تقول ان المذيع الجيد يستطيع ان يؤثر في الخبر الذي يذيعهدبي من فاطمة عطفة: من بلاد الشام ومن عبق التاريخ في دمشق إلى عاصمة الضباب بحريتها وتنظيمها ومكرها، تركت غادة سليمان الهندسة وراءها لتحقق هوايتها الأولى بالإعلام وتخص الموسيقى بمحبتها واهتمامها، ثم تستكمل هذه الهوايات الجميلة بالسفر لتتعرف على الجغرافيا وألوان من أحوال الشعوب وتقاليدها. عملت في عدد من أهم المحطات الفضائية في لندن، وفي محطة ‘سكاي نيوز’، في أبوظبي. وقبل أن تعود إلى لندن باختيارها من جديد لتعمل في مؤسسة لم تفصح عنها، التقينا بالإعلامية غادة سليمان لتحدثنا عن الإعلام وما يقدمه الآن في خضم أحداث الثورات ودوره الكبير في التغطية والتأثير والتوجيه، في خدمة الحقيقة ونقيضها. ـ عملت في الإعداد وفي مجال تقديم البرامج، حسب خبرتك على من تقع المسؤولية في حرية بث الخبر، مقدم البرامج إن كان يملك الشخصية القوية، أم يتم ذلك من قبل معد البرنامج؟* ‘الإعداد والتقديم والأشخاص الذين يعملون في الكواليس والمكاتب الخلفية من المحرر إلى مهندس الصوت وفني الكاميرا والمخرج، من وجهة نظري جميع هؤلاء أساسيون لأن كل شيء يكون متكاملا. بالنسبة لحرية الخبر تكون من الإعداد، المذيع له دور كبير في إيصال الفكرة بشكل صحيح، لكن دور الإعداد أكبر لأن المادة تعد والأفكار التي ستطرح أجرى عليها بحثا بشكل مسبق. أما المذيع، بإمكانه أن يختار إما أن يكون قارئا ويكتفي بالتقديم، أو يكون مستوعبا للموضوع وملما بتفاصيله، بمعنى أن المادة التي أمامه يجب أن يكون قد عمل عليها بحثا وفهمها ويغطي جميع جوانبها، وليس فقط الجوانب المكتوبة في الإعداد. فهناك الكثير من الأشياء، أحيانا تصل للمذيع وتكون ناقصة، فالمذيع الشاطر هو الذي يكمل هذه الأشياء ويعرف كيف يتصرف. لكن بالنسبة للإعلام، في رأيي لا يوجد إعلام حر مئة بالمئة، سواء كان غربيا أو عربيا’.ـ برأيك كم أثر الإعلام في مجرى الأحداث الواقعة في المنطقة العربية وبشكل خاص في سورية وهل ترين فرقا من خلال الأخبار التي تصلك من الأشخاص القادمين من هناك، مقارنة بأخبار الوكالات والمراسلين، الفرق من حيث المصداقية والنزاهة الإعلامية في نقل الحقيقة؟* ‘من خلال متابعتي شاهدت الكثير، وبرأيي الإعلام أثر بشكل كبير في الثورة بسوريا والتي بدأت بكل نقاء، لكن توجه الإعلام أثر بها بشكل سلبي. الآن كم هو مقدار المصداقية حول حقيقة ما يحدث، طبعا هناك بعض المصداقية لكن عندما تكون الحقيقة منقوصة، كمن يقول كذبة ما، إن لم تكن الحقيقة كاملة فالأفضل أن لا يقولها إلا لغرض، بمعنى أنه مثلا عندما آتي وأقول مدينة دمشق مثلا بها أكثر من مئتي شخص قتيل وأعزو هذا الأمر لجهة معينة فقط فهذا غير صحيح ولا يصدق، وأي إنسان يفكر يعلم أن هناك شيئا غير صحيح لأنه لا يمكن أن تكون جهة واحدة تقوم بالقتل والجهة الأخرى ضحية ومقتولة فقط. أكيد هناك فعل وردة فعل، وهناك مقاومة. برأيي الأحداث ما كانت تغطى وحتى الآن لا تغطى بشكل صحيح جدا في كثير من القنوات، ولا تزال القنوات العربية بشكل خاص مقصرة جدا بحق سورية، والحقيقة لا تنقل بشكل كامل عبر هذه القنوات. نحن نتابع الأحداث على اليوتيوب وعلى الفيسبوك وعلى تويتر، ونتواصل مع الأشخاص الذين نعرفهم في الداخل وحتى الأشخاص الذين يأتون من سوريا ترى أن الأحداث التي ينقلونها مختلفة جدا. وطبعا لدينا أهل وأقارب وأصدقاء، ونحن نتابع الموضوع داخليا ونجد أنه خاصة في بدايات الأحداث منذ أكثر من سنة ونصف تقريبا كان الإعلام جدا مغلوط في نقل الأحداث. طبعا هناك بعض القنوات تستخدم مراسلين من منطقة معينة في سوريا، هؤلاء أكيد سيخدمون منطقتهم أو سيهدمون فكر خصومهم ولن أتوقع أن يقولوا الشيء الصحيح. لكن المحطة عندما ترسل مراسلين للبلد من الخارج وتدخل البلد وتكون في قلب الحدث وتنقله، فأنا كمشاهد عربي حينها أقول أن هناك مصداقية، أنا برأيي سوريا ظلمت والإعلام ظلمها جدا وصعد كثيرا من الوتيرة بها’.ـ الإعلامي، والإعلامية بشكل خاص، هل تحتاج للمظهر بشكل كبير؟ فكما تعلمين هناك وجوه جديدة تظهر في الإعلام وهناك أيضا أناقة المظهر حيث أن الإعلامية تقدم نفسها بشكل لافت للنظر، وتجدين أن المخرج يسلط الضوء على مقدم الخبر أو البرنامج أكثر من الموضوع المطروح، هل تغيرت مفاهيم الإعلام وأصبح الشكل هو الأهم؟ كيف ترين الصورة عندما يكون هناك تصنع ما بين التقديم والمظهر خاصة بالنسبة للإعلامية؟* ‘أكيد في السنوات الأخيرة الإعلام تغير كثيرا، أو بالأحرى الانتقاء للشاشة تغير كثيرا حيث إن هناك الكثير من المحطات تحرص كثيرا أن تكون الوجوه جديدة والأعمار صغيرة، وهذا من ضمن سياستها. لكن هذا سيكون على حساب قدرة وجدارة المذيعين الذين لديهم خبرة طويلة وهم متعلمون وأكاديميون، ربما يكون الأمر تجاريا أو لاستقطاب المشاهد وتلبية رغبته حسب المناطق. مثلا، إن كان البرنامج ترفيهيا فالمشاهد يتحمل أن تتدلع المذيعة قليلا وترتدي ملابس بشكل معين على حسب ما تقدم، لكن لا يمكن أن يتقبل أي مشاهد حريص على الحصول على الخبر ومركز عليه أن تكون مذيعة الأخبار تقوم بحركات معينة أو تكون متصنعة وكأنها تستقطب المشاهد بهذه الأمور عوضا عن أن تستقطبه بمصداقية الخبر ونوعه ومدى دقته، عندئذ يصبح تركيز المشاهد على أشياء مختلفة وبعيدة عن الموضوع، وهذا خطأ كبير وطبعا هناك الكثير من المحطات تتبع هذه الأمور.ـ أنت درست في سورية وتابعت دراستك في بريطانيا، هل الإعلامي بحاجة للثقافة الاجتماعية والأدبية، بالإضافة للدراسة؟.. أم أنه نتيجة التجربة والاستمرار في العمل يمكن أن يطور نفسه؟ كيف ترين صفات الإعلامي الذي يستطيع فعلا أن يواصل طريقه بنجاح؟* ‘طبعا كل شخص يختلف عن الآخر، التجربة الخاصة والجهود الشخصية هامة في هذا المجال. لكن هناك قواسم مشتركة بالنسبة للصحفيين يجب أن تكون موجودة في شخصياتهم كالمعرفة واللغة والمتابعة وتحليل الحدث بحيادية تامة وثقافة مستنيرة، أعني أن لا يكون المذيع قارئ نص فقط، بل المهم أن يَفهم ويُفهم المشاهد بحيث يتمكن الذين يستمعون إليه أن يفهموا ماذا يقول وما هي أبعاد ودلالة ما يقوله. هناك الكثير من المذيعين يقرؤون الخبر وكأنه قصة أو أي شيء من دون تقطيع أو حركات إعرابية أو نبرات دلالية، وهذا يزعج المشاهد ولا يخرج بنتيجة واضحة، خاصة الطبقة المثقفة في المجتمع العربي. مثلا، تمر عليه أخطاء نحوية في القراءة، فيغيرون المحطة ويقولون إن هذه المحطة مذيعيها لا يعرفون اللغة العربية، هناك أشياء صغيرة ممكن أن يتم تلافيها بقليل من التحضير والاهتمام’.ـ لو تحدثينا عن نفسك وعن دراستك وهواياتك؟* ‘كنت أحب جدا الإعلام وخاصة الأشياء الأدبية والفن والموسيقى ولذلك درست الموسيقى ودرست الإعلام. لكني لا أحب الشعر مثلا، وإن كنت أحب الموسيقى بكافة أنواعها. ليس كل الإعلاميين يجب أن تكون لديهم نفس الصفات وهذا غير ممكن طبعا، لكن هناك قواسم مشتركة يجب أن تكون موجودة. أما الأمور الأخرى فهي هوايات، فهناك إعلامييون يحبون السباحة، وغيرهم يحبون الموسيقى.. وهكذا. بالنسبة لي هوايتي هي الموسيقى، فأنا أحبها وأعشق الفن والجمل الموسيقية، ولكن لم أكمل دراستي لها لأني كنت أريدها كثقافة ومعرفة، ولأني أحبها أحببت أن أكتشفها، وفي ذات الوقت أحببت أن أنقلها لابني فهو موهوب جدا ويعزف على الكمان والبيانو، ويمتاز بصوت جميل ولديه حس موسيقي رائع. لذلك، وجدت أنه من المهم أن يكون لدي معرفة لأساعده في دراستها. هوايتي الأخرى التي أحبها هي السفر والتعرف على تراث أي بلد أزوره، ولدي عشق لمعرفة كيف كانت الناس تعيش في القديم في هذا البلد أو ذاك. أنا أتيت إلى دولة الإمارات تقريبا من خمسة عشر عاما، والآن منذ بداية السنة الماضية أبو ظبي شدتني بشكل كبير حتى إني أحضر كل مؤتمر وأي شيء يتعلق بموضوع التراث، وأشعر بالاستمتاع وأنا أغطيه وأكتب عنه وأقدمه. لقد شعرت أن أبو ظبي، إمارة وعاصمة، لديها روح أو تراث متنوع ومختلف حتى عن الإمارات الأخرى، ولقد التقيت بأشخاص في أبو ظبي أذهلوني بحبهم لتراثهم ولثقافتهم ولاكتشافهم لطرق ينشرون بها ثقافتهم، طرق غريبة جدا حتى إني التقيت بشخصين لفتوا نظري، شخص موهوب جدا اسمه محمد الأستاذ أجريت معه مقابلة وكتبت عنه تقريرا، وأنا عندما قرأت عنه وجدت أنه عبقري، وهو يقوم بعمل شيء جديد فيه إبداع مبتكر من رمال ‘قبور الشواطئ’. عندما تسمعينها تظنين أن هناك شيئا غامضا وضبابيا، لكن عندما تتعرفين عليها تستغربين حيث أنه مخترع شيء جميل: إنه يضع مواد في حفرة قرب البحر، وفي مناخ معين، ثم يعود بعد أسبوعين فتطلع معه لوحة رائعة’.ـ لندن، ماذا أعطت غادة؟ـ ماذا أعطت لندن لك وماذا تقولين لدمشق في الماضي وماذا تقولين لها اليوم؟ * ‘لندن علمتني الصدق والحرية والبساطة، وعلمتني كيف يحترم الشخص الآخرين مهما كانت ثقافتهم وعقائدهم واتجاهاتهم. هناك نوع من الحرية والديمقراطية والمحبة في المجتمع الغربي، طبعا هناك اختلاف.أنا ولدت في دمشق وهي النبض الذي بي وهي أجمل شيء رأيته في حياتي وأجمل شيء موجود. اليوم أقول لها خسارة أن دمشق تغدو ملوثة بالدم وبالأحقاد وبالانتقامات، قلبي يتألم على سوريا كلها، ولكن دمشق بشكل خاص لأنها هي التي عشت بها سنوات طويلة، أقول لها أيضا: لا أعلم متى ستعودين، كيفما كنت’.ـ الدول التي سافرت إليها ولم تقيمي فيها، أي من هذه الدول كان لها تأثير علمي أو ثقافي في نفسك؟ وهل سجلت خلال أسفارك بعض الخواطر والملاحظات حول تلك الزيارات؟* ‘هذا أكيد فقد سافرت كثيرا أثناء عملي لدى تلفزيون الشرق الأوسط الـ ‘إم بي سي’ حيث كنت أقدم برنامج عن ‘السياحة والسفر’. المدينة التي أحببتها بعد سوريا ودمشق بالتحديد هي لوزان في سويسرا، حيث لا حظت، إضافة إلى الرقي والطبيعة الخلابة، أن شعبها مثقف جدا وأينما تدخلين تجدين رقيا كبيرا في أحاديثهم وفي علاقاتهم، وحتى ضمن العائلة الواحدة، الزوج والزوجة والولد أو الولدين. أكيد ليس أكثر العلاقات رائعة بينهم وكأنهم يتعرفون الآن على بعض، أي ليس كأنهم يعيشون مع بعض. أما نحن مثلا في مجتمعاتنا، هناك نوع من العشوائية حتى في أسرنا نتكلم كيفما نريد مع بعض. الذي لا حظته في العديد من الدول الغربية وليس جميعها، أنه هناك الكثير من الاحترام الصادق والغير مصطنع. أيضا من المدن التي أحببتها وتتميز بالطبيعة الجميلة كانت سيرلانكا حيث زرتها مؤخرا مع ابني، ليس لمجرد السياحة بل كنت أتقصد أن آخذه لها، فقد اعتدنا دوما الذهاب لأوروبا وأمريكا ورؤية المجتمع الغربي، فأردت أن أريه وجها آخر: هناك أشخاص ليس لديهم الأموال ويعيشون ببساطة غير الأشخاص الذين نعرفهم، فكانت الرحلة جميلة جدا وشعرت أن تلك الجولة أدت رسالتها تجاه ابني، لأنه أصبح يتساءل: لماذا هؤلاء يستحمون في النهر وليس لديهم حمام؟ ولماذا يوجد أوساخ؟ فعندما رأى أشياء جديدة، أخذ يتساءل باهتمام. وهذا أعطاني مجالا كبيرا أن أشرح له بأن في الحياة وجهين أحدهما مشرق والآخر مظلم، والشخص الذكي هو الذي يعرف كيف يتعايش مع ظروفه ويحاول تحسينها وجعلها أفضل، لأن أي إنسان معرض أن يفقد بيته. وفي سوريا، مثلا، وفي الدول التي حدثت بها ثورات نجد أن كثيرا من الأشخاص فقدوا أولادهم ومنازلهم واضطروا أن يعيشوا في خيم وفي أماكن ليست نظيفة، بعد أن كانوا يعيشون في منازلهم معززين مكرمين لا يحتاجون لشيء’.qmaqpt