إن السفير البريطاني في اسرائيل ماثيو غولد يحرك الجمهور تحريكا شديدا من اجل الجيش الفلسطيني ‘الذي يؤدي دورا حاسما في بناء الدولة الفلسطينية’، ويُلح على اسرائيل ان تنقل اليه صلاحيات في المنطقتين ب و ج ويكشف عن ان ‘بريطانيا تنفق اموالا على اعداد قوات الامن الفلسطينية، وأشركنا ضباطا ذوي خبرة في الاكاديميات الفلسطينية’. بيد ان اليهود يتذكرون ضباطا بريطانيين ‘ذوي خبرة’ آخرين مثل قائد الفيلق العربية غلوب باشا وهيئة القيادة البريطانية اللذين بنيا جيش الاردن وتوليا قيادته في اجتياحه لغرب ارض اسرائيل بغرض احباط توصية الامم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني. ودمرت هذه القوات غوش عصيون والحي اليهودي في القدس وقتلت آلاف الجنود والمدنيين. ويتذكر اليهود ايضا أقوال الجنرال المعادي للسامية افلين باركر قائد القوات البريطانية في ارض اسرائيل إذ قال: ‘ينبغي عقاب اليهود بالطريقة التي يفهمونها أي بضربهم في جيوبهم’. وقبله في مذبحة سنة 1920 عمل الجنرال ووترز تيلر من قادة الادارة العسكرية البريطانية الذي أوضح للمفتي الحاج أمين الحسيني أنه اذا حدثت في القدس أحداث عنيفة بقدر كافٍ فسيوصي الجنرالان بولس واللنبي بترك البيت اليهودي. وبعد ان انتهى سفك الدماء قال لكاظم باشا رئيس بلدية القدس: ‘منحتكم فرصة فكانت القدس ست ساعات بلا حماية عسكرية، وفشلتم ولم تنتهزوا الفرصة’. وهكذا ولد شعار القتلة ‘الدولة معنا’ الذي سبق حتى شعار ‘إذبح اليهود’. ويتذكرون هنا ايضا ان اليهود الذين حاولوا حماية أنفسهم حكمت عليهم السلطة البريطانية وسجنوا وعلى رأسهم جابوتنسكي الذي حُكم عليه بالسجن وطُرد طردا دائما. وكان هناك ضابط بريطاني ذو وسام شرف هو روي بارن اختطف هو ورفاقه وعذبوا وقتلوا الفتى الكسندر روفوفيتش وأخفوا جثته. وفعلت السلطات الانكليزية كل شيء كي تُخلص القاتل وحينما اضطرت الى محاكمته برأته من التهمة برغم أنها كانت تملك اعترافا خطيا. وكان هناك ايضا ضابط الشرطة البريطاني الذي قتل ابراهام ‘يئير’ شتيرن الذي لم يكن مسلحا. وكانت وحدة بريطانية سيطرت على المكان الذي ذُبحت فيه القافلة الى جبل المشارف ولم تحرك ساكنا الى ان انتهى العرب من قتل 78 شخصا. ومنعت قوات الهاغاناة ايضا من المجيء لمساعدة المذبوحين. يصعب ان نتحرر من هذه التداعيات حينما نسمع بضباط بريطانيين يبنون مرة اخرى قوات عربية في ارض اسرائيل. لم تعتذر بريطانيا قط. إن البلدان الحضارية في ايامنا تعتذر عن الاتجار بالعبيد وعن تمييز السود وعن القضاء على الهنود الحمر. واعتذر الالمان عن المحرقة واعتذرت حكومة فرنسا عن جرائم نظام فيشي، وكان من المناسب قبل ان تأتي بريطانيا لتقدم لنا النصائح ان تبرهن على صدقها وان تقنع شعبا تطارده ذكريات صادمة بأنه توجد بريطانيا جديدة وأنها استوعبت جرائم ماضيها علينا وهي نادمة عليها. ولم يعتذر البريطانيون عن اقتطاع ثلاثة أرباع مساحة الوطن القومي اليهودي في ارض اسرائيل ورفضهم استعمال هذه المساحة الكبيرة جدا لحل ‘المشكلة الفلسطينية’ بدل الاقتطاع من المساحة الصغيرة التي بقيت من ارض اسرائيل الغربية. ولم يعتذروا عن مشاركتهم في مذبحة 1929 في الخليل حينما وقف الضابط البريطاني كبارتِه متنحيا وترك 67 انسانا يهوديا يموتون مُعذبين؛ وعن اغلاق أبواب البلاد في ايام المحرقة الذي منع انقاذ ملايين اليهود، وعن غرقى السفينة ‘سترومِه’ الـ 1759 وعن 4554 من الفارين من المحرقة على متن ‘إكسودس’ طُردوا في شر عائدين الى المانيا وسجنوا هناك؛ وعن البائسين الـ 22 ألفا الذين احتجزوا في قبرص شهورا وسنين. يا سيادة السفير، كيف تريد مع ماضٍ كهذا وبغير ندم ان يُصدقوا ان نصائحك ليست استمرارا للسياسة البريطانية القديمة والسيئة وهي اخراج اليهود من ارضهم بكل طريقة؟