عمان ـ “القدس العربي”: قراءة سيناريو “فشل” الحراك الشعبي المعلن عنه بيروقراطياً ورسمياً على أساس لعبة الأرقام والفارق بين “العدد والنوعية” هو الأبعد عندما يتعلق الأمر بحلقات التتابع في تراكم الإحباط في المشهد الأردني المحلي عن الحكمة السياسية.
الرهان على سردية تقول سياسياً وأمنياً بأن عدد المتجاوبين من المواطنين مع إعلان التجمع مرة أخرى يوم 24 من الشهر الجاري عشية شهر رمضان المبارك قد لا يتجاوز العشرات هو رهان من لا يريد معالجة مزالق الاحتقان السياسي والاقتصادي الحقيقية في المجتمع.
المسألة لم تعد تتعلق بعدد الأشخاص الذين يقررون النزول إلى الشارع ولا بالقدرة البيروقراطية على احتوائهم بقدر ما تتعلق بصعوبة بالغة في إدارة أسباب ومعطيات بقاء التراكمات بصنفها الاحتقاني في مرحلة صعبة وحساسة يفترض أن يتفرغ فيها الجميع لشبكة تحديث المنظومة بتفرعاتها.
الموقف بهذا المعنى ملتبس إزاء حراك يوم 24 الوشيك المعلن والوصفة الأسهل للسلطات الحكومية هو التركيز فقط على عدد من يظهرون الميل للنزول إلى الشارع فعلاً والاعتراض بدلاً من مناقشة حيوية جوهرية لسقف الهتافات والمناطق الحمراء التي يصلها الغاضبون أو المحتجون والثوابت التي تسقط في الأثناء أو يتجرأ حراكيون على إسقاطها لأسباب متنوعة.
الحاجة ملحة أكثر للتركيز على النوعية في الإدارة والخطاب وتقديم شيء ما لشارع شعبي أو شعبوي تزداد الضغوط عليه ويصفه مسؤولون وموظفون في اجتماعات مغلقة بأنه “لا ولن يشبع”.
قد لا يكون الحراك قياساً بالظرف العالمي والإقليمي والوطني منصفاً الآن، لكنه ضروري جداً لأصحابه.
وبالمقابل، قد لا يكون الاعتماد فقط على القبضة الأمنية الخشنة في الاحتواء أو الاشتباك منصفاً للحراكيين، لكنه ضروري للدولة.
بين المفارقتين علق الجميع مجدداً، فيما يعزز معارض عميق ويملك في الخارج مساحة التباين عن تلك الميكروفونات المختصة بالبث السام فقط مثل جمال الطاهات، تلك القناعة التي تستنتج بأن الحديث عن عدم وجود حاضنة اجتماعية عريضة للمناضلين والمعترضين ينبغي أن يتوقف؛ لأنه لا ينطوي على حكمة، فيما ينبغي أن تتوقف ميكروفونات المعارضين في الخارج عن الإساءة والتجريح بالشعب الأردني.
التقط الطاهات، بحصافة، تلك المفارقة في آخر إصداراته التشخصية للوضع المحلي، لكن الانطباع يزيد وسط الغالبية الساحقة من الأردنيين بوجود إشكالات تخصهم مع الإدارة والحكومة من جهة ومع المعارضين الشخصانيين من جهة أخرى.
وهي جملة حاول التكتيك في باطنها نخبة من معارضي وحراكيي الداخل، تجمعوا قبل أسابيع في منزل الوزير السابق أمجد المجالي، ثم صدرت عن اللقاء مبادرة تحريكية للحراك الشعبي أعلنت عن حراك جديد ودعوة للتجمع والتحشيد يوم 24 آذار.
قيل للمجتمعين بمعية المجالي الكثير عن عدم وجود حاضنة اجتماعية وعن انعزالية خطابهم، وحوصر المجالي نفسه عائلياً وسياسياً وبأكثر من صيغة، بعضها خشن، مع أنه طوال الوقت تحدث عدة مرات مع “القدس العربي” عن اهتمامه بالإصلاح والتغيير، وليس بالسياق التحريضي الانتخابي، كما يُتهم.
قال المجالي بوضوح إنه لا يريد إلا الإصلاح والمصلحة العامة.
لكن كثيرين يشككون بحراكه، فيما لا يجذب حراك معارضة الخارج إلا مباركات عبر منصات التواصل نكاية بالدولة لا أكثر ولا أقل.
يعيد بيان باسم لجنة المتابعة الوطنية واللجنة التحضيرية للإنقاذ أرسله المجالي لـ”القدس العربي” التذكير، أمس الأول، بالسعي للنزول إلى الشارع مع نهاية الأسبوع الحالي.
يبدأ البيان صيغته بعبارة “يا أبناء شعبنا العظيم”، وهي عبارة ترد ضمنياً على سخرية علنية منها نفسها بلسان المعارض المعروف ليث شبيلات، الذي طالب علناً بتوقف ترديد تلك العبارة على أساس أن الشعب الأردني ليس عظيماً.
يكمل بيان اللجنة والمتابعة متحدثاً عن عامين أثقل فيهما النظام والدولة على الشعب، وعن “شدة لا تزول”، لأن دوائر القرار تستمع للفاسدين والمنافقين فقط، ولأن أصحاب الكراسي والمناصب يضربون طوقاً لا فكاك منه على الشعب والشرفاء ‘لا بالموت أو بما لا نحب.
لاحقاً، يتحدث البيان نفسه عن تمزيق العشائر وتصنيع الأحزاب. وبعد إعلان البراءة مما يرى ويسمع، يقترح على الأردنيين التواجد في اليوم المنشود في الساحة الهاشمية وسط العاصمة عمان وتمام الساعة الثالثة، للخروج في اعتصام يرفع فيه صوت الشعب مجدداً.
أضاف البيان: سنخرج وتخرجون معنا فقط للتعبير عن حق دستوري سلمي ضد الظلم والسرقات والفساد والفقر والأسعار والقهر وتغول المحفل، متطلعين لمشاركة الجميع في الاعتصام في سبيل إنقاذ الوطن قبل فوات الأوان.
يمكن ببساطة ملاحظة الفارق بين بيانين تفصلهما 3 أسابيع في إطار الدعوة لحراك 24 آذار مجدداً، ففي الأول كانت منطقة التجمع المقترحة دوار الداخلية في قلب العاصمة وليس الساحة الهاشمية في وسطها، والهدف الاحتجاج والاعتصام لاستعادة أموال الدولة، وليس تلك الصياغة المرنة بخصوص المحفل والأسعار.
هل يعني تغير اللهجة والعناوين هنا مع ثبات التوقيت دلالة من طراز ما؟
الإجابة على الأرجح “نعم”؛ فقد قدر المنظمون مسبقاً بأن منطقة دوار الداخلية قد ينتج عنها مبرر أمني للخشونة في فض الاعتصام، والأمل في استدراج الإسلاميين للمشاركة شبه انتهى بعد تواصل عقيم ما بين لجنة المتابعة وقيادات في الحركة الإسلامية، والقرار بالعودة لقرار منطقة الساحة الهاشمية محاولة لإظهار قدرة على التنظيم والضبط وتفويت أي مواجهة مع قوات الدرك بدلاً من التشدد الذي يعنيه اقتراح مثل التجمع في منطقة دابوق غربي العاصمة.
تصدر دعوة تحرك شعبي مجدداً، فيما يخفق المعنيون بعد نجاحات قليلة نسبياً خلف الستارة في برنامج توحيد الحراكات الشعبية، ويشكل التيارَ الإسلاميَّ طاقمٌ صغير يبحث عن خيارات حكمة وتعقل واعتدال بعنوان تشاور هنا وهناك مع مقربين مفترضين من الديوان والقصر الملكي، وعلى أساس دعاة وئام وليس انفصال والبحث عن حوار مع المرجعيات.
في الخلاصة، سيتجمع عشرات فقط على الأرجح في يوم الحراك الموعود مادام الإخوان المسلمون خارج الصورة، والمعلمون لديهم قضية ليست سياسية.
ذلك طبعاً “نبأ سار” للحكومة، خصوصاً إذا ما قررت التعامل مع القشرة فقط في المشهد، لكنه نبأ غير سار لدعاة توحيد الجهود، ولا يعني بأن سردية الحكومة أو السلطة اليوم هي الأدق.. تلك حصرياً الزاوية التي ينبغي أن يهتم بها عقلاء القرار.
من هنا يلغي من؟!
أليس في الأردن إنسان أو أسرة أو شركة منتجة للمنتجات الإنسانية أم لا؟!
هل الدولة عالة على من فيها؟!
أم من فيها هم عالة على الدولة؟!
فمن هنا يتخوّت على من، من أجل سرقة أو السلبطة على من؟!
كفى استخفاف بالعقول، يا مدير مكتب الجريدة، يا بسام البدارين.