إسطنبول ـ «القدس العربي»: بالتزامن مع تصاعد أزمة ترسيم الحدود البحرية والتنقيب عن الموارد الطبيعية في بحر إيجه وشرق المتوسط، اتهمت تركيا اليونان بالتحشيد العسكري في العديد من الجزر القريبة منها والتي تنص العديد من الاتفاقيات الدولية على إبقائها منزوعة من السلاح الثقيل، في تطور خطير للأزمات المتلاحقة بين أنقرة وأثينا.
والخلاف بين تركيا واليونان على ملكية العديد من الجزر ووضعها القانوني والعسكري، بالإضافة إلى الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة في بحري إيجه والمتوسط، متواصل منذ عقود، لكنه تصاعد بشكل خطير مؤخراً مع اكتشافات الغاز الأخيرة، وبدء التنقيب التركي في مناطق خلافية ونشر سفن حربية وطائرات عسكرية تركية في المنطقة، إلى جانب إعلان الجيش التركي بدء استخدام قاعدة عسكرية في قبرص التركية كقاعدة للطائرات العسكرية من دون طيار، في تحشيد عزز المخاوف من حصول اصطدام عسكري خطير بين البلدين.
واعتبر وزير الدفاع اليوناني خلوصي أقار، الخميس، أن «الحشد العسكري اليوناني في 16 جزيرة ببحر إيجة مخالف للقوانين الدولية»، داعياً اليونان إلى التصرف بشكل يتوافق مع القانون الدولي والاتفاقيات المبرمة وعلاقات حسن الجوار، لافتاً إلى أن «اليونان ترغب في أن يكون كل شيء بالشكل الذي تريده هي (…) هناك قواعد ومبادئ وقانون دولي، ليس كل شيء يكون كما تريدون أنتم».
وبينما أكد الوزير التركي على استمرار أنشطة بلاده في بحر إيجه وشرق المتوسط وليبيا إلى جانب مكافحة الإرهاب، شدد على أن بلاده «لن تسمح بانتهاك حقوقها بأي شكل من الأشكال، وهي تؤكد ذلك لجميع الدول المعنية»، كما جدد التأكيد على أن تركيا واحدة من البلدان الضامنة لقبرص «وعازمة على الالتزام بحقوقها ومسؤولياتها تجاه القبارصة الأتراك».
صحيفة «يني شفق» التركية المقربة من الحزب الحاكم نشرت، أمس الجمعة، تقريراً على رأس صفحتها الأولى بعنوان «اليونان تحول بحر إيجه إلى ترسانة أسلحة»، وقالت في التقرير إن اليونان نقلت تعزيزات عسكرية هائلة إلى العديد من الجزر في بحر إيجه، ونشرت إحصائيات يتعذر التأكد من دقتها.
وتشير الإحصائيات التي نشرتها الصحيفة إلى أن الجيش اليوناني نشر 20 ألف جندي في جزر يونانية ببحر إيجه كان يمنع نقل الجنود والأسلحة الثقيلة إليها منذ عقود، ولفت التقرير إلى أن التعزيزات أرسلت إلى قرابة 16 جزيرة من أصل 23 منتشرة في بحر إيجه وقريبة من السواحل التركية، وإرسال القوات إليها مقيد باتفاقيات دولية.
وذهبت الصحيفة إلى أبعد من ذلك بالقول إن اليونان تعمل منذ فترة على إعادة تأهيل وبناء مطارات مؤهلة لاستقبال طائرات حربية، كما أنها تهيئ بعض الموانئ لاستقبال السفن الحربية، مشيرة إلى أن العديد من الجزر أرسل إليها دبابات وناقلات جنود ومدافع وغيرها الكثير من المعدات العسكرية الثقيلة. وبينما تحدثت صحيفة «يني شفق» عن إرسال اليونان 20 ألف جندي إلى الجزر المذكورة، قال الموقع الإلكتروني لتلفزيون «سي إن إن تورك» إن تقديرات تشير إلى أن عدد قوات الجيش اليوناني التي باتت تنتشر في جزر يونانية، مقيد التواجد العسكري فيها، وصل إلى ما بين 50 إلى 100 ألف جندي.
ويقول الموقع إن اتفاقية لوزان التي جرى التوقيع عليها عام 1923 واتفاقية باريس التي جرى التوقيع عليها عام 1947 تنصان على تحجيم التواجد العسكري في الجزر المذكورة، مشيراً إلى أن مواد الاتفاقيتين تنص بشكل واضح على منع التواجد العسكري الواسع أو الأسلحة الثقيلة، وتنص فقط على نشر قوات شرطة ودرك محدودة.
وتعتبر تركيا أن التواجد العسكري اليوناني في هذه الجزر يمثل تهديداً مباشراً على أمنها القومي لقربها من الأراضي التركية، إلى جانب الخلافات التاريخية على ملكيتها، حيث نصت العديد من الاتفاقيات الدولية على منع التسلح ورفع الأعلام في العديد من الجزر لاحتواء الخلاف بين أنقرة وأثينا عليها.
وقال خبراء أتراك إن التسليح اليوناني المتسارع لهذه الجزر ليس جديداً أو وليد التطورات الأخيرة في شرق المتوسط، لافتين إلى أن اليونان بدأت منذ عام 1960 في إرسال الجنود والأسلحة لهذه الجزر بشكل تدريجي ودون ضجة إعلامية، معتبرين أن تصريحات وزير الدفاع التركي، الذي أثار فيها القضية، الخميس، كانت متأخرة جداً، مطالبين الحكومة التركية بنقل المسألة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
وإلى جانب إرسالها سفناً وطائرات حربية إلى شرق المتوسط وبحر إيجة لحماية سفن التنقيب التركية، عزز الجيش التركي تواجده في قبرص التي ينتشر فيها قرابة 40 ألف جندي، وأعلن بدء استخدام قاعدة جوية هناك، كما قالت وسائل إعلام تركية إن أنقرة تخطط لنصب إحدى بطاريات منظومة إس 400 الدفاعية الروسية على السواحل المطلة على شرق المتوسط، وهي جميعها عوامل تزيد من مخاطر التصعيد والاشتباك بين تركيا واليونان.