يشكّل ركوب البحر في قوارب للخروج من البلدان العربية، وما وراءها في الشرق والجنوب، نحو أوروبا (الغربية تحديدا) قرارا يمكن أن يكون الأخطر في حيوات العائلات والأفراد لما يعتمل تلك الرحلات من مجازفات كبيرة.
تبدأ تلك المخاطر بالأعباء المالية الرهيبة التي يتكبدها الحالمون بالهجرة، والتي قد تدفعهم لبيع ممتلكاتهم، أو الاقتراض من الأقارب والأصدقاء والمصارف لتمويل التكاليف الباهظة التي يتقاضاها المهرّبون، وتنتهي أحيانا، بنهاية مأساوية لأسر بأكملها مع حوادث الغرق المميتة (أو الحوادث الأخرى الشبيهة)، أو بوفاة أطفال لم يروا الحياة بعد، أو مصرع شبان وفتيات يفورون بالحياة والأفكار والأحلام، كانوا يمكن أن يغيّروا الكثير في مستقبل بلدانهم، لولا أن قرارهم يدلّ على أنهم لا يؤمنون بأن تلك البلدان لها مستقبل!
آخر تلك الحوادث كانت انقلاب زورق أقلع من الشمال اللبناني حاملا ما لا يقلّ عن 150 شخصا، ومنذ وقوع الحادث بدأت أرقام الوفيّات ترتفع تدريجيا حيث أكدت الأرقام الرسمية 77 وفاة، وما زال العشرات من بين المفقودين، فيما تم إنقاذ عشرين شخصا بينهم ثمانية في العناية الفائقة.
تلخّص هذه الحادثة التردّي الهائل في الأوضاع العربية، واللبنانية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كما أنها تفتح المجال لكثير من الأسئلة المريرة.
انطلق القارب المنكوب من لبنان، الذي كان بلدا يحمل نظاما سياسيا معتدلا، مقارنة بمجمل البلدان العربية المجاورة له، جعلته ملجأ للهاربين من أنظمة التسلط، والراغبين في ممارسة قدر معقول من الحرية الفردية والسياسية، كما كان نموذجا اقتصاديا مختلفا عن الدول الملكيّة الغنيّة، ولكن غير المتقبلة بعد للتغيّرات العالمية، والدول الجمهورية التي احتكرت الحياة الاقتصادية وأعاقت تطوّرها، بحيث تدفقت عليه استثمارات الدول العربية والأجنبية، كما كان، لفترة طويلة، مركزا رئيسيا عربيا لدور النشر وعراقة ومهنية الصحف وحداثة الأقنية التلفزيونية، بحيث اجتذب عددا كبيرا من الكتاب العرب.
دفع ظهور دولة إسرائيل والنكبة الفلسطينية عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان، الذي غدا، بعد أحداث أيلول/سبتمبر 1970 في الأردن، واتفاقية القاهرة (التي رعاها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قبل فترة قصيرة من وفاته)، ملجأ للمقاومة الفلسطينية التي لقيت حاضنة سياسية واجتماعية لبنانية كبيرة، وهو ما أدى إلى الاجتياح الإسرائيلي الذي أخرج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، من دون نهاية لمأساة اللاجئين الفلسطينيين، الذين تعرضوا لمجازر تعدّد فيها المنفذون، من إسرائيل إلى أطراف لبنانية محلّية، ووقد تم الأسبوع الماضي إحياء الذكرى الأربعين لمجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي وميليشيات «الكتائب» اللبنانية واستشهد خلالها أكثر من 3000 فلسطيني بينهم أطفال ورضع ونساء وشيوخ. كما تعرّض الفلسطينيون، وما يزالون يتعرضون، لأشكال من الإقصاء والاضطهاد والتنكيل والحصار، بحيث جعلهم خزّانا بشريا مفتوحا للهجرات.
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، والقمع الهائل الذي تلقّته المناطق الثائرة، انضم مئات آلاف السوريين النازحين إلى لبنان إلى الفلسطينيين الذين سبقوهم قبل عقود. خضع لبنان لنفوذ دمشق منذ دخول قوّات النظام إليه عام 1976، وساهم عنف النظام ومخابراته ضد مجمل الأطراف الفلسطينية واللبنانية في حالة من التعاطف مع الثورة واللاجئين السوريين، وخصوصا مع حصول دعم أممي وأوروبي كبير لهم، لكنّ أولئك اللاجئين بدأوا يتعرّضون لما خبره الفلسطينيون قبلهم من أشكال العنصرية، والمزايدات السياسية، ومع بدء الانهيار المتدرّج والطويل والهائل للاقتصاد اللبناني، بفعل الإدارة الكارثية للبلاد، صارت الهجرة، الشرعية أو غير الشرعية، هي المنفذ الوحيد، ليس للفلسطينيين والسوريين، بل للبنانيين أيضا.
لقد أصبح اللبنانيون، المُفقرون، والمحكومون بنخبة بائسة متهالكة على الحكم ولو على جثث مواطنيها، لاجئين في بلدهم، وصار الهروب من بلد ميؤوس منه هو باب النجاة، ولو انتهى بهم إلى الموت!
*للأسف انتهى (لبنان) كدولة مستقلة مستقرة.
كان الله في عون الشعب اللبناني المنكوب
وجميع الشعوب العربية المنكوبة.
حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وظالم وقاتل.
تمر بنا احوال عصيبة صعبة واحداث مفجعة ونعتقد خطأ في كل مرة اننا وصلنا الى القاع .. الى متى هذا الانحدار وهل سيبقى اليوم بكل مآسيه أفضل من الغد !!!
لا حول ولا قوة الا بالله
هكذا وببساطة لبنان تحول إلى محرق العدسة أو بؤرة البؤس والإنحطاط والإستبداد التي خلفها النظام السياسي العربي للشعوب! بعد أن كان مركز الفكر والثقافة العربية. كانت بداية المأساة هي دخول القوات السورية إلى لبنان.
حسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم