قانون يهودية إسرائيل بين السياسة والديموغرافيا

شهدت الهجرة اليهودية إلى إسرائيل انخفاضا حادا بلغ حوالى (40) في المائة خلال العام الماضي 2020، بسبب القيود الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، حسب أرقام رسمية إسرائيلية؛ وأظهرت الأرقام التي تمّ الكشف عنها، أن حوالي (21) ومائتي يهودي هاجروا إلى إسرائيل عام 2020 مقارنة بحوالي (33) ألف وخمسمائة خلال السنة السابقة، في تراجع تصل نسبته إلى (38) في المائة .
تم تسجيل أكبر انخفاض في الهجرة اليهودية إلى إسرائيل بين الوافدين الجدد من روسيا الذين تراجع عددهم من أكثر من 15 ألفا عام 2019 إلى 6260 في 2020 في حين بقيت الأرقام المتعلقة بفرنسا نسبيا ثابتة. وفي ظل احتمالات نضوب الهجرة اليهودية؛ خاصة من دول يتركز فيها عدد كبير من يهود العالم؛ برزت إلى الأمام وبقوة أسئلة حول أبعاد إصدار قانون يهودي «إسرائيل» خلال عام 2018.

فوبيا نضوب الهجرة

سلطت غالبية البحوث والمقالات التي تصدت لتداعيات «قانون يهودية إسرائيل «الصادر في عام 2018 على مستقبل الأقلية العربية في وتهميشها في كافة المجالات، وعلى اللاجئين الفلسطينيين، ومستقبل القرار 194.
ولم يتم إلقاء الضوء لا من قريب ولا من بعيد على أثر تلك الفكرة على البعد الديمغرافي، المتمثل أساساً في مستقبل الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة. وفي هذا السياق يستغل قادة «إسرائيل» كافة المناسبات للتأكيد على أهمية جذب المزيد من يهود العالم إلى فلسطين المحتلة، إذ تعد الهجرة اليهودية من أهم ركائز استمرار «إسرائيل» ككيان استثنائي في المنطقة.
وهناك أسباب كامنة لنضوب الهجرة اليهودية، أو على الأقل تراجعها بشكل كبير ولافت مقارنة بعقد الستينيات والتسعينيات من القرن المنصرم. وثمة أسباب أدت إلى تراجع الهجرة اليهودية في مقدمتها، تراجع عوامل الطرد لليهود من بلادهم الأصلية، فضلا عن تراجع عوامل الجذب المحلية.
وقد عقد في «إسرائيل» خلال الفترة بين السنوات (2000- 2019) تسعة عشر مؤتمراً استراتيجياً في هرتسيليا، وأكد المؤتمرون في توصياتهم على ضرورة إعطاء الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة أهمية فائقة، نظراً لتراجع موجات الهجرة اليهودية، خاصة بعد انتفاضة الأقصى، في مقابل الزيادة الطبيعية المرتفعة بين العرب داخل حدود فلسطين التاريخية. وتبعا لذلك، ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أهمية تهيئة الظروف المختلفة لجذب المزيد من يهود العالم إلى الأراضي العربية المحتلة لتحقيق التفوق الديموغرافي على العرب في حدود فلسطين التاريخية في المستقبل، وانصب الاهتمام الإسرائيلي على محاولة جذب يهود الهند والأرجنتين، بعد أن واجهت «إسرائيل» أزمة هجرة خلال سنوات انتفاضة الأقصى من جهة، وجفاف الهجرة من الدول ذات مؤشرات التنمية البشرية المرتفعة مثل أمريكا وكندا وبريطانيا، من جهة أخرى.
ومن الأهمية الإشارة إلى أن الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة تعتبر حجر الزاوية لاستمرار «إسرائيل» كدولة غير طبيعية، حيث للعنصر البشري اليهودي دور محوري.
وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى أن الحركة الصهيونية استطاعت جذب نحو 650 ألف مهاجر يهودي حتى أيار-مايو من عام 1948، وبعد إنشاء دولة «إسرائيل» في العام المذكور، عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على اجتذاب مزيد من المهاجرين اليهود، ليرتفع مجموع اليهود تدريجياً في إسرائيل والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بما فيها القدس.

الرحلة المعاكسة

تشير دراسات إلى أنه قد هاجر من فلسطين المحتلة نحو 20 في المئة من اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل بعد إنشائها عام 1948شنتيجة عدم قدرتهم على التلاؤم مع ظروف مختلفة عن بلد المنشأ في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها.
وتعتبر الفترة (1948-1960) وكذلك الفترة (1990-2000) من الفترات الذهبية لجذب مهاجرين يهود في اتجاه فلسطين المحتلة، حيث ساهمت الهجرة خلال الفترتين بنحو 65 في المائة من إجمالي الزيادة اليهودية. ونتيجة عوامل النمو السكاني، المتمثلة بالهجرة اليهودية والزيادة الطبيعية؛ وصل مجموع اليهود في إسرائيل وفي المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما فيها القدس حتى أيلول- سبتمبر من العام الماضي 2020 إلى ستة ملايين و(841) ألف يهودي حسب معطيات مكتب الإحصاء الإسرائيلي .
وثمة قلق يساور المؤسسة الإسرائيلية، ومرد ذلك استعداد مستمر لنحو (40) في المئة من الشباب اليهود في «إسرائيل» للهجرة المعاكسة، فضلاً عن إخفاء وزارة الهجرة والاستيعاب أعداد اليهود الإسرائيليين الذين هاجروا إلى خارج «إسرائيل».
وثمة دراسات أشارت إلى أن هناك 400 ألف يهودي إسرائيلي لن يعودوا إلى «إسرائيل» لاسيما أن أغلبيتهم يحملون جنسيات دول أخرى في العالم وخاصة الأمريكية والأوروبية منها.
وتبعا لأزمة الهجرة اليهودية، بفعل تراجع العوامل الجاذبة، ستسعى المؤسسة الإسرائيلية بالتعاون والتنسيق مع الوكالة اليهودية إلى تمويل حملة كبيرة ومنظمة في المستقبل، لجذب نحو 200 ألف من الأرجنتين، وعدة آلاف من يهود الفلاشا في أثيوبيا، فضلاً عن محاولات حثيثة لاجتذاب نحو 80 ألفاً من يهود الهند وجنوب أفريقيا، هذا في وقت باتت فيه أبواب هجرة يهود أوروبا وأمريكا الشمالية في حدودها الدنيا بسبب انعدام عوامل الطرد منها.

تهويد الزمان والمكان

وتجدر الإشارة إلى أن يهود العالم يتمركزون بشكل رئيسي في الولايات المتحدة، فمن بين 13 مليون يهودي في العالم خلال العام الحالي 2021، هناك 5,5 مليون يهودي في الولايات المتحدة.
ويبقى القول بأن إسرائيل تسعى بشكل دؤوب إلى ترسيخ قانون يهودية «إسرائيل» على الأرض من خلال تهويد الزمان والمكان في فلسطين، سعياً لتهيئة ظروف أكثر جذبا ليهود العالم في اتجاه فلسطين المحتلة، لأن الهجرة اليهودية هي العامل الحاسم لقلب الميزان الديموغرافي لصالح اليهود في المدى البعيد، وهذا يعتبر بحد ذاته الهدف الأسمى لقوننة فكرة يهودية إسرائيل عام 2018.

كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية