الناصرة- “القدس العربي”: يستعرض محللان إسرائيليان التحديات التي توجه المعسكرين المتصارعين على الحكم في إسرائيل، قبيل انتخابات مبكرة خامسة، ستجري يوم الثلاثاء القريب. ويدعو ثالث العرب للمشاركة بقوة، ليس لإنقاذ لبيد، بل لتغيير سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وسط استغلال حال التعادل بين الخصمين المتنافسين نتنياهو ولبيد.
ويقول عوفر حداد وعميت سيغل، في مقال مشترك نشره موقع القناة العبرية 12، إن زعماء الأحزاب الإسرائيلية هم الآن في الأشواط الأخيرة من حملتهم الانتخابية، قبل يوم الاقتراع. ويرجحان أن التحديات التي يواجهها لبيد أكثر تعقيداً من تلك التي يواجهها نتنياهو. وبرأيهما هذا هو المطلوب من لبيد للبقاء في رئاسة الحكومة: أولاً، قطع الطريق على نتنياهو من الوصول إلى 61 مقعداً من بين 120، عدد مقاعد البرلمان الصهيوني (الكنيست). ثانياً، الاقتراب، بقدر من الممكن، من أن يكون الحزب الأكبر في الكنيست. ثالثاً، تقليص قوة غانتس، بقدر الممكن، كي لا يصبح بديلاً من نتنياهو. والمعادلة هي: أن يكون أكبر من غانتس بقدر المستطاع، وأقل بقليل من نتنياهو. وينبهان إلى أنه داخل هذه المعادلة هناك عدة أمور مجهولة ولا يمكن ضبطها. هناك ثلاثة أحزاب في التكتل في منطقة الخطر، يحظى كل منها الآن، وفق الاستطلاعات، بخمسة مقاعد: حزب العمل، وحركة ميريتس، وحزب إسرائيل بيتنا. وسقوط أحد هذه الأحزاب تحت نسبة الحسم يمكن أن يفتح الطريق أمام نتنياهو لتأليف الحكومة. ويضيفان: “يوحي لبيد بأن كل الأحزاب هي في مكان مضمون فوق نسبة الحسم، لكن الحركة حادة جداً، ومن الممكن أن يدفع هو الثمن”.
يشار إلى أن لبيد ينتقل في الساعات الأخيرة للسعي الحثيث للحفاظ على معسكره ومحاولة ضمان عدم سقوط أي من الأحزاب المؤيدة له، بينما نتنياهو يصّب جهوده في هذه الساعات بتقوية حزبه “الليكود”، بعدما تراجعت قوته لصالح الحزب العنصري الفاشي المتطرف “الصهيونية الدينية”، برئاسة باتسلئيل سموطريتش وايتمار بن غفير، الذي بات الحزب الثالث في إسرائيل.
ويعتقد عوفر حداد وعميت سيغل أن هناك متغيّراً آخر أكثر دراماتيكية بالنسبة إلى لبيد: أصوات العرب (15% من أصحاب حق الاقتراع)، فإذا تمسك بتصريحاته برفض إشراك تحالف الجبهة/ التغيير برئاسة أيمن عودة وأحمد الطيبي، فإنه لن يتمكن من تشكيل ائتلاف. مع ذلك، يجب عليه أن يتأكد من أن تحالف الجبهة/ التغيير، وأيضاً “القائمة العربية الموحدة” برئاسة منصور عباس، سيجتازان نسبة الحسم، ويساعدان على تشكيل كتلة مانعة ضد نتنياهو.
ويتابعان: “هذا الأسبوع وصل لبيد إلى الناصرة في زيارة محسوبة جداً: من دون تصريحات، ومن دون بث مباشر، ومن دون مرافقين كثر. فقط من أجل إظهار وجوده، ومن أجل إعطاء الصوت العربي الإحساس بأنه لا يزال في اللعبة. حالياً، 46% فقط من الناخبين العرب يعلنون نيتهم الاقتراع في يوم الثلاثاء. وهذه نسبة قليلة جداً بالنسبة إلى لبيد، فهو بحاجة إلى ما بين 50% -55% لا أكثر، من أصوات المجتمع العربي، كي لا يعرّض ميرتس وحزب العمل للخطر، وكي لا يساعد نتنياهو. لبيد بحاجة إلى المناورة مع الصوت العربي، من دون أن يثير حملة ضده في الجانب اليهودي”.
في المقابل، يقول عوفر حداد وعميت سيغل إنه قبل أيام قليلة من الانتخابات، أمام نتنياهو العديد من التحديات السياسية من أجل الاقتراب من تحقيق أهدافه، وهذه التحديات الثلاثة الأساسية:
إنهاء الخلافات داخل المعسكر المؤيد له: يستعد معسكر نتنياهو للانتخابات بصورة مثلى؛ أربعة أحزاب، واتفاقان على توزيع الفائض من الأصوات، لكل منها جمهور مختلف. وكل شيء سار على ما يرام حتى الأسبوع الماضي، حين وقعت مجموعة حوادث لا علاقة بينها ظاهرياً: من الصور في قرية حباد، التي رفض فيها نتنياهو الجلوس على منصة واحدة مع ايتمار بن غفير، تحاشيا لمنحه المزيد من القوة والشرعية واستفزاز الناخبين العرب، مروراً بإنشاء بن غفير مكتباً لليهود المتزمتين (الحريديم)، والذي من شأنه إثارة خلافات مع حزبي “الحريديم”، وهما “شاس” و ” يهودات هتوراة”، وصولاً إلى تسجيلات باتسلئيل سموطريتش الذي سمع يهاجم نتنياهو وينعته بـ “الكذاب ابن الكذاب”.
ويقول المحللان الإسرائيليان إن القاسم المشترك بينها معارك داخلية بين المعسكرين المتصارعين، فنتنياهو قلِق من صعود بن غفير، وسموطريتش يريد أكبر حقيبة وزارية، الحريديم يتخوفون من حزب “الصهيونية الدينية”. وهذا كله ليس جيداً بالنسبة إلى نتنياهو، في وقت يحاول الحصول على نصف، مقعد يحتاج إليه من الخارج، وفق ما تفيد به الاستطلاعات.
التحدي الثاني معروف، برأيهما: ناخبو الليكود الذين ظلوا في منازلهم ولم يشاركوا في جولات انتخابية سابقة، وهذه المرة المقصود جزء صغير، لكنه مهم جداً، ناخبو حزب يهدوت هتوراه خائبو الأمل. ويوضحان أن انضمام يهدوت هتوراة لمعسكر نتنياهو منذ سنوات كثيرة البلوك لم ينجح في سد الفجوة القائمة بين حركتي الحسيديم وبين الليتوانيين (حركتان حريديتان). ويتابعان: “لاحظ المراقبون أنه في الانتخابات الأخيرة، وعلى الرغم من الزيادة الطبيعية، فإن حزب يهدوت هتوراه تراجع إلى 6 مقاعد، وحصل على السابع، فقط بفضل اتفاق توزيع الفائض في الأصوات. نتنياهو أجرى سلسلة مقابلات مع وسائل إعلام حريدية من أجل تشجيعهم على الاقتراع”.
التحدي الثالث هو المعضلة الأكثر تعقيداً: إذا لاحظتم كيف توقف الليكود نهائياً عن مطالبة وزيرة الداخلية أييلت شاكيد بالتنحي، وتوقف نهائياً عن التعامل معها. استطلاعات الليكود، مثل استطلاعات القناة 12 الإخبارية، تُظهر أن تنحّيها لا يغيّر خريطة المعسكرين المتنافسين، وهنا المعضلة: هناك من جهة، عشرات آلاف الأصوات التي يمكنها أن تجعل الليكود يحصل على ربع مقعد، وكل شيء يتغير. ومن جهة ثانية، إذا أدى تنحّيها فعلاً إلى عدم مشاركة جزء كبير من الناخبين، فإن نسبة الاقتراع ستنخفض، ومعها نسبة الحسم ببضع مئات من الأصوات، وهذا يمكن أن ينقذ أحد الأحزاب العربية المتأرجحة، والتي يريد لها نتنياهو السقوط، كي يؤمن عودته للحكم”.
في المقابل تتصاعد الدعوات المختلفة لتحريك الشارع العربي وتشجيع العرب على المشاركة في الاقتراع، لأن الاستطلاعات تتنبأ بأن تتراجع نسبة تصويتهم إلى أدنى مستوياتها (نحو 40% فقط) نتيجة عدة عوامل منها الغضب على القوائم العربية التي فككت القائمة المشتركة، القائمة الوحدوية، خيبة الأمل من “حكومة التغيير”، وسيادة مزاج بأنه لا أمل بالتغيير، ولا فرق بين يمين ويسار صهيوني في إسرائيل، علاوة على الاشمئزاز من غطرسة الاحتلال وجرائمه في الضفة الغربية المحتلة، وغيرها من العوامل. هذه الحالة تعني أن القوائم العربية الثلاث تصارع على البقاء، خاصة “التجمع الوطني الديموقراطي” برئاسة سامي أبو شحادة، الذي تتنبأ له الاستطلاعات عدم تجاوز نسبة الحسم (3.25%)، بينما تتأرجح قائمة الجبهة/التغيير، وكذلك “الموحدة”.
وعلى خلفية ذلك يتساءل الصحفي اليساري الإسرائيلي جدعون ليفي؛ لماذا على العرب المشاركة في التصويت من منطلق التشكيك بجدوى هذه المشاركة، بالإشارة إلى أن الدولة ليست دولتهم، ولا النشيد الوطني نشيدهم، بالإضافة إلى قانون القومية الذي يحولهم إلى ضيوف في وطنهم. ويتابع، في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”: “الانتخابات ليست لهم، وكذلك الكنيست والأحزاب اليهودية، التي تهرب منهم كأنهم مرض مُعدٍ. وإذا كان لا بد من مشاركتهم في الانتخابات، فهذا من أجل مستقبلهم البعيد جميعاً، بين البحر والنهر، لكن ليس لإنقاذ اليسار الصهيوني من فشله. فهو لا يستحق”.
وضمن حملته على اليسار الصهيوني، يقول إنه منافق ويعتمر قناعاً، وإنه تذكر العرب الآن فقط كما تذكر في الخمسينيات من القرن الماضي سكان المعسكرات التي شيدت للمهاجرين اليهود الشرقيين بالأساس. ويتابع ساخراً: “وهذا لطيف. ولكن وقاحة هذا المعسكر لا تتوقف عند التذكُّر المتأخر، بهدف إنقاذ نفسه، بل هو أيضاً يهدد وينظّر أخلاقياً. إن لم تأكلوا بالشكل الصحيح، سيأتي الشرطي. يائير لبيد، صديق الشعب الفلسطيني، والعرب في إسرائيل، وبصورة خاصة “أتباع حنين الزعبي”، هددهم بالأمس في الناصرة بأنه “إذا لم تخرجوا للتصويت، عليكم أن تعرفوا أن ما حصلتم عليه في العام الماضي سيؤخذ منكم”. وباستعلاء استعماري، لم يذكر ما الذي “حصلوا عليه خلال العام الماضي” بالضبط. هل نسيتم الكرات البلاستيكية الملونة التي رُميَت عليكم؟ باستثناء ذلك، من الصعب أن يتذكروا تحسُّناً واحداً طرأ على حياتهم، واحترامهم، أو حقوقهم، من الممكن أخذه منهم”.
ويؤكد ليفي أنه في عالم مثالي، يجب على كل مواطن عربي الامتناع عن المشاركة في الانتخابات، حتى يحصل أخوه الرازح تحت سلطة حكم إسرائيل في المناطق الفلسطينية المحتلة على حق التصويت. هذا المستوى من التضامن والتضحية ليس واقعياً. ويضيف: “العرب في إسرائيل يريدون التأثير في مصيرهم ومستقبلهم. عندما كانوا في ذروة قوتهم وحصلوا على المقاعد الـ 15 الأسطورية للقائمة المشتركة، كان يعتبر أن عدد أعضاء كنيست هو 105 عملياً. لم يحتسب أحد الـ 15 من القائمة المشتركة. ومنذ ذلك الحين، انخفضت قوتهم من دون أن يتراجع إقصاؤهم، باستثناء تجربة منصور عباس، التي أشك في أنها نجحت أصلاً”.
ويلفت ليفي إلى أنه لا يوجد، ولن يكون هناك أحزاب عربية صهيونية، آملاً أن يصوّت أقل وأقل من العرب للأحزاب اليهودية: لا يوجد شيء هناك إلا الإذلال. مكانهم في الأحزاب غير الصهيونية، على أمل أن تعبر القوائم الثلاث نسبة الحسم. من أجل هذا، وفقط لهذا السبب، عليهم أن يخرجوا للتصويت. ويضيف: “بعدها، علينا أن نأمل بأن يقوم ممثلوهم بردّ الصاع لليسار الصهيوني على أفعاله طوال سنوات، وأن يوضحوا أن انضمام العرب إلى الائتلاف يتطلب تغيير الطريق جذرياً، أولاً في المعسكر الصهيوني”.
ويخلص ليفي خائب الأمل من اليسار الصهيوني، المحسوب هو عليه، للقول: “عندما يهدد اليسار- الوسط العرب بنتنياهو وإيتمار بن غفير، يجب ألا يشعر العرب بالخوف من تهديداتهم. رأينا “حكومة التغيير” في حملاتها الإجرامية داخل الضفة الغربية، ورأينا حربها على الإجرام في المجتمع العربي. هذا المعسكر كان سيئاً بالنسبة إلى الفلسطينيين والعرب في إسرائيل، لدرجة أنه لا يملك أي حق في تحذيرهم من الأسوأ منه”.