أعلنت السكرتير الصحافي في البيت البيض سارة ساندرز بقاء مجموعة صغيرة من الجنود الأمريكيين في سوريا، وأضافت ان مهمة “المجوعة الصغيرة هي حفظ السلام” وقوامها 200 جندي.
وأفاد مصدر مقرب من فريق المبعوث الرئاسي الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري والذي يشغل منصب المبعوث الأمريكي إلى التحالف الدولي لمحاربة “داعش” أيضا عوضا عن المستقيل بريت ماكروك، أن “واشنطن لن تغادر قاعدة التنف وستحافظ على تواجدها هناك، إضافة إلى البقاء في منطقة شرق نهر الفرات”. وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه في حديث إلى “القدس العربي” أن “بقاء الجنود الأمريكيين في القواعد العسكرية سيضمن بقاء قوات التحالف الدولي من الدول الأخرى وسيحفظ المنطقة من أي نشاط لخلايا التنظيم المهزوم”.
في السياق، رحب السيناتور الأمريكي عن الحزب الجمهوري ليندسي غراهام بالقرار الجديد للرئيس ترامب واعتبر أنه “سيساعد على ضمان عودة داعش وسيمنع إيران من التحرك لملء الفراغ ولن يكون هناك صراع بين تركيا والقوات الكردية” وأضاف في حديث إلى شبكة “سي ان ان” الأمريكية، يوم الخميس الماضي، أن “القرار سيمنع وقوع كارثة على غرار قرار الانسحاب من العراق وسيحافظ على المكاسب التي حققناها في سوريا”.
ومن المرجح أن تحافظ القوات الأمريكية وبلدان التحالف الدولي الأخرى على قواعدها العسكرية كاملة في منطقة شرق الفرات، ويتوقع أن تطلب واشنطن من باقي دول التحالف إبقاء نحو 1800 مقاتل في الحد الأدنى وهو ما يعادل تعداد القوات الأمريكية الحالية والبالغة 2000 جندي. وبعد إعلان أمريكا القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” في آخر جيوبها في منطقة الباعوز شرق الفرات قرب الحدود العراقية السورية، ستتركز العمليات على ملاحقة خلايا التنظيم المتسربة هنا وهناك، إضافة إلى اقتصارها على العمليات الأمنية والاستخباراتية ومهام الاستطلاع مع دور كبير للطائرات دون طيار سواء لعمليات المراقبة أو عمليات استهداف الخلايا والأهداف. في حين ستغيب مقاتلات “الإف” الأمريكية عن سماء سوريا الشرقية.
ويشكل بقاء قوات “حفظ السلام” تلك دافعا للأوروبيين بعد استهجانها التخبط الأمريكي والقرارات المتضاربة حول الانسحاب الأمريكي المحتمل من سوريا والذي بلغ ذروته خلال تصريح وزير الخارجية الفرنسي على هامش مؤتمر ميونخ للأمن بأنها “لغز”.
ويعتبر القرار الأخير بمثابة تطمين كبير لوحدات “حماية الشعب” الكردية، التي خشيت على مصيرها بعد قرار الرئيس ترامب المفاجئ بالانسحاب الكامل والسريع للقوات الأمريكية من سوريا والذي أعلنه دون مشاورات مع فريقه في البيت الأبيض والذي أدى إلى استقالة وزير دفاعه جوزيف ماتيس واستقالة مبعوثه الخاص إلى التحالف الدولي بريت ماكروك.
إلى ذلك، سينعكس القرار على ملامح التطبيع التي بدأت بين “قوات سوريا الديمقراطية” و “مجلس سوريا الديمقراطية” مع النظام السوري وسيوقف رسائل الغزل للقادة الأكراد إلى النظام السوري نهائياً، والمطالبات للنظام السوري بنشر جيشه مع تركيا لصد أي هجمات محتملة.
ورحبت الإدارة الذاتية على لسان عبد الكريم عمر أحد مسؤولي العلاقات الخارجية بقرار الولايات المتحدة ابقاء 200 جندي أمريكي في سوريا بعد سحب القوات، وقال: “نقيم قرار البيت الأبيض بالاحتفاظ بمئتي جندي لحفظ السلام في المنطقة… إيجابيا”. معتبرا أن “القرار يشجع الدول الأوروبية الأخرى وخاصة شركائنا في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، أيضا للاحتفاظ بقوات في المنطقة”.
واعتبر عمر في حديث إلى “رويترز” أن “بقاء عدد من الجنود الأمريكيين وعدد أكبر من قوات التحالف وبحماية جوية، سيلعب دورا في تثبيت الاستقرار وبحماية المنطقة أيضا”. مشيرا إلى أن بقاء هذه القوات في هذه المنطقة، ريثما تحل ت الأزمة السورية سيكون “حافزا وداعما ووسيلة ضغط أيضا على دمشق لكي تحاول جديا أن يكون هناك حوار لحل الأزمة السورية” حسب تعليقه.
وفضلت كل من موسكو وطهران عدم استعجال اتخاذ موقف من قرار البيت الأبيض ببقاء الجنود الأمريكيين. في حين نقلت وكالات الأنباء التركية أجواء المكالمة الهاتفية بين الرئيسين التركي والأمريكي، وأشارت إلى أن اردوغان أكد مجددا خلال الاتصال على رغبة تركيا في مواصلة علاقاتها الوثيقة مع شريكها الاستراتيجي. وأشارت وكالة “الأناضول” إلى أن الرئيسين اتفقا على تنفيذ قرار الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، بما يتماشى مع المصالح المشتركة ودون الإضرار بالأهداف المشتركة.
في حين قال البيت الأبيض في بيان له إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره التركي رجب طيب اردوغان، اتفقا على مواصلة التنسيق فيما يتعلق بإنشاء منطقة آمنة محتملة في سوريا.
ولفت البيان إلى أن وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة باتريك شاناهان، ورئيس الأركان الأمريكي جوزيف دانفورد، سيلتقيان نظيريهما التركيين، في واشنطن، الأسبوع الجاري، لمناقشة نقاط إضافية في القضايا المذكورة. دون توضيح حول طبيعة المسائل التي ستناقش بين الجانبين والتي من المرجح أن يكون مصير منبج والانسحاب الأمريكي أبرزها.
ويأتي الإعلان الأمريكي الجديد كتراجع واضح عن قرار ترامب الانسحاب من سوريا، فسحب 1800 جندي والإبقاء على 200 فقط لا يغير بطبيعة المعادلة كثيراً من جهة قوة التواجد الأمريكي في سوريا خصوصا بعد هزيمة التنظيم بشكله القديم وطرده من مناطق سيطرته في شرق الفرات. فأمريكا ستنجح بسهولة بحشد الدول الأوروبية تحت مظلة التحالف الدولي من أجل منع إعادة ولادة تنظيم “الدولة” مرة أخرى. ويساعدها بذلك أن الانفاق العسكري سيتراجع كثيرا ويخفف من التزامات الدول الأوروبية، وأنها ستمسك بورقة ضغط جديدة من أجل عملية التسوية السياسية تضغط من خلالها حول مصير الأسد وانتقال جدي للسلطة في سوريا. إضافة إلى أن سيطرتها على المناطق النفطية الكبيرة سيخفف من الدعم المالي الملزم لها في مسألة “إعادة الاستقرار” حيث ستتمكن الإدارة المحلية من تمويل بناء البنية المحلية على مستوى بسيط وتقديم الخدمات الأولية من عائدات بيع النفط السوري إذا تسيطر على أكبر الحقول السورية في شرق الفرات (حقل العمر).
وتدرك طهران أن قرار التمديد الأمريكي وعدم الانسحاب موجه ضدها بشكل أساسي، فبقاء القوات الأمريكية في سوريا والحفاظ على قاعدة التنف ومنطقة الـ55 كم في محيطها سيبقي طريق بغداد – دمشق مغلقاً ويؤجل مشروع طريق طهران بيروت على المدى المتوسط.
لكن في المقابل فان روسيا وإيران ستلجآن إلى محاولة الاختراقات الأمنية في منطقة شرق الفرات والاعتماد على دور أكبر للعشائر التي استقطبتها إيران هناك في الشهور الأخيرة. وهو ما يبرز دور العشائر في المنطقة الشرقية مجددا لتستخدم كأداة دولية جديدة في الصراع. وهو ربما يفسر دعم تركيا لمؤتمر العشائر في منطقة “درع الفرات” او إعادة استقبال أحمد الجربا مرة أخرى في أنقرة بعد أن منع لسنوات من دخول تركيا.
انتهاء الصراع في شرق سوريا والمتمثل بالحرب ضد تنظيم “الدولة” سيأخذ شكلا مختلفا تماما هذه المرة. لكن كما اعتمد تنظيم “الدولة” على العشائر في سيطرته فانه لابد من الاعتماد عليها مجددا في حرب صراع النفوذ الدولية على ضفتي الفرات.