مع انحسار كل منخفض جوي يضرب قطاع غزة يستعد العشرات صغاراً وكباراً للتوجه إلى شاطئ البحر للبحث عن ما يأتي مع أمواج البحر من عملات نقدية قديمة وقطع ذهبية. وتعتبر منطقة السودانية الواقعة شمال غرب مدينة غزة مقصد الكثير من الباحثين عن اللقى وذلك لوجود كنوز أثرية عريقة في أعماق هذه المنطقة تعود إلى الحضارات القديمة التي سكنت فلسطين قبل آلاف السنين ومنها الكنعانية والرومانية.
وخلال رحلتهم الشاقة في البحث عن الآثار والعملات المعدنية التي تبدأ من ساعات الصباح الباكر حتى المساء، يجتهد الشاب رمزي كلوب 22 عاماً والذي برزت على جبينه علامات الفقر والتعب في البحث بكل ما أوتي من طاقة عن رزقه الوحيد المتمثل في جمع اللقى الأثرية وبيعها بأثمان زهيدة ليوفر لقمة عيش أسرته.
تخصيص هواة البحث عن المعادن في هذه الأوقات بالتحديد لم يكن أمرا عفويا بالنسبة للباحثين عنها، ولكن حسب تفسير رمزي، فإن المنخفضات الجوية تحمل في طياتها الرياح الشديدة التي تدفع بالأمواج العاتية بشكل قوي إلى شاطئ البحر قاذفة كل ما هو عالق في قاع البحر من معادن وغيرها لتستقر على الشاطئ مع عودة الأمواج لطبيعتها، حيث يصبح الحصول عليها أمرا سهلا ولكن الأمر يتطلب الصبر والتركيز خلال رحلة البحث اليومية.
“ما يدفعك للمر إلا الأمر منه” بهذه العبارات بدأ رمزي حديثه خلال متابعتنا رحلة عمله الشاقة التي يعتمد فيها على أنامله نابشا شاطئ البحر باحثاً بين الحجارة والرواسب عن قطع أثرية معدنية يسمونها “السحاتيت” وهي عملة معدنية تعود إلى الحضارة الكنعانية التي سكنت فلسطين 4000 سنة قبل الميلاد لعله يجد بعضاً منها.
وأشار إلى أن هذه المهنة يعمل بها منذ عشر سنوات وأن أعداد الهواة تزداد يوميا بعد يوم، وذلك يعود لصعوبة الأوضاع المعيشية وحاجة الشباب للمال في غياب فرص العمل وتدهور الأوضاع المعيشية.
وحول بيع هذه المعادن الأثرية أوضح أن هناك تجارا مختصين يقومون بشرائها ولكن بأثمان بخسة فلا تتجاوز القطعة الواحدة 30 شيكلا أي ما يعادل 8 دولارات أمريكية. ولكن حسب المنقب فإن التجار يعملون على تنظيفها وتصريفها بمبالغ كبيرة وأغلب الأحيان يتم تهريبها وبيعها خارج القطاع للحصول على مبالغ أعلى.
وأضاف أن هناك عددا كبيرا من المنقبين يتمتعون بمهارة عالية سبق وأن عثروا على قطع ذهبية ثمينة وهذا ما ذكره أحد زملاء رمزي الذي عثر على قطعة من الذهب مرتفعة الثمن حيث عزا وجودها في هذا المكان لسقوطها من إحدى الفتيات أثناء السباحة.
وأشار خبير الآثار فضل العطل إلى أن السودانية تعد من أكثر الأماكن ازدحاماً بالمنقبين عن الآثار لوجود كنوز أثرية أسفل مياه البحر.
وأكد لـ”القدس العربي”: أن العمل في هذه المهنة محفوف بالعديد من المخاطر، حيث يقدم عدد من المنقبين على الدخول إلى مياه البحر في وقت المنخفضات الجوية، وهذا يشكل خطرا شديدا على حياتهم نظراً لارتفاع الأمواج.
وأضاف أن أسعار بيع العملات المعدنية تتراوح حسب حجمها ونوعها سواء كانت ذهبا أو فضة حيث أن الحجم الكبير فيها يباع بمبالغ كبيرة.
وحسب قانون الآثار المعمول به في الأراضي الفلسطينية فقد تبين عدم وجود أي مواد رادعة لسارقي الآثار واكتفى القانون بالفقرة “ج” من المادة 47 التي تنص على أن كل من هرب أو حاول تهريب أي من القطع الأثرية للخارج يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين أو غرامة مالية من مئة إلى ثلاثمئة دينار أردني.