تعاني مستشفيات قطاع غزة من تكدس كبير في أعداد المرضى الذين هم بحاجة إلى تشخيص ومتابعة مستمرة، وذلك تزامناً مع منع السلطات الإسرائيلية إدخال الأجهزة التشخيصية السينية، ومنها أجهزة التصوير المقطعية إضافة إلى أجهزة الرنين المغناطيسي والماسح الذري، وتعتبر هذه الأجهزة مهمة للمرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة، ويعيق منع إدخالها متابعة وشفاء العديد من الحالات.
وتعمل وزارة الصحة في قطاع غزة على متابعة المرضى بالقلب والأورام والجلطات الدماغية بأجهزة متهالكة ومحدودة يفترض أنها خارج الخدمة، حيث يوجد جهاز واحد من كل نوع من الأجهزة في بعض المستشفيات المنتشرة في غزة، وتحاول الوزارة تغطية العجز من خلال وضع الحجوزات للمرضى، ولكن يحتاج المريض إلى الانتظار طويلاً ربما تصل المدة لأكثر من خمسة أشهر، إلى أن يصل دوره في تشخيص حالته الصحية.
ويفتقد مستشفى الشفاء الحكومي أحد أكبر المستشفيات الرئيسية في قطاع غزة إلى الأجهزة التشخيصية، بعد أن خرجت كمية منها عن الخدمة نتيجة الضغط الكبير عليها وفقدان قطع الغيار الخاصة بإصلاحها، ما راكم من أعداد المرضى الذين ينتظرون بفارغ الصبر أن يصلهم الدور كي يتم تشخيص أوجاعهم، في حين يلجأ البعض إلى الذهاب للمراكز الصحية الخاصة من أجل تلقي العلاج، لكن هذا الأمر مكلف مادياً ويجعل الكثير من المرضى عاجزين عن العلاج.
وحذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من تداعيات خطيرة على المرضى، مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي عرقلة إدخال الأجهزة الطبية والتشخيصية للمستشفيات منذ قرابة عام ونصف، وأشارت إلى أن سلطات الاحتلال تستمر في منع إدخال الأجهزة والمعدات الطبية للقطاع، مؤكدةً أن ذلك يفاقم الحالة الصحية للمرضى وجهود الطواقم الطبية العاملة في المستشفيات.
ويقول الناطق باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة «يواصل الاحتلال استخدام أسلوب المماطلة ويتلكأ في إدخال أجهزة خاصة بالحالات المرضية الخطيرة في غزة من دون أي أسباب مقنعة، إلى جانب منع إصلاح العديد من الأجهزة الطبية المتعطلة في القطاع الصحي الحكومي وغير الحكومي، ومنها أجهزة الرنين والأشعة المقطعية والأشعة العادية وأجهزة متحركة، إضافة إلى منع دخول قطع الغيار اللازمة لإصلاح الأجهزة الضرورية».
وبين لـ«القدس العربي» أن لدى الوزارة العديد من الأجهزة التشخيصية المتوقفة عن العمل وبحاجة إلى قطع غيار وفحص لأدائها، في حين تحاول الوزارة منذ أكثر من عام التواصل مع الجهات المختصة لإخراج الأجهزة وإصلاحها خارج قطاع غزة لكن بدون جدوى، وهذا يزيد من الأعباء المالية على الوزارة التي تضطر لتحويل المرضى للخارج لتلقي العلاج.
ولفت القدرة إلى أن الأجهزة المتهالكة التي تعمل بها مستشفيات غزة في الوقت الحالي، لا تعمل بكفاءة وقراءاتها في أغلب الأحيان تكون غير دقيقة، وهذا يعيق الأطباء في التوصل إلى العلاج المناسب للمرضى، ويفاقم من الأوضاع الصحية للمئات من الذين هم بحاجة لرعاية وتشخيص دقيق لأوضاعهم الصحية.
وعبر المواطن أمير درويش عن بالغ استيائه من تراجع أداء الخدمات الطبية والعلاجية داخل مستشفى الشفاء في مدينة غزة، بعد أن تم حجز صورة تشخيصية لطفلته التي تعاني من ورم في الدماغ قبل شهرين، ويحتاج مزيداً من الوقت إلى حين أن يأتي موعده، وما يزيد المعاناة أن مستشفى الشفاء من المستشفيات الرئيسية التي يعتمد عليه جميع سكان القطاع في تلقي العلاج.
وقال لـ«القدس العربي» إن طفلته البالغ من عمرها سبعة أعوام، تأثرت حالتها المرضية من جراء تأخير تشخيص حالتها نتيجة تعطل الأجهزة داخل المستشفى، والعمل بجهاز واحد لمئات المرضي الذين ينتظرون دورهم لتشخيص حالتهم يهدد حياة طفلته بسبب تمدد حجم الكتلة في رأسها.
وأشار إلى أنه حاول التوجه إلى أحد المراكز الخاصة بالعلاج التشخيصي غير الحكومي، لكن تفاجأ بأن تشخيص الطفلة عبر جهاز الرنين المغناطيسي مكلف جداً ولا يسمح وضعه المادي في دفع تكاليف الصورة، ولا يبقى خيار أمامه سوى الانتظار كغيره من المرضى.
واستنكر الحقوقي صلاح عبدالعاطى إجراءات الاحتلال الإسرائيلي العقابية بحق القطاع الصحي في غزة، بعد الامتناع المتواصل عن توريد الأجهزة الطبية للمستشفيات التي تستخدم بشكل يومي لعلاج المرضى، ويعتبر هذا الإجراء العقابي جريمة بحق الإنسانية.
وقال لـ«القدس العربي» حسب اتفاقية جنيف الرابعة «ينبغي توفير الإمدادات والأجهزة الطبية للسكان الذين يقعون تحت الاحتلال، لكن ما يجري هو أن الاحتلال يتخلى عن مسؤوليته ويشدد الحصار للإمعان في زيادة معاناة المرضى، وهذا يتطلب وقفة دولية جادة للجم الاحتلال عن مواصلة حصاره الخانق على قطاع غزة».
وأوضح أن الاحتلال والحصار الإسرائيلي عوامل رئيسية تهدد حياة المرضى، نتيجة التعمد في إلحاق الأذى بهم ومصادرة حقوقهم العلاجية التي كفلها القانون الدولي الإنساني، سواء داخل أو خارج مستشفيات القطاع، مطالباً المؤسسات الدولية والإنسانية والحقوقية بالضغط الفوري والمباشر على الاحتلال للسماح بإدخال الأجهزة الطبية والتشخيصية وقطع غيار الأجهزة المتعطلة في مستشفيات قطاع غزة.
يشار إلى أنه ومنذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة صيف 2007 تفرص إسرائيل حصاراً مشدداً على غزة من خلال التحكم بمعابر القطاع، وتأثر القطاع الصحي بشكل كبير من الحصار.