذا الخصوص.
إبراهيم 33 عاماً أب لطفلين ويعمل صحافي في إسطنبول، يقول لـ”القدس العربي” إن هذه التصريحات مهمة وساهمت في تقليل القلق والخوف لدى شريحة مهمة من اللاجئين، إلا أنه أشار إلى “عدم وجود ضمانات”، لافتاً إلى أن مواقف وإجراءات الحكومة التركية “ربما تتغير كثيراً مع تزايد الضغوط الداخلية واقتراب موعد الانتخابات”.
وعن ظروفه الشخصية يقول إبراهيم: “لدي بطاقة حماية مؤقتة في غازي عنتاب وأعمل صحافي منذ سنوات في إسطنبول والآن لا امتلك إذن عمل قانوني ولا يمكنني الحصول على إذن عمل بالوقت الحالي وبالتالي يمكن في أي لحظة أن يتم توقيفي وبالتالي ترحيلي إلى غازي عنتاب حيث لا عمل بالصحافة هناك، فما بالك لو جرى ترحيلي إلى الشمال (شمال سوريا)؟، هذا سيناريو كارثي بالنسبة لي لا أريد أن أتخيله”.
من جهته، يقول أحمد 25 عاماً ويعيش في إسطنبول إنه لا يمتلك بطاقة حماية مؤقتة أو إذن عمل ولا يمكن أن يحصل على ذلك في هذه الفترة، مشيراً إلى وجود حملات أمنية مكثفة وغير مسبوقة في الآونة الأخيرة، يقول: “منذ أسابيع لا اتحرك إلا للضرورة القصوى ولا أذهب للعمل بانتظار اتضاح الأمور، لو خرجت وتم توقيفي ينتهي كل شيء، سيتم ترحيلي إلى شمال سوريا أو جنوب تركيا بالحد الأدنى”.
وفي سياق متصل، يشير أبو معتز 55 عاماً إلى أن الظروف لم تعد كما في السابق، مضيفاً: “كل المؤشرات تنذر بأشهر صعبة مقبلة علينا، هناك خطاب متضارب ولا نعرف أي خطاب نصدق رغم أنه صادر عن نفس الشخص (الرئيس التركي)، لا شيء مطمئن، نحن نحسن الظن بالرئيس التركي الذي استقبلنا ونعرف حساسية المرحلة واستغلال المعارضة لها ولكن لا نضمن ماذا سيحصل لنا، هل بالفعل ستكون العودة طوعية واختيارية، أم أنها ستكون اجبارية بشكل مباشر.. نحن نخشى التضييق الذي يمكن أن يجبرنا على العودة لنظهر وكأننا عدنا بشكل طوعي”.