“غمزة” بيروقراطية أردنية تلاعب “النظام السوري”: معبر “نصيب” عقدة في طريق “استعادة الثقة”

حجم الخط
0

عمان-” القدس العربي” – من بسام البدارين:

 بدت لافتة جداً تلك العبارة النقدية ضمنياً التي صدرت عن الأمين العام لوزارة النقل الأردنية أنور الخصاونة وهو يستغرب سلوك سلطات النظام  السوري عندما يتعلق الأمر بإعادة فتح معبر نصيب. فبينما كان يتحدث عبر وكالة “روسيا اليوم” عن أزمة المعبر، غمز الخصاونة بيروقراطياً الجانب الآخر عندما اشار الى إعلان منفرد وأحادي بإعادة تشغيل معبر نصيب مع إشارة إلى ان الجانب السوري لا يلتزم بالإجراءات السورية اللوجستية الأمنية المتفق عليها.

 قبل ذلك وبعدما حدد الجانب السوري موعداً مرتين مؤخراً لإعلان جهوزية معبر نصيب المغلق تدخلت الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية الوزيرة جمانة غنيمات في حالة نفي للاتفاق على موعد إعادة تشغيل المعبر. وقد يكون “للتنمر البيروقراطي” الأردني خلفيات أمنية او سياسية تبرره لكن حتى اللحظة لا أحد يعلم نوايا تلك الرسائل الغامضة التي يتم تبادلها بين عمان ودمشق. فالعاصمة السورية تحاول بوضوح إظهار نظيرتها الأردنية وهي في حالة مماطلة وتسويف وتأخير لإعادة فتح المعبر. والحكومة الأردنية لا ترد بوضوح على هذه الجزئية وما يبدو عليه المشهد في الإعلام على الأقل ان الأردن هو الذي طالب بإعادة فتح المعبر طوال الوقت ومنذ عامين وان حكومته وبعدما تقدم النظام السوري بخطوات عملية بتنفيذ الطلب هي التي تراجعت.

رسائل وغموض

 ووسط زحمة الرسائل التي ترد من هنا وهناك لا يمكن تلمس أو إدراك خفايا هذا المشهد الغامض فقد تحول معبر نصيب الحدودي الضخم والذي يستفيد منه الطرفان عملياً الى مواجهة غامضة الاسباب وعقدة بعدما تخلص البلدان عملياً مما سمي بأزمة الجنوب او بالحسم العسكري. وثانياً بما كان يسميه الوزير الأردني الاسبق الدكتور محمد المومني بعودة مظاهر ورموز سيادة الدولة السورية الى الطرف الاخر من الحدود.

عملياً انتهت الخلافات والتقاطعات حول الجنوب السوري بما يرضي الطرفين. وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم ارسل مبكراً وعبر شخصية أردنية ووطنية مهمة رسالته التي تقول بأن تحفظ الأردن بخصوص وجود قوات للحرس الثوري او ميليشيات لبنانية في درعا سيحترم وقد احترم فعلاً. الرسالة المنقولة من المعلم لفتت النظر الى أن الوجود الايراني العسكري في سوريا تنطبق عليه مقولة “مكره أخوك لا بطل”.

 مؤخراً ايضاً قيل للأردنيين بأن التضحيات العسكرية الإيرانية من أجل سوريا لا تقارن بتلك الروسية “الخبراء الإيرانيون العسكريون يمكنهم المغادرة في أي وقت بطلب من النظام السوري” وانهم تحت سيطرة النظام في الواقع فيما وجودهم له مغزى استراتيجي مرتبط بالبعد الإسرائيلي في المشهد حصرياً.

يفترض بهذه الرسائل التي نقلها الروسي للأردني طمأنة عمان والتي دفعت بدورها كلفة اعباء الجنوب واللجوء وتعاونت مع غرفة التنسيق الروسية العسكرية بملفات محددة مثل تسليم أسلحة واستسلام فصائل.

 في الاثناء وخلال مراحل الحسم العسكري من النظام السوري في الجنوب قاد الجيش الأردني والاجهزة الأمنية بكفاءة المرحلة وسيطر على الحدود وظهرت ملامح تعاون مع جيش النظام السوري في الوقت الذي اختفت فيه من القاموس السوري “درعا مشكلة أردنية”.

 قالها وزير الخارجية الأردني الذي لا ترتاح له دمشق مبكراً أيمن الصفدي على هامش نقاش مع القدس العربي: ” لدينا مصالح وحسابات أمنية ونعمل لصالح الاستقرار النهائي في سوريا، وأجهزتنا حرست الحدود لصالح البلدين طوال الوقت وبلادنا تحملت العبء الأكبر. بمعنى آخر حصل نوع من الانسجام وتقاطع المصالح بين البلدين على هامش كل فعاليات الحسم العسكري عند استعادة الجنوب. وكان المناخ ايجابيا آنذاك ويسمح ببدء عملية استعادة الثقة بين مؤسسات البلدين”.

هنا رحبت قيادة الاركان علناً بوجود جيش النظام السوري في معبر نصيب وانشغلت قنوات الأمن الأردنية بالتواصل وأرسل رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز رسالة مع صديق تقول ضمنياً: “مستعدون لإعادة فتح السفارة الأردنية في دمشق وارسال كوادرنا ونرغب بإعادة فتح نصيب للتجارة والحركة والعبور ونحب استقبال “وزيري النقل والسياحة للتفاهم في عمان”.

مفاوضات معقدة

 كانت تلك رسالة تقول ضمنياً بأن الرئيس الرزاز على الأقل مهتم جداً بإعادة فتح وتشغيل معبر نصيب لأن نحو 34 % من تجارة النقل الأردنية كانت تستفيد من هذا المعبر والرد السوري كان ايجابياً ويتضمن التقدير للرزاز ونوايا حكومته مع التحفظ على مفردتي “النظام السوري” اللتين يستخدمهما مسؤولو الخارجية الأردنية في الاجتماعات والتصريحات ضمن طاقم الوزير الصفدي.

في أثناء المفاوضات المعقدة حول معبر نصيب طلب الأردنيون تنظيف الطريق الدولي بين عمان ودمشق وازالة العوالق والعوائق من معبر نصيب في الجانب السوري وتأمين حماية أمنية وعسكرية للطريق الدولي. يرسل السوريون وعبر قنوات أردنية تلك الرسالة التي تقول بأنهم التزموا بتنفيذ كل المطلوب أردنياً لكنهم لا يستطيعون تقديم ضمانات من أي نوع لها علاقة بحصة الأردن من مشاريع اعادة الاعمار.

اليوم يبدو النظام السوري إعلامياً على الأقل جاهزاً في ملف معبر نصيب ويخفق الأردن الرسمي في شرح تحفظاته مع ان فتح هذا المعبر طلب ملح جداً من الرزاز ومن القطاع الاقتصادي والتجاري الأردني. والصورة النمطية التي يحاول النظام السوري ترويجها بالخصوص تتحدث عن “تلكؤ” أردني في مسألة المعبر له علاقة بسيناريو أمريكي وسعودي وبضغط إسرائيلي تحديداً.

 والرواية الأردنية تعتبر مثل هذه التلميحات اصطياداً في المياه العكرة ومؤشرات على سوء النوايا وتعيد مجمل الموقف من ملف تشغيل معبر نصيب الى حرص الأردن على منظومة أمنية يتجاهلها السوري حتى اللحظة وتتعلق بأسئلة محددة وبروتوكولات مفصلة لحركة عبور الناس والشاحنات والبضائع في الاتجاهين، الأمر الذي يشير له الخصاونة له عملياً دون ان يحدده.

لكل ذلك تبقى أزمة معبر نصيب مفتوحة على الاحتمالات. لكنها اليوم العنوان الرئيسي لاختبار كل امكانات نوايا استعادة الثقة بين البلدين فالأمني في الذهنية الأردنية يسبق الاقتصادي والتجاري وفي كثير من الاحيان السياسي خصوصاً وان دمشق لا تبذل الجهد الكافي لتمكين مواطنيها اللاجئين في المملكة من العودة إلى بلادهم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية