تعاني البنوك والشركات المصرفية في مختلف مناطق قطاع غزة أزمة نقدية منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع، وذلك مع فرض الاحتلال الإسرائيلي قيوداً على تحويل الأموال من فئة الشيكل والدولار إلى البنوك، عدا عن سرقة الجيش أموالا كبيرة من فروع بنكية في المحافظات الشمالية خلال الاجتياح البري، ما انعكس سلباً وأزمة كارثية على المواطنين، خاصة الموظفين الذين يجدون صعوبة في الحصول على رواتبهم لعدم توفر العملات، إلى جانب تأثر الكادحين الذين يجدون صعوبة في الحصول على الحوالات المالية خاصة خلال شهر رمضان، حيث ينشط أهل الخير في إرسال صدقاتهم، لكن هذا العام حرم الآلاف من الفقراء من الحصول على مساعدات نقدية، وتأثر بشكل كبير عمل المؤسسات الخيرية لعدم توفر السيولة داخل البنوك.
وفي مدينة رفح التي يكتظ بداخلها أكثر من مليون ونصف نازح، تشهد فروع بعض البنوك والشركات المصرفية العاملة هناك ازدحاما هائلا وغير مسبوق لمواطنين يخرجون مع بزوغ الفجر حتى غروب الشمس، يحاولون سحب رواتبهم فيما يحاول آخرون سحب مساعدات نقدية من الصرافات الآلية، لكن المشكلة الأكبر تواجه موظفي السلطة والأونروا والشركات الأخرى، الذين يجدون منذ أشهر صعوبة في سحب رواتبهم لانعدام السيولة، وهذا ما دفع بالعديد من تجار العملة إلى استغلال حاجة المواطنين والتلاعب بصرف عملة الدولار والدينار مقابل الشيكل، عدا عن اقتطاع عمولات نقدية كبيرة على تحويل الأموال.
وقالت سلطة النقد الفلسطينية إن قطاع غزة يواجه أزمة غير مسبوقة في وفرة السيولة النقدية بين أيدي الغزيين في الأسواق، وتتفاقم الأزمة مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي في مناطق عدة من قطاع غزة عن الخدمة، فيما أشارت سلطة النقد إلى أن عددا من فروع المصارف ومقراتها تعرضت للتدمير، بسبب القصف الإسرائيلي وانقطاع التيار الكهربائي وتدهور الوضع الأمني، كما أوضحت أنها تتابع شكاوى السكان عن عمليات ابتزاز يقوم بها أشخاص وتجار وبعض أصحاب محلات الصرافة غير المرخصة، باستخدام أجهزة الخصم المباشر في نقاط البيع أو التحويلات المالية على التطبيقات البنكية، حيث يستغل هؤلاء حاجة السكان إلى الكاش مع استمرار تعذر الوصول إلى أفرع البنوك والصرافات الآلية.
فقدان السيولة النقدية
أكد عدد من الموظفين في أحاديث منفصلة لـ«القدس العربي» أنهم يواجهون ظروفا صعبة بسبب فقدان السيولة النقدية من البنوك وبالتحديد بنك فلسطين، الذي يعتبر من أكبر البنوك في قطاع غزة وما زال يعمل على توفير الخدمات المصرفية، فيما يشير عدد كبير منهم إلى تعرضهم لمحاولات ابتزاز من قبل مكاتب صرافة وتجار عملة، بعد استغلال حاجتهم الماسة للحصول على الرواتب، واقتطاع عمولات مرتفعة جداً مقابل تسليم الرواتب أو الحوالات المالية.
المواطن عبدالله محمد والذي يعمل موظفا في إحدى المؤسسات الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية، لم يحالفه الحظ للشهر الثاني على التوالي في الحصول على راتبه بسبب الازدحام الشديد على الصرافات الخاصة ببنك فلسطين في مدينة رفح وفقدان السيولة من عملة الشيكل والدولار، وعند وصول دوره إلى الصراف يتم إفراغه من النقود، على الرغم من خروجه المستمر مع ساعات الفجر الأولى كي يتمكن من حجز مكان في الطابور الطويل، الذي يعج بأعداد هائلة من الموظفين وغيرهم.
ويوضح لـ«القدس العربي» أن ظروفه المعيشية صعبة للغاية، نتيجة عدم توفر نقود لديه منذ أشهر ويجد صعوبة في الحصول على راتبه الشهري، ويزداد قلقه من عدم وجود بوادر لحل الأزمة في القريب العاجل، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية وتعمد الاحتلال تأزيم الأوضاع المعيشية لخلق حالة من الفوضى داخل قطاع غزة.
ولفت إلى أن هناك تجار عملة سماسرة يقومون باستغلال حاجة الموظفين وغيرهم ممن يريدون استقبال حوالات مالية أو رواتبهم من داخل البنوك، من خلال فرض نسبة تزيد عن 25 في المئة على نسبة المبلغ المالي، وهؤلاء يزيدون من معاناة المواطنين ويساعدون في خلق أزمة في السيولة النقدية، بسبب توجههم المستمر لسحب مبالغ مرتفعة من أرصدتهم داخل البنوك لبيعها بأسعار مرتفعة في السوق السوداء.
أما المواطن منذر أبو العيس فهو يعمل ضمن مؤسسة خيرية ويستقبل أموال من متبرعين في دول عربية يقدمون مشاريع للفقراء والمحتاجين، تأثر هو الآخر منذ أشهر من فقدان السيولة النقدية من البنوك ومحلات الصرافة، وهذا أيضاً انعكس بشكل سلبي على فئة الفقراء الذين هم بحاجة لتقديم المساعدات المالية لهم، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها السكان مع استمرار الحرب المدمرة على قطاع غزة.
وبين في حديثه لـ«القدس العربي» أنه بحاجة لسحب مبلغ مالي يصل إلى 15 ألف دولار، تم جمعه من متبرعين في دول عربية عدة، وهذا المبلغ مخصص لتقديم الطعام والمعونات الغذائية للنازحين خلال شهر رمضان، لكن صعوبة سحب المبلغ أدى إلى تذمره الشديد في ظل رؤيته لأوضاع النازحين المتدهورة، ومحاولته تقديم ولو القليل من المال لتحسين ظروفهم، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والجوع بين النازحين الذين يعيشون في ظروف هي الأسوأ على الإطلاق.
ولفت إلى أنه حاول التواصل مع بعض تجار العملة لسحب المبلغ، لكن محاولة الاستغلال التي وجدها من قبل التجار في اقتطاع نسبة كبيرة من العمولة، دفعه إلى التراجع عن السحب وانتظار أي حلول قريبة من قبل سلطة النقد لحاجة البنوك لمزيد من السيولة، مع تزايد شكاوى المواطنين من تردي أوضاعهم على إثر غياب السيولة من البنوك العاملة في قطاع غزة.
تعرض عدد كبير من أفرع البنوك للدمار
ويقول الخبير الاقتصادي ماهر الطباع إن قطاع غزة يشهد أزمة غير مسبوقة في شحة السيولة النقدية من الأسواق وأيدي المواطنين، نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع وتعرض عدد كبير من أفرع البنوك للدمار، ومنع الاحتلال إدخال الأموال من بنوك الضفة الغربية إلى غزة ضمن سياسة الحصار الخانق التي يفرضها الجيش الإسرائيلي.
وأكد لـ«القدس العربي» أن عمليات السرقة التي قام بها الجيش بقيمة 90 مليون شيكل، سواء من البنوك وبالتحديد بنك فلسطين في حي الرمال وسط مدينة غزة وأموال من مواطنين أثناء مرورهم على الحواجز الفاصلة بين جنوب القطاع عن شماله، أدت إلى فقدان السيولة بشكل سريع من الأسواق وأيدي السكان.
ولفت إلى أن ما يقوم به التجار من استغلال الموظفين والمواطنين والذين يدركون القيمة العالية للكاش في زمن الطوارئ والحروب، قد أدى إلى تراكم الأزمات لدى السكان، وأثر أيضاً على النشاط الخيري بشكل واضح خلال شهر رمضان، في ظل تراجع الدعم المقدم للفقراء والمحتاجين كما في كل عام.
ووفق جمعية البنوك الفلسطينية، فإن قطاع غزة فيه 92 صرافاً آلياً تتبع لمختلف المصارف العاملة في الأراضي الفلسطينية، حيث لا تتوفر إحصائية دقيقة عن مستوى الدمار الذي حل بها بسبب الحرب، وفي مدينة رفح التي تكتظ بغالبية سكان غزة، يواجه بنك فلسطين وهو الوحيد الذي يعمل هناك تحديات كبيرة في توفير السيولة النقدية التي تسد حاجة العدد الهائل من السكان.