عودة «سوناطراك» الجزائرية إلى ليبيا بعد توقف استمر ثماني سنوات

رشيد خشانة
حجم الخط
0

في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، اتفق كل من الرئيس التنفيذي لمجموعة «سوناطراك» النفطية الجزائرية رشيد حشيشي، ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا فرحات بن قدارة، على عودة المجموعة الجزائرية إلى ليبيا، بعد توقف استمر ثماني سنوات. وكان للاتفاق وقعٌ إيجابي مباشرٌ، إذ تدفق غاز الإيثيلين إلى الخزانات الليبية، بعد توقفها منذ ما قبل 2015 حسب منشور عبر صفحة المؤسسة الليبية على «فيسبوك».

خسائر كبيرة

وكانت قد ترتبت على ذلك الانقطاع المديد خسائرُ كبيرة للاقتصاد الليبي، سيتفاداها في المستقبل، بعد عودة التعاون بين المجموعتين إلى مستواه السابق. وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط، أخيرا، إعادة تشغيل مصنع التكسير الحراري للنافتا، بمُجمع رأس لانوف الصناعي (شمال شرق). وشكلت زيارة حشيشي إلى ليبيا، وهي الأولى منذ تعيينه في المنصب الحالي، مناسبة للتفاوض بين المجموعتين حول المشروعات المقرر إطلاقها قريبا. وكان حشيشي مرفوقا خلال زيارته لطرابلس بوفد من «سوناطراك» ناقش مع الليبيين المشروعات المستقبلية المشتركة.
مع ذلك أظهر تقرير دولي القلق الليبي المتزايد من عواقب الإقدام على إصلاح منظومة دعم المنتجات النفطية، بالتخفيض من الدعم، الذي يثقل موازنة الدولة. لذا من أهم القضايا المُدرجة على جدول الأعمال بين المؤسستين إعادةُ النظر في شروط استثمار الآبار الحدودية في كلا الجانبين، والعمل على توصُلهما إلى صيغة مقبولة للاستغلال المشترك للمخزون النفطي، خاصة في حوض غدامس، حيث تلتقي الحدود الجزائرية مع الحدود الجنوبية لكل من ليبيا وتونس. ويقع حوض غدامس في جنوب غرب ليبيا، وهو منطقة غنية بالنفط والغاز.

حالة القوة القاهرة

ولم يتسن للمجموعة الجزائرية استئناف العمل في ليبيا إلا بعد رفع حالة القوة القاهرة، فقد أتت المحادثات بين الجانبين، بعد الإخطار الرسمي الذي تقدمت به «سوناطراك» في شأن رفعها حالة القوة القاهرة، استجابةً لدعوة «المؤسسة الوطنية للنفط» الموجهة للشركات العالمية العاملة في مجال النفط والغاز بليبيا.
وفي السياق أظهر تقرير دولي القلق الليبي المتزايد بشأن قضيتين خطرتين على الاقتصاد، هما تهريب الوقود إلى دول الجوار، مثلما أسلفنا، والخوف من عواقب الإقدام على إصلاح منظومة دعم المنتجات النفطية. وكانت المجموعة الجزائرية تركت خلفها، نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا، استثمارات بقيمة تفوق 155 مليون دولار. كما تقدر قيمة معدات الحفر التي تركتها بـ25 مليون دولار، علما أن «سوناطراك» سبق أن علقت نشاطها في ليبيا المرة الأولى في العام 2011، ثم عادت للنشاط في العام 2012 قبل أن تتوقف ثانية في العام 2015.

موانئ مقفلة

وأظهرت بيانات صادرة عن مصرف ليبيا المركزي، أن خسائر البلاد جراء توقف إنتاج النفط الخام وتصديره، بلغت 9 مليارات دولار خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الجاري. وذكر المصرف المركزي في «بيان الميزانية»، حتى نهاية آب/اغسطس الماضي، أن إجمالي الإيرادات النفطية الحقيقية بلغت 1.68 مليار دولار خلال 2020. وفي 17 كانون الثاني/يناير 2020 أغلق موالون للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، ميناء الزويتينة النفطي (شرق) بدعوى أن أموال بيع النفط تستخدمها الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، في تمويل المجهود العسكري.
كما أقفلوا موانئ وحقولا أخرى، ما دفع بمؤسسة النفط إلى إعلان حالة القوة القاهرة فيها، ليتراجع إجمالي إنتاج الخام إلى متوسط 90 ألف برميل يوميا، مقارنة بـ 1.2 مليون في الوضع الطبيعي. وعليه كان المركزي الليبي يتوقع إيرادات نفطية خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الجاري، وسط حالة الطوارئ التي تشهدها الحقول النفطية، بقيمة 2.88 مليار دولار. غير أن القطاع النفطي عانى من توترات أمنية عنيفة، جراء سيطرة مليشيات خليفة حفتر على حقول رئيسة في البلد. وحسب الخبراء دفعت تلك النفقات الباهظة إلى التفكير في تشكيل لجنة متخصصة، تتألف من ممثلين عن وزارات الاقتصاد والتجارة والتخطيط والمالية والنفط والغاز، بالإضافة إلى الشركة العامة للكهرباء والمؤسسة الوطنية للنفط، لتحديد القيمة الحقيقية لحاجات البلد من الوقود.
وعزا تقرير أوروبي ارتفاع الفاتورة السنوية لدعم الوقود، إلى زيادة إنتاج الكهرباء في البلاد. وفي السياق اعتبرت منصة «إينرجي بورتال» الصادرة من لندن في تقرير لها، أن ما كشفه أخيرًا فرحات بن قدارة، خلال اجتماع مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، يعكس حدة ارتفاع الإنفاق على مواد الطاقة المستوردة.
وأكد بن قدارة في هذا السياق استخدام ما يزيد على ثمانية مليارات دولار سنويًا، كوقود للمحطات الكهربائية، في حين جرى إنفاق 4 مليارات دولار على توفير الوقود لأغراض أخرى مختلفة.

دعم الوقود أم تعويض مالي؟

ولوحظ أن رئيس الحكومة الدبيبة سارع، استجابة لمقترح بن قدارة، إلى إصدار تعليمات إلى جميع المؤسسات المعنية، مؤكدًا ضرورة تقديم أرقام واقعية حول النفقات والاحتياجات والتصور العام في غضون أسبوعين. والهدف من ذلك هو إجراء تقويم دقيق للآثار المالية المترتبة على رفع سعر الوقود، مع تقديم الدعم للمواطنين.
وحسب الخبراء دفعت تلك النفقات الباهظة إلى التفكير في تشكيل لجنة متخصصة، تتألف من ممثلين عن وزارات مختلفة، بالإضافة إلى الشركة العامة للكهرباء والمؤسسة الوطنية للنفط، لتحديد القيمة الحقيقية لحاجات البلد من الوقود.
ولوحظ أن الدبيبة سارع، استجابة لمقترح بن قدارة، إلى إصدار تعليمات إلى جميع المؤسسات المعنية، مؤكدًا ضرورة تقديم أرقام واقعية حول النفقات والاحتياجات والتصور العام في غضون أسبوعين. والهدف من ذلك هو إجراء تقويم دقيق للآثار المالية المترتبة على شراء الوقود، وتحديد الخيار الأمثل بين تقديم الدعم المباشر للمواطنين، بدلًا من التركيز على دعم أسعار الوقود. بهذا المعنى يُعتبر ملف النفط ملفا ملتهبا، خصوصا في ضوء تجارب انتفاضات الخبز التي شهدتها عدة بلدان عربية في أعقاب رفع الدعم عن المحروقات.

أكبر الاحتياطات

ومع امتلاك ليبيا أكبر الاحتياطات من النفط الخام في أفريقيا، سعت الحكومات المتعاقبة إلى استخدام النفط المدعوم، أسوة بالمواد الأساسية، بوصفه ضربا من الرشوة السياسية للمحافظة على الاستقرار الاجتماعي. لذلك يعتمد الليبيون العاديون في حياتهم اليومية على السلع الأساسية المدعومة من عائدات النفط، والتي تظل أسعارها منخفضة بشكل مصطنع. في غضون ذلك نمت نخبة ثرية، غالبًا من مشاريع القطاع العام الفاسدة، الممولة من أموال النفط أيضا، ما يجعل السيطرة على هذا القطاع الحيوي قضية سياسية رئيسية. وعلى الرغم من إساءة استخدام تلك الأموال النفطية، وإغلاق حقول النفط بشكل متكرر، من خلال الإضراب أو الحصار، على أيدي أمراء الحرب، لم تكن هناك أزمة شرعية حقيقية حول من له الحق في ممارسة سيطرة تكنوقراطية على القطاع.
في الواقع، يمكن القول مع الباحث جايسون باك، إن النجاح الوحيد للانتقال الليبي، بعد معمر القذافي، هو المحافظة على احتكار المؤسسة الوطنية للنفط لإنتاج وتصدير واستيراد الهيدروكربونات بشكل لا لبس فيه. حتى عندما كانت الإدارة الليبية منقسمة إلى حكومتين شرقية وغربية متنافستين، فإن المؤسسة الوطنية للنفط هي فقط التي سيطرت على القطاع. أما محاولة التشكيك في ذلك، من خلال تعيين حكومة الوحدة الوطنية وزيرًا للنفط والغاز، فقد كانت عملية إشكالية للغاية، خاصة قبل تسمية فرحات بن قدارة في هذا المنصب.

نقص التمويل

بالتوازي مع محاولة الوزير المعين محمد عون الاستيلاء على السلطة، هددت شركة نفط الخليج العربي، وهي شركة رئيسية تابعة لمؤسسة النفط الوطنية، بوقف عملياتها إذا لم تحصل على التمويل اللازم للإصلاحات والصيانة. ومن المهم التذكير هنا بأن نقص التمويل ينبع من شد الحبل الطويل بين حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي وصلت إلى السلطة عبر عملية حوار، بوساطة الأمم المتحدة، من جهة والبرلمان الموجود سلفا، والذي تجاوز مدة ولايته بفترة طويلة. وقد أنشأ رئيس الوزراء الدبيبة منصب وزير النفط عندما تولت حكومته السلطة في أوائل عام 2021 من دون تحديد مجالات المسؤولية بين المؤسستين بوضوح. وظلت التوترات المتصاعدة بين المؤسسة الوطنية للنفط والوزارة تشكل عائقا أمام الإفراج عن التمويل اللازم للقطاع، حتى بعد تخلص الدبيبة من رئيس مؤسسة النفط القوي مصطفى صنع الله. ولدى استبدال صنع الله بفرحات بن قدارة المؤيد لحفتر، اغتنمت مجموعات مختلفة، في جميع أنحاء البلاد، الفرصة لدفع أجنداتها الخاصة إلى الأمام، وخاصة بعد استئناف الإنتاج، وإن بشكل متقطع. غير أن دينامية وتيرة الإنتاج النفطي، التي حافظت على استقرارها حتى اليوم، تبقى هشة بحسب الخبراء، إذ يؤكد هؤلاء أن استمرارها في الأشهر المقبلة يتوقف على مدى ترابط المصالح بين المشرفين على القطاع. ويتمثل أحد وجوه الترابط في تحسين المناخ السياسي، الذي يؤثر تأثيرا حاسما في استقرار الصناعة النفطية، والتي تؤمن نحو 96-98 بالمئة من إجمالي إنتاج البلد.
في هذا الإطار أصدر مجلس الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية، قرارا بتشكيل لجنة وزارية برئاسة وزير الدولة للشؤون الاقتصادية وعضوية عدد من الوزراء والمسؤولين لدراسة آلية استبدال الدعم المباشر للوقود بالدعم النقدي، على أن تقدم اللجنة تقريرا مفصلا للمجلس في مدة أقصاها شهر من تاريخ صدور القرار.
على أن الخبراء يشددون على أن الاستثمار الأقصى للإمكانات الليبية، والوصول إلى مستوى مليوني برميل في اليوم، لا يتحققان إلا بإصلاح البنية الأساسية لمنشآت القطاع، سواء النفطية منها أو الغازية.

جاهزية للانتاج؟

ويبدو أن توجُهات حكومة الوحدة الوطنية، ليست بعيدة عن هذا الموضوع، لا بل هي أطلقت مبادرات عملية تصُبُ في هذا الاتجاه، لعل أبرزها وقف العمل في مجمع ملليتة الغازي، من أجل إخضاعه إلى عمليات تجديد وتطوير شاملة. كما أظهرت جميع تجارب التشغيل لمنظومات العمل بمصنع الإيثيلين، جاهزية الوحدات الإنتاجية بهذا المجمع الصناعي، لمواكبة متطلبات تشغيله بشكل دائم. وكانت شركة رأس لانوف لتصنيع النفط والغاز باشرت تنفيذ خطة لإعادة تشغيل المجمع الصناعي منذ العام 2019.
وفي هذا المجال أيضا يمكن للجزائريين أن يقدموا كثيرا من العون الفني والتكنولوجي لليبيين، بالنظر لما تراكم لدى مهندسي «سوناطراك» وخبرائها المنتشرين في القارة الأفريقية، من خبرات كبيرة في هذا المجال. وكان بن قدارة أكد لدى استقباله حشيشي في طرابلس، أخيرا «أهمية المحافظة على العلاقات الطيبة والتعاون الاستراتيجي بما يحفظ مصالح البلدين» على ما قال.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية