يمكن فهم الأسباب التي حالت دون مبادرة رسمية تحرك مشاعر الأردنيين قليلا عشية عيد الأضحى المبارك، لكن من الصعب تفهمها، فمبادرات التضييق الحكومية على المواطنين خصوصا في جزئية الأداء تتزاحم وتتكاثر كالفطر، ولا أحد يوقفها أو يعترض طريقها. الفرصة كانت متاحة لتقديم شيء ما للشعب الصابر الصامد.
العبقرية الإدارية التي تتفنن في إلزام الأردنيين بالقانون ومراقبة سياراتهم بغابة من الكاميرات، والتي تعيد طحن الهواء عبر وعود واهمة مرة تلو الأخرى. تلك العبقرية أخفقت في مخاطبة مشاعر الناس وحاجتهم ليس لعيدية مالية أو بيروقراطية بائسة بقدر حاجتهم إلى عنصر أكثر أهمية بكثير وهو شعورهم بأن دولتهم معهم.
تلك مسألة سقطت من حسابات السياسيين البيروقراطيين وسقطت في مناسبتين وطنيتين على الأقل بالتتابع والتزامن، وفي أقل من شهر واحد من حسابات الجهات الحكومية التي تناور وتزاود وتحصي الأنفاس وتراقب الصغير قبل الكبير.
طوال الوقت وقبل الزفاف الاستثنائي الوطني المهم لولي العهد ثم قبل عيد الأضحى كانت ثمة مخاوف من تآكل وضعف يقين الناس. طوال الوقت والأردنيون ومن مختلف مكوناتهم وشرائحهم الاجتماعية ومناطقهم يوجهون رسالة تلو الأخرى، يظهرون فيها حرصهم الشديد على مؤسساتهم ودولتهم ويناضلون لإظهار حقيقة أن لا خيار لهم خارج سياق المؤسسة.
لكن اليقين الوطني العام يتآكل.. تلك معلومة موجعة نفيها أخطر من مناقشتها، وكنا نعتقد لوهلة بأن العقلاء والراشدين في النخبة السياسية يلتقطون ما هو جوهري في رسائل الشعب في الزفاف والعيد ويعزفون بمهنية واحتراف مسؤول على وتر شعور الأردني بأن دولته تقف معه.
لا أعلم شخصيا ولا أستطيع أن أتفهم طبعا تلك الأسباب الخفية الغريبة التي منعت الحكومة ومؤسسات البرلمان من الضغط من أجل مبادرة طرية ناعمة تلفت نظر الناس مهما كانت بسيطة إلى أن دولتهم متضامنة معهم وتجيب على التحية بأفضل منها.
ثمة تقصير ملموس عند الحكومة والنواب في هذا المضمار لأن واجب المبادرة والتدبير هنا على سلطتي الأمر الواقع، ونعلم مسبقا بتلك الأسباب التي دفعت الحكومة لتجاهل كل دعوات إصدار عفو عام قبل العيد.
ثمة تقصير ملموس عند الحكومة والنواب في هذا المضمار لأن واجب المبادرة والتدبير هنا على سلطتي الأمر الواقع ونعلم مسبقا بتلك الأسباب التي دفعت الحكومة لتجاهل كل دعوات إصدار عفو عام قبل العيد
ونفهم بعض تلك الأسباب اقتصاديا لكن ليس للحكومة عذر يمكن أن يتفهمه العامة هنا، فحجم المناورة بشكل عام كبير، والهوامش القانونية المتاحة كان يمكن توظيفها لإلقاء تحية على الشعب الصابر بصرف النظر عن قيمتها المادية والمعنوية لها قيمة وطنية كبيرة، لأنها تعني بكل بساطة أن الدولة تشعر بالرعية وتبادر في الممكن والمتاح.
ليس لأصحاب القرار من النخب التنفيذية والبيروقراطية عذر هنا لممارسة تم خلالها تجاهل مشاعر الأردنيين واحتياجاتهم.
رصدنا رأيا متشددا قليلا يحاول التذكير بأن المطلوب بعد الزفاف وقبل العيد كان تثبيت الموجة في الهواء الوطني على تردد الرسائل التي وجهها الشعب بمعنى التفكير بمبادرة ما تمنع من خرجوا على الأرصفة والساحات للاحتفال من العودة لاحقا ولأي سبب إلى الشارع والأرصفة بهدف الاعتراض.
لا عذر للمسؤولين لأنه تم تذكيرهم أصلا وعلنا بأن المواطن الأردني ينتظر رد التحية من جهة بعض الأقلام التي التقطت المفارقة التاريخية المهمة ولا عذر لهم بأن وزراء يعتد بهم في المجتمع قالوا بصريح العبارة بأن الشارع بانتظار عيدية في العيد لا علاقة لها بالمال طبعا ولا بالجاه بقدر ما لها علاقة بذلك اليقين المشار إليه.
لأسباب بصراحة لا تبدو مفهومة فاتت مناسبة الزفاف بكل رسائلها القيمة والنبيلة بدون مبادرات حكومية تحافظ على ما هو نقي في المشهد الوطني، ثم طرق العيد الأبواب بدون مكافأة أو تحفيز أو تضامن أو تعزيز للشعور بأن المواطن الأردني تطرق مؤسساته بابه خلال العيد وتقول له ضمنا «معك وأتابعك» وأحترم رسائلك.
الإفراج عن بضع مئات من المساجين والموقوفين الذين شاءت ظروفهم العاثرة الجلوس خلف القضبان ولا يشكلون خطرا من أي صنف كان خيارا ممكنا.
وتفصيل العفو العام كان متاحا بما لا يؤذي حقوق الآخرين ولا حقوق الدولة والخزينة.
توجيه رسالة للشعب ترتقي إلى مستوى ما شاهدناه جميعا في الزفاف من قيم نبيلة كان أيضا من الممكنات وإظهار قيم الدولة المتأصلة التقليدية مثل التسامح والثقة ورد التحية بأحسن منها بقي خيارا وبابا لم يطرق خلافا طبعا لتوجيه رسائل للناس تفيد بأن البوصلة بدأت تفكر باستقطاب نخب ورموز جديدة تشبه الشعب لا بل تفهم لغته. عيد الأردنيين مر بلا عيدية. والسبب الرئيسي هو الفراغ في خارطة النخبة وغياب طبقة رجال الدولة والمهنيين.
تلك حقيقة موجعة أعقبت حفل زفاف مدهش قبل العيد مفعم بالرسائل المهمة وحلول العيد بدون مبادرات ترد التحية للناس وترتقي إلى مستوى تلك الرسائل يعني حقا بأن الموجودين اليوم في دوائر التوصية والاستشارة والتنفيذ ليسوا حريصين بالقدر الكافي على التقاط تلك الشيفرة بين الناس ودولتهم.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»