هوليوود ـ ‘القدس العربي’ من حسام عاصي: فيلم ‘نوح’، الذي يسرد قصة النبي نوح عليه السلام، أثار الجدل في العالم الاسلامي والمسيحي قبل ان يعرض في صالات السينما. ولكن بعد مشاهدة الفيلم، سحب الكثير من رجال الدين المسيحيين اعتراضهم للفيلم وباتوا يروجون له مؤكدين ان مضمونه وجوهره لا يختلفان عما ورد في الكتب المقدسة عن نوح وسفينته التي بناها بأمر خالقه ليحمي عائلته والمخلوقات من الطوفان الذي أودى بحياة الطغاة.
اما علماء الازهر في مصر وغيرهم في الدول الاسلامية فما زالوا يطالبون بمنع عرض الفيلم في قاعات السينما، بدعوى أن تشخيص الأنبياء حرام بغض النظر عن صحة ودقة القصة. وقد تم منع عرض الفيلم في دول عربية واسلامية ومنها قطر، الامارات، البحرين واندونيسيا.
ولكن عندما قابلت نجم الفيلم راسل كرو الذي يجسد النبي نوح، قال لي انه لم يكن يعلم ان نوح كان نبياً عند المسلمين، مؤكدا انه لم يقصد ان يستفز مشاعر اي شخص مسلم أو آخر،’أنا كممثل حاولت ان اركز على ان نوح كان فردا كغيره من البشر وليس سوبرمان’. ويقول كرو ‘بالنسية لي، مسيرة هذا الشخص هي أهم من القصة، فهو يواجه مهمة ضخمة وهذه مسؤولية صعبة. لانه بعد ان يقوم بواجبه عليه ان يفكر بنتيجة فعله. هو انقذ الانسانية والمخلوقات الاخرى من الفناء ولكن الكثير من الابرياء لقوا حتفهم في الطوفان لانه لم يسمح لهم بالصعود على متن سفينته. ولهذا يعيش بقية حياته معذبا بشعور الاثم’.
وهذا ما هو واضح في الفيلم. نوح لا يظهر كنبي ذي قوى خارقة وانما كرجل عادي يحاول ان يحمي عائلته من الهلاك بالطوفان. هناك مشاهد قليلة نراه يتكلم مع ربه وفي بعض المشاهد نرى سفينته تعج بالحيوانات والطيور ولكن الجزء الاكبر من الفيلم يدور حول علاقة نوح مع زوجته وابنائه. وليس هناك بعد ديني لهذا الفيلم الذي لا يختلف كثيرا عن افلام هوليوود الخيالية المليئة بالمؤثرات الخاصة والبصريات المدهشة.
وفي مقابلة اخرى اجريتها مع مخرج الفيلم، دارين اورونوفسكي، قال لي ان قصة نوح هي اسطورة مثل اساطير اليونانيين القدماء، وان ما عرضه في فيلمه ليس سرداً حرفياً لما ورد في الكتب المقدسة عن نوح وانما تفسير للقصة يلائم هذا العصر. .’اختيار ممثل استرالي ابيض يتكلم باللغة الانكليزية ليجسد شخص نوح هو تفسير لمشاهدين معاصرين في القرن الـ 21′.
والجدير بالذكر أن اورونوفسكي علماني نشوئي، يؤمن بنظريات داروين التي اساسها ان اصل البشر هو من حيوانات مائية تطورت عبر ملايين السنين وليس من آدم وحواء كما ذكر في الكتب المقدسة. ‘لو عرضت نظرية النشوء للناس في زمن ما قبل 2000 سنة لانفجرت عقولهم. انها نظرية معقدة يصعب استيعابها حتى على الشخص المعاصر ولذلك كانت نظرية خلق الكون في ستة ايام حسب الكتب المقدسة كانت منطقية في ذاك الوقت. طبعا نحن تطورنا علميا وعرفنا ان الارض مستوية وان الشمس ليست ثابتة واننا نقطة ضئيلة في هذا الكون الشاسع’.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يقوم مخرج ملحد بصنع فيلم عن نبي مقدس؟ ‘صحيح من وجهة نظر ملحد هذه القصة غير منطقية’. يعترف اورونوفسكي. ‘كيف ممكن ان تحشد كل هذه الحيوانات في سفينة؟ ولكن الفيلم ليس عن هذا الموضوع. ويجب علينا ان لا نضيع وقتنا بالتساؤل اذا كانت هذه قصة حقيقية ام لا. المهم هنا ان هذه اسطورة عظيمة تربط الانسانية كلها بغض النظر عن الانتماء العقيدي. انها تحذرنا باننا سوف نعاقب اذا استمرينا بقتل بعضنا البعض وبتدمير الارض والبيئة. وهذا يتعلق بما يحدث في هذا العصر’.
كرو الذي ليس أكثر تدينا من مخرجه، يوافق معه قائلا بحماس: ‘انا لا أرى إلا نتائج ايجابية من تحفة فنية مثل هذا الفيلم. انه يلهم نقاشاً في مواضيع مهمة مثل الروحانيات، الحفاظ على البيئة، احترام الارض وعلاقتنا مع الحيوانات. هذا هو هدف الفن. قصة نوح هي نسيج يربط كل البشر ودياناتهم وتعبر عن تجربة انسانية مشتركة ولهذا كان سهلا أن افهم واجسد دور نوح’.
هذا هو التجسيد الذي اثار اعتراض علماء الدين لعرض الفيلم. الحقيقة هي انني لم اتخيل ان كرو كان نوحا عندما قابلته كما لم اتخيل انه كان القائد الرومي الذي جسده في فيلم ‘غلادييتر’ او روبين هود الذي جسده في فيلم ‘روبين هود’. العاقل يعرف ان الممثل لا يحل محل الشخص الذي يمثله، وبالتالي فان خوف علماء الازهر على ان الناس سوف يظنون ان راسل كرو هو النبي نوح لا محل له.
ان حرية التعبير والتفكير هي سبيل التقدم والازدهار وبدونه يسود الجهل والرجعية في المجتمعات، كما حصل لاوروبا في العصور الوسطى عندما كانت تعيش تحت وطأة وسلطة الكنيسة الكاثوليكية التي منعت كل انواع الابداع، بينما كان المسلمون في قمة الازدهار الفني والعلمي. أما الان فالمسلمون وقعوا في ظلام التخلف لأنهم يعيشون تحت وطأة أفكار رجال دين رجعيين او سلطات حكومية تقرر لهم ما يفعلون وكيف يفكرون وكأن الناس خراف وهم رعيانها.
ربما لا نوافق اورونوفسكي وكرو الرأي ولكن من حقنا ان نشاهد اعمالهم الفنية ونناقشها بدلا من مقاطعتها. هدف الفنان ليس ارضاء الجميع وانما عرض وجهة نظرة خاصة تجاه مواضيع مختلفة تخالف احيانا آراء الاخرين. اذا عارضته فمن حقك ان ترد عليه بالكلمة او بالصورة ولكن ليس لك الحق بان تفرض رأيك على غيرك.
طالما أننا لم ندرك أن الممثل يمكن أن يقوم بأي دور فهي مشكلتنا وضحالة تفكيرنا ، وليست مشكلة هذا الفنان أو ذاك. فليمثل الفنان أي دور ، وليجسد أية شخصية بلا تحفظ ، ولتفتح أبواب الحرية لمناقشة كل شيء بالعقل بلا حدود لربما نتخلص من هذه القيود الثقيلة التي تصفد عقولنا وتفكيرنا وتمنعنا من التفكير بنوح وموسى (عليهم السلام) وحتى فرعون الذي يسبه البعض على لسان ما قالته بني إسرائيل ونقله القرآن مع أن 14 مليون مصري ما زالوا يعيشون على موائد الفرعون من خلال ما خلفه من آثار حتى اليوم..! فليجسد الممثل كل شيء وكل شخصية مهما تكن على الإطلاق ، فلا يوجد شيء مقدس في الكون أكثر من الإنسان الذي يجب أن يخدمه الدين وسيرة الأنبياء بدون رتوش .
إن حرية التعبير والتفكير هي سبيل التقدم والازدهار وبدونه يسود الجهل والرجعية في المجتمعات، كما حصل لاوروبا في العصور الوسطى عندما كانت تعيش تحت وطأة وسلطة الكنيسة الكاثوليكية التي منعت كل انواع الابداع، بينما كان المسلمون في قمة الازدهار الفني والعلمي. أما الان فالمسلمون وقعوا في ظلام التخلف لأنهم يعيشون تحت وطأة أفكار رجال دين رجعيين او سلطات حكومية تقرر لهم ما يفعلون وكيف يفكرون وكأن الناس خراف وهم رعيانها.
(هذا حقا ما نحن فيه اليوم .. لقد تم تدجيننا وتهجيننا بالفعل. وتعليقات القراء الكرام أعلاه، خير دليل شاهد على ذلك) …
أشيد بتنويه السيد (دارين اورونوفسكي) في مسألة كيف أن السفينة أنقذت الأجناس الحيوانية كلها. ؟؟
معلوم أن عدد الأجناس الحيوانية أكبر من أن تحملها سنينة واحدة..
أشير أن هناك الكثير من العلماء الذين قالوا أن الطوفان لم يعم كل الأرض و إنما منطقة قوم سيدنا نوح فقط… و بذلك ربما يكون نوح عليه السلام أنقذ حيونات تلك المنطقة فقط..