قبضة النظام السينمائي الأمريكي… البداية من «الرجل العنكبوت»!

عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول عام 2001 قامت شركة سوني، إحدى الشركات الإنتاجية العملاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، بسحب فيلم الرجل العنكبوت من دور العرض السينمائية، تنفيذاً لقرارات الإدارة الأمريكية الصادرة حينئذ بشأن الأفلام التي تتضمن بعض مشاهد العنف، ولأن الفيلم المذكور احتوى على مشهد مهم، يظهر فيه عملاق ضخم وهو ينسج خيوطه العنكبوتية بين برجي مركز التجارة العالمي، في محاولة لتدميرهما، فقد اعتُبر ذلك بمثابة محاكاة للحادث، أو تجسيداً له، فجرى التعجيل برفعه من دور السينما، ومنع مشاهدته، في حين أن الفيلم كان يعكس رؤية ساخرة من جهاز المخابرات الأمريكي ووزارة الدفاع (البنتاغون). ويشبه الذين قاموا بتدبير الحادث وتدمير مركز التجارة، بالعملاق الذي امتلك قوة خارقة مكنته من التسلل إلى المبنى وتنفيذ خطته بنجاح، في غفلة من الحراسة المشددة.

«رجال متشحون بالسواد»

ويتهكم الفيلم على الإدارة الأمريكية، ومزاعم التفوق التخابري، بما يُثير الضحك ويحول الفيلم المأساوي إلى فيلم كوميدي، ولم تقتصر إجراءات الشركة المنتجة تجاه فيلمها المهم على المصادرة، بل أعلنت اعتزامها في تلك الأثناء القيام بتغيير مشهد النهاية في الجزء الثاني من فيلم «رجال متشحون بالسواد» الذي يظهر فيه أيضاً مركز التجارة العالمي حتى لا يتذكر الجمهور الأمريكي، الفاجعة التي حدثت في الحادي عشر من سبتمبر المشؤوم، حسب وصفهم.
واستمراراً لسيناريوهات الحذف والإضافة، وإعمال القص واللصق في الأفلام المُنتمية للنوع نفسه، جرت عملية مماثلة لفيلم «آلة الزمن» المأخوذ عن رواية الكاتب الأمريكي إتش جي ويلز، لأن المشهد الأول في الفيلم يصور سقوط حجر ضخم من القمر على مدينة نيويورك، فيحولها إلى ركام.

ومن دلائل الرعب الذي بلغ ذروته لدى القائمين على صناعة السينما في أمريكا، أن الأزمة امتدت إلى الأفلام الكوميدية، ولم تقتصر فقط على أفلام الأكشن، حيث شملت التعليمات التي صدرت بخصوص الأفلام الحاوية مشاهد عنف، بضرورة تأجيل عرض فيلم «عصابات نيويورك» لمجرد أن أحداثة تدور في حي منهاتن، الذي وقع فيه الحادث الجلل لتدمير مركز التجارة العالمي الشهير.
ولم يُستثن من الاحتياطات الأمنية المُضطربة في تلك الفترة، إلا فيلم واحد هو»أيها الموت اللذيذ تعالى» للمخرج النمساوي الأصل فولفغانغ مورنمير غرز، فقد تم عرضه في ثلاث مُدن ألمانية، رغم مخاوف الشركة المنتجة من أن يؤثر عنوانه سلباً على إقبال الجمهور للمشاهدة، وقد جاء عرض هذا الفيلم بالتحديد لمواجهة الرعب الذي كان مسيطراً على نسبة كبيرة من الشعب الألماني، كمحاولة لتغيير الفكرة العامة التي رسختها الولايات المتحدة الأمريكية لتثبيت مبدأ الخوف، ولكن نجح المخرج الألماني أولفربرين في مناهضة الفكرة المريضة، حسب وصفه لها آنذاك، وأصر على عرض فيلمه «ساس» متحدياً أجواء الرعب والهلع، وكانت أحداث الفيلم تدور حول عالم العصابات والأشكال المتطورة من الجرائم.

حظر سينما الأكشن

ويأتي إصرار المخرج على عدم تغيير نمطه السينمائي والإذعان للأوامر الأمريكية، مُترجماً لقناعته الشخصية بأن الخضوع لحظر سينما الأكشن هو نوع من الاستجابة لتهديد الإرهاب، وتغيير لشكل الحياة العامة برمتها وليس السينما فحسب، وهو ما رفضه أولفربرين رفضاً قاطعاً.
ومن دواعي التحول عن سينما العنف بعد أحداث 11 سبتمبر، النجاح الكبير الذي حققه الفيلم الرومانسي الكوميدي «بريد حيت جونز دياري» والإيرادات المذهلة التي حققها عند عرضه في بريطانيا عقب عملية الهجوم والتدمير بعدة أسابيع.
وعلى مستوى المواد التلفزيونية ظهر التأثر بالأزمة واضحاً تمام الوضوح، فقد دفع الخوف الشبكات التلفزيونية كافة في ألمانيا إلى الاستجابة للتحذيرات الأمريكية، بالعمل على تغيير خرائطها البرامجية، حيث استبدلت البرامج الوثائقية بالبرامج الترفيهية، ما تسبب في خسارة مالية فادحة، غير أن عملية التغيير البرامجي، أزعجت المشاهدين الألمان، كونها لم تتم بشكل تدريجي، وإنما حدثت بشكل مفاجئ وسريع، بخلاف أنها جاءت على حساب الأولويات في المتابعات الإخبارية، فعزلت الجمهور الألماني عن ما يحدث في العالم كله.

الابتعاد عن الترويج للعنف

ورغم تكهنات كبار الإعلاميين الألمان في حينه حول انقضاء فترة الحظر بسرعة، إلا أن ما حدث بالفعل كان على عكس ذلك، فقد امتدت فترة الحظر لمدة طويلة، وصدرت الأوامر المشددة لمديري المحطات الفضائية بعدم السماح، لأي مُصنف فني مخالف للتعليمات الجديدة بالعرض، وأن أي مخالفة في هذا الصدد ستكون عواقبها وخيمة، وبناءً على ذلك قامت شركات الفيديو بإحداث تغييرات جذرية في بعض منتجاتها الفنية، فمن جانبها أجلت شركة «بي إم جي» طرح الجزء الثالث من فيلم «اضطراب» في الأسواق، لاعتقادها بأنه يتشابه مع الأحداث التي جرت وراح ضحيتها عدداً من أصدقائها الأمريكيين، فأحداث الفيلم المذكور تدور حول قصة اختطاف طائرة مدنية من قبل بعض الإرهابيين، وهو ما اعتبرته شركة الفيديو قريب الشبه بأحداث التدمير الأمريكي وآثرت الابتعاد عن شبهات الترويج للعنف.
هكذا فرضت الولايات المتحدة الأمريكية نفوذها السياسي على معظم الدول بما فيها الدول الصديقة والحليفة واستطاعت تنفيذ أجندتها الثقافية والسينمائية عبر مؤسساتها الإنتاجية، ومؤسسات الدول الأخرى التي انصاعت للأوامر، لتُثبت أمريكا بذلك أنها صاحبة السيادة في الواقع المُعاش والخيال الافتراضي!

كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية