قراءة لما بعد الضربة الاسرائيلية

من المفترض ان تؤدي الغارات الاسرائيلية العدوانية الى زيادة التعاطف الجماهيري العربي مع سورية، باعتبارها مستهدفة من العدو الاكبر للأمة، لكن عدم الردّ على هذا العدوان حتى كتابة هذه السطور جعل هذا التعاطف اقلّ من المتوقع، رغم شماتة المعارضة السورية وانصارها الواضحة، وترحيب البعض فيها بمثل هذا العدوان علانية.
احتمالات الردّ السوري ما زالت واردة، علاوة على كونها مشروعة وتصبّ في خانة الدفاع عن النفس، لكن كلما تأخر هذا الرد كلما كبر حجم الخسارة وتضخم، وتبخر، او بالاحرى تناقص عمق التعاطف الجماهيري، وهنا تكمن معضلة النظام الكبرى، وحجم حالة الحرج التي يعيشها حاليا داخليا وعربيا.
حلفاء سورية مقترون جدا في تعليقاتهم على هذا العدوان، ومقترون اكثر في كيفية الردّ عليه، فالجمهورية الاسلامية الايرانية ‘متحفظة’ في ردود فعلها، وحزب الله اللبناني الذي يشكل قلقا لاسرائيل اكبر مما تشكله حليفته السورية، يلتزم الصمت حاليا، ولم يقل انه سيرد على هذا العدوان الاسرائيلي الذي ارسل صواريخ طائراته من الاجواء اللبنانية الرّخوة وغير المحمية بأي مظلة دفاعية جوية.
الحليف الروسي ما زال يفضل التهدئة، وبذل كل جهد ممكن لمنع انفجار حرب اقليمية او دولية يتورط فيها عسكريا، وهذا ما يفسر اتصال الرئيس فلاديمير بوتين برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مهدئا، او ربما محذرا من عواقب خطيرة يمكن ان تترتب على اي تكرار للغارات الاسرائيلية.
نتنياهو ربما لن يتجاوب مع التحذيرات الروسية، لانه يقصف سورية، ووحدات للجيش الجمهوري فيها، بتوجيه من واشنطن، ونيابة عنها، وخدمة لمصالحها، فالقنابل المستخدمة في قصف مخازن الصواريخ من طراز’فاتح 110’، التي قيل انها كانت في طور الانتقال الى حزب الله، قنابل شديدة الدقة وحديثة تضرب الاعماق البعيدة.
بمعنى آخر اسرائيل تحوّل سورية الى حقل تجارب لاختبار فعالية الاسلحة الامريكية الحديثة، وقدرتها على التدمير، ربما تمهيدا لاستخدامها ضد ايران في حال حانت ساعة الصفر للهجوم عليها، لتدمير منشآتها النووية المبنية في عمق احد الجبال القريبة من مدينة قمّ.
‘ ‘ ‘
اسرائيل بعدوانها هذا على سورية تريد تفجير حرب اقليمية والتعجيل، بصورة او بأخرى، بإسقاط النظام في دمشق، او اضعافه واحراجه في الحد الادنى، ولا نستغرب ان تلجأ واشنطن، التي قالت انها تعيد النظر في تحفظاتها في الملف السوري، الى شن غاراتها هي الاخرى لتحقيق الهدف نفسه.
ندرك جيدا ان اي رد عسكري سوري انتقامي قد يفتح ابواب حرب جهنمية على مصراعيها، ولذلك يتطلب هذا الرد التأني والتشاور مع الحلفاء الروس والايرانيين قبل الاقدام عليه، ولهذا جاءت احاديث النظام الفورية عن الردّ تقليدية، مثل ‘اختيار المكان والزمان المناسبين’، وهي جملة اصبحت موضع تندّر.
الشيء نفسه يقال ايضا عن إيكال امر الردّ على الغارة الاسرائيلية الى المقاومتين، اللبنانية والفلسطينية، والتلويح بفتح جبهة الجولان امام الثانية، فهذه الجبهة باتت مفتوحة اصلا بعد انسحاب 20 الف جندي سوري منها (فرقتان) من اجل الدفاع عن العاصمة دمشق. فلماذا لا تقوم المقاومة السورية والجيش السوري والصواريخ السورية بهذه المهمة جنبا الى جنب مع حركتي المقاومة اللبنانية والفلسطينية؟
لا نعرف حسابات النظام السوري، وما يدور في ذهن خبرائه الاستراتيجيين في الوقت الراهن، ولكن ما نعرفه ان عدم الردّ وبسرعة اخطر بكثير من اي تداعيات يمكن ان تترتب على الردّ، بالنظر الى التوظيف المرعب لعدم الرد من قبل اعداء النظام، وما اكثرهم هذه الايام، وما اقوى اساليبهم وادواتهم الدعائية.
‘ ‘ ‘
حزب الله اللبناني تصدى للعدوان الاسرائيلي عام 2006 وابلى بلاءً حسنا لأكثر من ثلاثين يوما من الصمود، والمقاومة العراقية حررت بلدها من الاحتلال الامريكي الذي يمثل بلدا هو الاقوى على مرّ التاريخ، وحتى المقاومة في قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته عن 150ميلا مربعا، ردت دائما وبقوة على كل عدوان اسرائيلي استهدف اهلها، رغم امكانياتها المتواضعة جدا، وصواريخها شبه البدائية.
العدوان الاسرائيلي على سورية لن يتوقف، والضربات الجوية قد تتكرر غدا او الاسبوع المقبل او الشهر المقبل، واذا توقفت فإن ضربات امريكية او اوروبية اخرى قد تأخذ زمام المبادرة منها، فسورية مستهدفة والمقاومة المجاورة لها (حزب الله) والمتضخمة على ارضها (الجماعات الجهادية) ستظل هدفا اسرائيليا، سواء بقي النظام او لم يبق.
سورية التي كنا نعرفها لم تعد موجودة، ونقولها بكل مرارة، سورية الحالية مدمرة منهكة شعبها منقسم وتعيش حربا اهلية طاحنة دخلت عامها الثالث، وتتحول تدريجيا الى حرب طائفية وتطهير عرقي ربما يمتدان الى المنطقة بأسرها.
الحلول السياسية باتت معدومة، والحسم العسكري الذي استخدمه الطرفان طوال العامين الماضيين فشل، واسرائيل نزلت الى ميدان الأزمة بقوة، وربما نشهد محاولات تأجيل للحرب لبضعة اسابيع او اشهر، ولكنها ستنفجر حتما، وليس من المستبعد ان تخرج اسرائيل من هذه الحرب ، ومهما امتلكت من قوة ودعم غربي وعربي، الخاسر الاكبر.. ألم تُهزم امريكا في العراق وافغانستان، ولم ينجح مشروعها في ليبيا حتى الآن على الاقل؟ فلماذا كل هذا الخوف منها ومن الردّ على عدوانها؟
Twitter:@abdelbariatwan

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Abdel:

    if assad retaliate i will cut my hands. Assad is coward and brave only upon the weak upon Syrians. But for israel he will do nothing.

    1. يقول عامر:

      كنت دائماً أشتم رائحة التعاطف من الأستاذ عبد الباري مع النظام السوري وأسأل نفسي لماذا؟ وضح الأمر بالنسبة لي الآن. أستاذنا الكريم كغيرة من الغيورين على فلسطين يتمنون أن تكون هناك قوة عربية قادرة على الوقوف في وجه إٍسرائيل. العجيب أن العالم كله يعرف أن سوريا لم تكن تملك لا الإرادة ولا القدرة على مواجهة اسرائيل فالجيش السوري المرابط على الجولان لا يمتلك حتى بساطير عسكرية وجالسين في مواقعم بالشباشب بانتظار الجزار الإسرائيلي. يا أستاذ عبد الباري النظام السوري لن يرد أبداً على اسرائيل لأن ضمانة بقائه هي عدم الدخول في مواجهة مع اسرائيل.

  2. يقول Fares:

    يجب القضاء على عدو الداخل الارهابين اولآ الذين وصل بهم الامر لاستعمال السلاح الكيماوي لقتل الشعب السوري وقاتلين الاطفال والنساء ومهدمين المساجد هولاء اخطر من الصهاينة لانهم في الداخل كيف تطلب من الشعب السوري ان يتجه الى محاربة الصهاينة وترك الارهابين يعثوا فسادآ وتنكيلآ بالشعب السوري كان يجب عليك ان تقول للارهابين ان يتجهوا الى حدود فلسطين لمحاربة الصهاينة بدلآ من مقاتلة الشعب السوري والجيش السوري سوف يكون سندآ لهم .

  3. يقول ايمن:

    ويل للعرب من شر قد اقترب. بعد كل هذا الذل و الهوان, اتمنى ان تقوم اسرائيل بابادة هذه المخلوقات الذليلة و البليدة. غثاء كغثاء السيل.

    1. يقول اصف:

      لم تدخل اسرائيل في هكذا اسلوب الا ……للتغطيه على ابشع جريمه في التاريخ المعاصر جريمة بانياس وهي خدمه لعصابة الاسد …هل التوقيت كان صدفه ؟؟؟؟ جريمة بانياس الرهيبه ماهذه المصادفه بالتاكيد هو تنسيق منظم ومدروس

    2. يقول أحمد أهني:

      فأستخف قومه فأطاعوه, فكذلك حالنا مع هؤلاء . نعم الصهلينة في فلسطين يهينون
      الجميع الجميع شعوبا و حكاما فيا ليتهم خلصونا وفعلوا ما دعوتهم إليه يا أيمن ,,,,,

  4. يقول الأردن الكبير.:

    لن تحدث الحرب على سوريا. بعض الأمور التي تحتاج إلى تمحيص : 1. الأردن لم يقم بإدانة الغارة !!! بينما فعلت ذلك السعودية !!! 2. إيران قررت على نحو مفاجئ إرسال وزير خارجيتها للقاء نظيره الأردني يوم الثلاثاء !!! 3. حدث كل هذا التسارع في الملف السوري بعد إختتام جلسة مجلس الأمن السرية بخصوص الطلب الأردني، و التي إنتهت بمعارضة روسيا و الصين لفكرة إخراج درعا و القنيطرة من عباءة نظام بشار، تحت لافتة حماية اللاجئين. 4. الضربة الإسرائيلية كانت بمثابة : هزة رسن ، لنظام بشار و حلفائه ، قبل الجلسة القادمة لمجلس الأمن الأسبوع القادم. بإختصار، هذا الشهر سيكون مليئا بالمساومات و التجاذبات، من أجل تطويع روسيا و الصين ، لإصدار قرار مجلس الأمن المرتقب، مطلع حزيران، الذي سيؤدي إلى سلخ درعا و القنيطرة عن سوريا.

  5. يقول ياسين حريري:

    سؤال يحمل الجواب في طياته . ” فلماذا لا تقوم المقاومة السورية والجيش السوري والصواريخ السورية بهذه المهمة … ” خشية ان يسقط ما تبقى من عظام النظام وهو رميم , الا اذا كان هناك وراء الاكمة ما وراءها. وجل من لا يخطىء

  6. يقول بن لخضر مبروك:

    من المستحيل أن يقوم النظام السوري الخبيث بالرد على هذه الغارة ولو تكررت 1000 مرة ببساطة لأنه متمسك بالسلطة إضافتا ألى كونه نظام جبان يجيد أستعراض قوته في شعبه فقط ونهايته ستكون قريبة جدا

  7. يقول الميادين!!!!!!!!!!!!!!1:

    كلام منطقي

  8. يقول جهاد صالح من فلسطين:

    لن يرد ، ما دام الهدف الأكبر هو البقاء في السلطة وليذهب الجولان وفلسطين إلى الجحيم، انه نظام يقاوم بالوكالة وعبر الجرائد،
    ان ما يحصل في سوريا هو نتيجة عدة عوامل يتحمل نظام الأسد معظمها، من الذي استمر في قتل متظاهرين عزٓل لأكثر من سبعة اشهرقبل ظهور ما يسمى بالجيش الحر ؟، من الذي دفع بالجيش للمشاركة في هذا القمع حتى قبل عسكرة الاحتجاجات ،
    حتى ايران (التي تدعم الأسد )فيها انتخابات حرة وتداول للسلطة ولم يرث نجاد الحكم ولن يستطيع الترشح مجددا ، هل نستطيع ان ننكر ان هناك مؤامرة ضد ايران ؟ ومع ذلك هناك انتخابات وديمقراطية وبرلمان قوي يحاسب ويعزل ، وتحصين للجبهة الداخلية عبر الشعب الحر الذي يختار حاكمه بنفسه وليس عبر أجهزة أمنية بائسة داست دوما كرامة المواطن ، وليس عبر برلمان من المصفقين الذين يطالبون الأسد ان يكون رئيساً للعالم كله.
    لن يرد سيدي العزيز ،لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي.

  9. يقول أبو السعيد - فلسطين:

    سؤالك وجيه جدا ورائع جدا أستاذنا عبد الباري (أبوخالد) : “فلماذا كل هذا الخوف منها ومن الردّ على عدوانها؟” … وللإجابة عن هذا السؤال أقول وببساطة شديدة :
    الجيش السوري والعمق السوري تم ضربه من طائرات بني صهيون عدة مرات ، في البقاع اللبناني وفي سوريا بل وحلق الطيرن الصهيوني فوق قصر الرئاسة وفي ظروف كانت فيها سوريا أقوى آلاف المرات من سوريا اليوم ..وفي كل ضربة يأتي نفس التعليق الخائب : ( سيتم الرد في المكان والزمان المناسبين) .. ولم يأت لا الزمان المناسب ولا المكان المناسب وآظنه لن يأتي طالما بقي نظام يملك من العتاد والعدّة آلاف أضعاف ما يملكه المحاصرون منذ سبع سنوات في غزة العزة …ورغم كل ما يملكه من طائرات وصواريخ بكل الأشكال والمقاسات التي لم تظهر إلا لتدمير سوريا وإبادة شعبها … هذ النظام عجز عن إطلاق رصاصة واحدة من أجل تحرير أرضه .واستعادة الجولان … والأخطر من ذلك أنه منع أي عمليات ضد الصهاينة من أرضه حتى لو كان من سينفذها مقاتلو حزب الله .. هذه الحقيقة يعرفها الشيخ حسن نصر الله وكل قيادات حزب الله .. ولعل اغتيال القائد الفذ (مغنية) في سوريا جعل حزب الله يتريث كثيرا في إرسال قياداته إلى دمشق ولسبب يعرفه الشيخ حسن نصر الله والقيادات العليا في الحزب … لعل فيما ذكرته إجابة على سؤالك أستاذنا الفاضل …. مع خالص تقديري واحترامي لكم ..

  10. يقول عابر سبيل:

    من المؤكد ان النظام السوري سوف يرد. سوف يرد بان يواصل قصف مواطنيه بالصواريخ والطائرات. ألم يدع ان الهجوم تم بالتنسيق مع المعارضة المسلحة؟ اذن سوف يرد بضرب هذه المعارضة..

    اما ان يرد بقصف اهداف اسرائيلية فان هذا غير وارد اطلاقا. عندما يقصف نظام ما ابناء شعبه فانه يكون قد فقد آخر ذرة حياء وليس آخر ذرة وطنية ومقاومة وممانعة. ولهذا لن سرد النظام السوري على صواريخ اسرائيل بتوجيه سلاحه اليها.

    من ناحية ثانية، لماذا لا نقرأ ما يحدث من زاوية اخرى؟ لقد ساعدت هذه الهجمات الاسرائيلية النظام على الظهور بمظهر المستهدف و”العدو” لاسرائيل. اي انها خدمته لكي يدعي انه نظام “مقاومة” وأثارت الريبة والشك حول من يحاربونه. وهذه اكبر خدمة.

1 2 3 12

إشترك في قائمتنا البريدية