القاهرة ـ «القدس العربي»: ارتبطت السينما الغنائية في أذهان الجمهور المصري والعربي بالموضوعات الرومانسية باعتبار أن أبطال الأفلام الرومانسية عادة ما يكونون من المًطربين أو المُطربات، ولتزامن الاحتفالات بعيد الحُب كمناسبة رومانتيكية عاطفية أعيد طرح قضية غياب الفيلم الغنائي مرة أخرى للوقوف على الأسباب الحقيقية لهذا الغياب الذي امتد أمده لفترات طويلة تغيرت فيها ملامح الأبطال والبطلات ومضمون القصص ومزاج المُتلقي.
ومن دواعي التركيز على هذه المشكلة الإبداعية أنها انتقلت من المحلية المصرية وأخذت بُعداً عربياً، إذ قدمت إذاعة تونس الثقافية قبل أيام حلقة خاصة عن ابتعاد السينما المصرية عن الشكل الاستعراضي والغنائي ما أثر على الجمهور العربي الذي كان يُتابع عن كثب حركة الإبداع السينمائي الغنائي المصري ويرى محاسن كثيرة في رواج الأغاني المصرية من خلال تضمينها داخل السياق الدرامي بأشكال مُختلفة.
كما أن عرض الأفلام الغنائية القديمة وفق ما طرحته الإذاعة التونسية هو بمثابة حفظ للتراث الموسيقي والألحان التي أبدعها كبار المُبدعين أمثال سيد درويش وعبده الحامولي وزكريا أحمد ورياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ومحمد فوزي وآخرين، بالإضافة إلى أغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وصباح ونجاة ونور الهدى وليلى مراد وشادية ووردة الجزائرية وأصوات كثيرة متميزة تعيش في وجدان الغالبية العُظمى من هواة الطرب والغناء من القاعدة الجماهيرية العريضة.
ولأن نُدرة الفيلم الغنائي والاستعراضي في العصر الحديث لها أسباب مُختلفة وتشمل كل العواصم العربية ومؤسساتها الإنتاجية فإن من الصعب التركيز على جانب واحد من الأزمة وهو الإنتاج، لا سيما أن الجوانب الأخرى لا تقل أهمية من حيث التأثير كعدم ملائمة الظروف الآنية لنجاح الفيلم الغنائي، فالعالم كله مشغول بالحروب والمُتغيرات السياسية والصراعات الدائرة على كل الجبهات.
تبعات الفشل والإخفاق
غير أنه لا يوجد مُطرب أو مطربة لديه الاستعداد أو القُدرة لتحمل تبعات الفشل والإخفاق حيال قيامه ببطولة فيلم من النوع الاستعراضي، فالبطل يُمثل بمفرده الواجهة الرئيسية للفيلم ولهذا فإن المُنتج يتحسس الخُطى ويتوخى الحذر والحيطة حيال التجارب السينمائية النوعية والأكثر تكُلفة لأنها غير مضمونة الربح. وهناك تجارب حديثة نسبياً غامر بها المُنتج المصري وراهن على الفيلم الغنائي ولم يكن عائدها مُرضياً بالنسبة له، اللهم إلا بعض الاستثناءات القليلة كفيلم «عمر وسلمى» على سبيل المثال، أما دونه فكانت الخسارة هي العنوان الرئيسي للتجربة في مُعظم الأحيان، ويُضاف إلى ذلك عدم رغبة المُطربين والمُطربات أنفسهم في القيام بمُغامرة من هذا النوع لعدم تأكدهم من رد فعل الجمهور والحركة النقدية. إن أهم ما يجدد الحديث عن الأزمة هو تعلق الكثير من الفئات الجماهيرية خاصة من تبلغ أعمارهم الأربعين عاماً فصاعداً بالمطربين والمطربات القدامى من أبطال العصر الذهبي للسينما المصرية كعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد فوزي وليلى مراد وشادية ونجاة وفايزة أحمد ووردة وكل من سبق ذكره سلفاً وكان له تأثيراً قوياً من حيث الأداء وعمق الإحساس.
وبرغم وجود جيل آخر له بصمة واضحة في المجال الغنائي والموسيقي لم يتم ملء الفراغ ولا يزال البعض يعتقد أن أماكن المطربين الكبار من الرواد شاغرة على الساحة الفنية والإبداعية وأيضاً في قلوب مُحبيهم، فلم يحل محلهم أحد ولم يتربع على القمة سواهم، إذ لا بديل من وجهة نظرهم لأم كلثوم وعبد الوهاب وكارم محمود وعبد المُطلب ومحمد قنديل وسعاد محمد وسعاد مكاوي والبقية الباقية من جيل الخمسينيات والستينيات.
وبالرجوع زمنياً لبداية الفيلم الغنائي نجد أن التجربة الأولى كانت في فيلم «أنشودة الفؤاد» عام 1930 والذي كتب له السيناريو الممثل استيفان روستي وأخرجه المخرج الإيطالي ألكسندر ماريو فولبي الذي أسند بطولته لعبد الرحمن رشدي وجورج أبيض وزكريا أحمد ونادرة أمين وهؤلاء كانوا آنذاك نجوماً ساطعين في الفرق المسرحية الخاصة كفرقة علي الكسار وفرقة رمسيس وفرقة بديعة مصابني.
وتُعد هذه التجربة الرائدة والمُبكرة جداً من عمر السينما المصرية نموذجاً تراثياً نفيساً يؤكد القيمة الإبداعية للفيلم الغنائي وأسبقيته بين النوعيات الأخرى من الأفلام التي تطورت في ما بعد فصارت تأخذ الشكل الاجتماعي وتنحو نحو الإصلاح والوعظ والإرشاد.
البحث عن فرص
وللسينما العربية إسهامها المتميز أيضاً في مجال التوظيف الغنائي والاستعراضي للأحداث، لا سيما السينما اللبنانية والسورية، فهناك أفلام مهمة بطولة المُطربة الكبيرة فيروز كفيلم «سفر برلك» وفيلم «بنت الحارس» وفيلم «بياع الخواتم» وكلها أنتجت وعرضت في فترة الستينيات من القرن الماضي وحظيت بتأييد جماهيري واسع وبالغ الصدى.
كما قدم الفنان السوري الكبير دريد لحام أفلاماً متميزة من هذا النوع من بينها فيلم «عُقد اللؤلؤ» في بطولة مشتركة مع المُطربة صباح وفيلم «سيلينا» المأخوذ عن مسرحية «هالة والدراويش» والذي يُصنف فنياً كفيلم موسيقي استعراضي بالدرجة الأولى.
إلى هنا ينتهي العرض الموجز لفصول الأزمة الخاصة بالفيلم الاستعراضي باهظ التكلفة ليبقى الأمل مقروناً بآليات الحل والبحث عن فرص مناسبة لإعادة النوع السينمائي الفريد إلى حيز الوجود مرة أخرى.