بيروت – “القدس العربي” ووكالات:
بعد أيام على تأكيده في رسالة عيد الاستقلال للبنانيين أنه “لن يتراجع عن التدقيق الجنائي أو يحيد عن معركته ضد الفساد المتجذر في مؤسساتنا”، دعا الرئيس اللبناني العماد ميشال عون مجلس النواب اليوم الثلاثاء إلى التعاون مع السلطة الإجرائية من أجل تمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان.
وأكد عون، في رسالة وجهها إلى مجلس النواب من خلال رئيس المجلس، نبيه بري، ضرورة انسحاب هذا التدقيق بمعاييره الدولية كافة، إلى سائر مرافق الدولة العامة تحقيقًا للإصلاح المطلوب وبرامج المساعدات التي يحتاج إليها لبنان في وضعه الراهن والخانق.
وحذر عون من أن يصبح لبنان في عداد الدول المارقة أو الفاشلة في نظر المجتمع الدولي، مع خطورة التداعيات الناجمة عن سقوط الدولة اللبنانية في محظور عدم التمكن من المكاشفة والمساءلة والمحاسبة.
وطلب عون “مناقشة هذه الرسالة في مجلس النواب وفقاً للأصول واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار في شأنها”.
واستعرض الرئيس اللبناني في رسالته “المراحل التي قطعها إقرار التدقيق المحاسبي الجنائي منذ 24 آذار/مارس الماضي والقرارات التي اتخذها مجلس الوزراء في هذا الصدد، وصولاً إلى التعاقد مع شركة “الفاريز ومارسال” للقيام بمهمة التدقيق الجنائي تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء”.
وأشار إلى أن أبرز العراقيل التي برزت والتي حالت دون مباشرة الشركة لمهمتها، خاصة موضوع السرية المصرفية، والتمنّع من تسليم المستندات والمعلومات المطلوبة بالرغم من الحماية القانونية التي توافرت لهذا التسليم وصولاً الى حد طلب الشركة إنهاء العقد في يوم 20 من الشهر الجاري.
واعتبر عون أن ما حدث “يشكل انتكاسة خطيرة لمنطق الدولة ومصالح الشعب اللبناني الذي يعاني من أزمات نقدية واقتصادية واجتماعية ومعيشية خانقة وموروثة ومتناسلة ومتفاقمة ومنها على الأخص جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت”.
وأعلن الرئيس عون أنه جعل الإصلاح عنواناً لعهده، و”مرادفاً للاستقرار السياسي والأمني ومتلازماً معه”، مشيرا إلى أنه لن يرضى الرضوخ لأي ضغوط، معلومة أو مستترة، للتخلي عنه أو التخفيف من مستلزماته.
وخلُص عون إلى المطالبة “بمناقشة هذه الرسالة في مجلس النواب وفقا للأصول واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار في شأنها”، مؤكدا “ضرورة التعاون مع السلطة الإجرائية التي لا يحول تصريف الأعمال دون اتخاذها القرارات الملائمة عند الضرورة العاجلة”.
وبعد تسلمه الرسالة، دعا رئيس مجلس النواب إلى جلسة عامة تعقد في تمام الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الجمعة المقبل الواقع في 27 الجاري في قصر الأونيسكو وذلك إنفاذا للمادة 53 الفقرة 10 من الدستور والفقرة الثالثة من المادة 145 من النظام الداخلي لمناقشة مضمون رسالة فخامة رئيس الجمهورية المرسلة إلى المجلس النيابي بواسطة دولة رئيس المجلس لاتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب.
وكانت صحيفة “الأخبار” نقلت أن الرئيس المكلف سعد الحريري قال للرئيس عون: “من الضروري إيجاد حل للتحقيق الجنائي” في إشارة صريحة إلى صرف النظر عنه حتى لا يضر بأحد.
ويتهم مقربون من “التيار الوطني الحر” كلا من الرئيس بري والرئيس الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط برفض التدقيق الجنائي وحماية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. غير أن المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل عاد بالأمس ليؤكد تأييد حركة أمل هذا التدقيق. وترد مصادر الآخرين بأن التيار يريد الانتقام من رياض سلامة.
وكان “تكتل الجمهورية القوية” تقدم الأسبوع الفائت باقتراح قانون لتعليق بعض بنود السرية المصرفية التي يتم التذرع بها لعدم تسليم المستندات إلى شركة التدقيق. وحمل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بعد اجتماع التكتل الثلاثاء في معراب “الأكثرية الحالية مسؤولية الجريمة التي حصلت في التدقيق الجنائي”، معتبرا أنهم “يتحججون بالسرية المصرفية وهذه أعذار لا تستقيم والكل متواطئ كي لا يحصل التدقيق الذي يجب أن يكون مصرف لبنان نقطة انطلاق فقط لكشف كل الحقائق في الوزارات والمؤسسات والصناديق”.
يذكر أن مجلس الوزراء وافق في 21 تموز/ يوليو الماضي على الاستعانة بشركة “ألفاريز ومارسال” Alvarez & Marsal للقيام بمهمة التحقيق الجنائي في مصرف لبنان، لكن مصرف لبنان لم يسلم الشركة سوى بعض المستندات والمعلومات التي تطلبها، كي تباشر التدقيق الجنائي في المصرف، بسبب قانون السرية المصرفية المعتمد في لبنان.
وأبلغت “الفاريز ومارسال” وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني يوم الجمعة الماضي إنهاء الاتفاقية الموقعة حول التدقيق الجنائي في مصرف لبنان لعدم حصول الشركة على المستندات المطلوبة للمباشرة بتنفيذ مهمتها.