طرابلس (لبنان)- وسيم سيف الدين: أعاد غرق مركب يقل عشرات اللبنانيين في سواحل مدينة طرابلس (شمال)، قضية الهجرة غير النظامية نحو القارة الأوروبية إلى الواجهة، حيث دفعت الأزمة الاقتصادية إلى ارتفاع محاولات الهجرة.
في 24 أبريل/ نيسان الماضي، غرق قارب يحمل 84 مهاجراً غير نظامي قبالة سواحل طرابلس، لقي 7 منهم مصرعهم في الحادث وتم إنقاذ 45 آخرين، ولا زال البحث جاريا عن المفقودين، وفق السلطات اللبنانية.
بعد خمسة أيام على حادث الغرق، أعلن الجيش اللبناني، إحباط “محاولة تهريب 85 مهاجراً غير شرعي”، في طرابلس، كبرى المدن في شمال البلاد.
دفعت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية عددا من اللبنانيين للمجازفة في البحر لتحقيق حلم الهجرة إلى أوروبا.
وبحسب الأمم المتحدة، حاول أكثر من 1500 مهاجر مغادرة لبنان بحرا منذ عام 2020، تم اعتراض أو إعادة أكثر من 75 في المئة منهم.
وحمّل ناجون من حادث الغرق، القوات البحرية اللبنانية، مسؤولية غرق المركب أثناء مطاردتهم ومحاولة منعهم من دخول المياه الإقليمية للبلاد.
بينما قالت قيادة القوات البحرية في بيان، إن قائد المركب نفذ مناورات للهروب من دورية الجيش، ما أدى إلى ارتطام القارب وغرقه على الفور.
علي أحمد، أحد بائعي القوارب في طرابلس، قال لمراسل الأناضول، إنه يمارس هذه التجارة منذ نحو 10 سنوات.
وأضاف أنه “على عكس العديد من البلدان، ليس المهربين هم من يحملون مهاجرين غير نظاميين في لبنان، بل العائلات تتجمع وتشتري القوارب لتنطلق للهجرة باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)”.
وأفاد بأن “سعر قارب هجرة يتسع لـ10 أشخاص يبلغ نحو 50 ألف دولار (..) أسعار القوارب تتفاوت أيضا حسب الحجم، إذ تتراوح بين 30 ألف دولار و100 دولار”.
ولفت إلى أن “الذي يشتري القارب يضع فيه أكثر من عشرة أشخاص ويأخذ ما بين 5 آلاف دولار أو ألفين دولار عن كل فرد”.
وفي إشارة إلى عدم وجود مسؤولية قانونية لشراء قارب، قال المتحدث، إنه “حتى غير اللبنانيين يمكنهم شراء القوارب بسهولة”.
وأفاد بأن “وجهة المهاجرين غير الشرعيين من لبنان كانت في السابق قبرص، حيث تبلغ المسافة بين طرابلس وقبرص 90 ميلاً بحريا، يتم قطعها خلال عشرين ساعة”.
وأردف: “لكن بحسب الاتفاقية بين قبرص ولبنان، تتم إعادة المهاجرين مرة أخرى، ولهذا السبب تواصل قوارب المهاجرين رحلتها مباشرة إلى إيطاليا، في رحلة تستغرق من 7 إلى 10 أيام”.
الصحفية اللبنانية جنى الدهيبي، ذكرت أنه “من الملاحظ مؤخرا انتشار ظاهرة الهجرة غير الشرعية باتجاه دول أوروبية وقبرص وخاصة من المناطق الشمالية”.
وأضافت للأناضول: “انحلال الدولة على كافة الصعد الاجتماعية والأمنية إضافة إلى الأزمة الاقتصادية تدفع بالكثير من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين الذي يعيشون في لبنان إلى الهجرة”.
وأفادت بأن الهجرة “تحصل فقط من شمال لبنان وتحديدا طرابلس حيث تعيش الغالبية السنية في هذه المناطق، بسبب الفقر وصعوبة العيش من كافة النواحي الأمنية والاجتماعية والسياسية”.
وأوضحت أنه “نتيجة للأوضاع المعيشية الصعبة يفضل أبناء هذه المنطقة الهجرة غير الشرعية بواسطة القوارب”.
وتابعت: “رغم الكوارث التي نسمعها بين الحين والآخر عن غرق قارب من هنا ومن هناك وآخرها قارب طرابلس إلا أننا نسمع بمغادرة قارب إلى قاربين يوميا من ميناء طرابلس إلى إيطاليا”.
وزادت: “الجميع يعلم بذلك ولكن الإجراءات الأمنية غير كافية لردع هذه الظاهرة المستجدة على اللبنانيين حيث كانت تقتصر على السوريين والفلسطينيين، قبل عام 2019”.
ولفتت إلى أن “الهدف الأساسي للجميع هو الفرار من لبنان الذي يعاني أسوء أزمة اقتصادية في تاريخه”.
واستطردت: “لا يمكن محو فكرة الهجرة من عقل أي لبناني، من يملك المال يهاجر من المطار ومن يملك المال القليل يجازف بالهجرة بحرا”.
واستدركت: “جنسيات الذي يهاجرون من لبنان تقتصر على لبنانيين وسوريين وفلسطينيين”.
الأم بارعة صفوان (47 عاما)، كان من المستقلين لقارب طرابلس الغارق في 24 أبريل الماضي، رفقة أربعة من أبنائها، اثنين منهم بنات لم يتم العثور عليهما بعد حادث الغرق.
وقالت صفوان للأناضول: “لم ندفع أي مبلغ مقابل الهجرة بل ذهبنا مع أصدقاء اشتروا القارب للهرب مع عائلتهم”.
وذكرت أنه لا أخبار عن ابنتيها اللتين اختفيتا نتيجة غرق القارب ولم يتم العثور عليهما من قبل الجيش حتى الآن.
وأضافت أنه إذا عرض عليها الهجرة بنفس الطريقة فهي مستعدة مرة أخرى، وأردفت: “لا يمكننا الحصول على جوازات سفر حتى نتمكن من الهجرة من المطار أو طريق أكثر أمانا”.
ولدى سؤالها لماذا تصر على الهجرة؟، أجابت: “أعمل في مدرسة وراتبي مليون و600 ألف ليرة لبنانية (نحو 65 دولار) وإيجار منزلي مليون ليرة (نحو 40 دولار) وأدفع مليون ليرة أخرى للمولد الكهربائي، ماذا يبقى معي لكي آكل أنا وأولادي”.
في 28 أبريل الماضي، أعلنت السلطات اللبنانية تعليق طلبات الحصول على جوازات السفر بسبب ارتفاع الطلب ونقص الجوازات، حيث زاد عدد الراغبين في استخراج الجواز بنحو 10 أضعاف، خلال الأشهر الماضية.
ناجي محمد فوال (32 عاما)، ناج آخر من حادث الغرق في طرابلس، قال للأناضول، إنه كان على “مركب الموت، ولم يأخذ منا صاحب المركب أي مبلغ مالي، حيث كان هو وعائلته على متن القارب”.
وأردف متسائلا: “لماذا لم يتم إيقاف المركب قبل انطلاقه من الشاطئ رغم امتلاك القوى العسكرية معلومات عن نيتنا الهجرة قبل 10 أيام من الحادثة”، معلنا رغبته في إعادة محاولة الهجرة مرة أخرى.
وازدادت محاولات الهجرة غير النظامية من لبنان تجاه الدول الأوروبية، وخاصة قبرص، بحثا عن حياة أفضل في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية منذ أكثر من عامين، جراء أسوأ أزمة اقتصادية بتاريخ البلاد.
وأواخر 2020، دعت إدارة قبرص الرومية إلى التعامل مع ظاهرة الهجرة غير النظامية من سواحل لبنان باتجاهها “بأفضل طريقة ممكنة وأكثرها فاعلية”، بعد ارتفاع عدد المهاجرين نحوها، فيما أعلنت بيروت سابقا، أنها لم تعد قادرة على منع محاولات الهجرة.
(الأناضول)