غزة بين هستريات جزيرة كاتس ودموع تماسيح بروكسل

حجم الخط
0

الاجتماع الشهري لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذي انعقد في بروكسل مؤخراً، أسفر عن مبادرة لمواجهة الوضع المتفجر الناجم عن حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة. البعض أطلق على ذلك التحرك تسمية «ورقة مناقشة» داخلية تمّ توزيعها على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والبعض اختار لها صفة «خطة سلام» مكونة من 12 نقطة، وتوفر أيضاً أولئك الذين احتكموا إلى تجارب الماضي وطبائع علاقة الاتحاد الأوروبي بالقضية الفلسطينية فاعتبروا أنها مبادرة ولدت ميتة في المهد.
ذلك لأن الخطة ترتكز أساساً على حلّ الدولتين، وتنصّ بالحرف على أنه «لا يوجد حل شامل وموثوق سوى إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل» كما تقترح عقد «مؤتمر تحضيري للسلام» يشترك في تنظيمه الاتحاد الأوروبي ومصر والأردن والسعودية وجامعة الدول العربية وتدعى إليه الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وتشدد على أن ذلك المؤتمر سوف ينعقد «حتى لو رفض الإسرائيليون أو الفلسطينيون المشاركة فيه».
فما جدوى عقد مثل هذا المؤتمر في ظل احتمالات فشل معلن مسبقاً بسبب احتمال غياب فريقَيْ النزاع، الفلسطيني والإسرائيلي، وحتى لو حضر الطرفان فما الفائدة من جلسات المؤتمر أو مداولاته وتوصياته إذا كان الائتلاف الإسرائيلي الحاكم الراهن وبلسان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يرفض فكرة الدولة الفلسطينية جملة وتفصيلاً؟ وأيّ معنى في مشاركة الولايات المتحدة، إذا كان تمسك البيت الأبيض بحلّ الدولتين يُجابه يومياً برفض إسرائيلي رسمي قاطع يبلغ أحياناً مستوى السخرية؟ وأي أمم متحدة هذه التي ستكون فاعلة في المؤتمر، ودولة الاحتلال ضربت وتضرب عرض الحائط بكلّ وأيّ قرار أممي لا يسير على هواها؟
ولعل أولى البوادر على وأد هذه الخطة الأوروبية جاءت من وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي اقترح على نظرائه الأوروبيين فكرة تهجير سكان قطاع غزة إلى «جزيرة صناعية تكون وطناً بديلاً للفلسطينيين» فكان بذلك لا يستغفل عقولهم فقط، بل يصفع ملكاتهم العقلية ويرسل خططهم بصدد المؤتمر المقترح إلى أقرب سلة مهملات في القاعة ذاتها التي شهدت اجتماعه بممثلي الاتحاد الأوروبي.
علامة ثانية على الفشل الذريع الوشيك توجّب أن تعكسها نبرة التباين بين جوزيب بوريل الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي الذي صرح بأن المفاوضات من أجل حل الدولتين ستستمر شاءت دولة الاحتلال أم أبت، وبين تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي لم تتوقف عن ذرف دموع التماسيح على الكيان الصهيوني بوصفه «الديمقراطية النابضة بالحياة في قلب الشرق الأوسط».
علائم أخرى عكستها، وما تزال، مواقف الغالبية الساحقة من دول الاتحاد الأوروبي التي لم تتأخر، على شاكلة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، في اللهاث إلى مستوطنات غلاف غزة والتباكي على المستوطنين وتجميل جرائم الحرب ومباركة قطع الماء والغذاء والدواء عن سكان قطاع غزة.
فأي مهزلة هذه التي تزعم صناعة السلام، اعتماداً على هستريات كاتس عن الجزر الصناعية، ودموع تماسيح الاتحاد الأوروبي؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية